لماذا ترغب السعودية والإمارات في تشويه صورة راشد الغنوشي؟

عدد القراءات
1,055
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/09 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/09 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش
راشد الغنوشي

في الشهر الماضي، بثّت قناة الغد التلفزيونية الإماراتية تقريراً إخبارياً حول مظاهرات في كافة أنحاء تونس "احتجاجاً على البطالة". لكن المقطع المعروض كان ينقل في الواقع مظاهرةً حول أحد أندية كرة القدم في بنزرت، التي لا علاقة لها بمشكلات البلاد الاجتماعية، إلى جانب مشاهد من مظاهرات ضد "صفقة القرن الأمريكية" قبل بضعة أشهر.

ليست هذه التغطية عرضية. إذ إنّها جزءٌ من حملةٍ مُنظّمة لتصوير الديمقراطية التونسية على أنها فاشلة.

وفي الثالث من يونيو/حزيران، اجتمع البرلمان التونسي ليُناقش موقف البلاد من الصراع الليبي. وفي خطوةٍ غير معتادة، قرّرت المنافذ الإعلامية المدعومة من السعودية والإمارات بثّ الجلسة على الهواء مباشرةً، تحت عناوين مثيرة للجدل ومُضلّلة مثل "استجواب الغنوشي".

وتأتي قضية إقالة رئيس البرلمان راشد الغنوشي من منصبه بضغطٍ من السياسية المُؤيِّدة للنظام القديم عبير موسي، التي ركّز خطابها -قبل وبعد انتخابات العام الماضي- على مبدأين: أوّلهما أن الربيع العربي وإنهاء ديكتاتورية البلاد كانت أفعالاً فوضوية حصلت نتيجة مؤامرة من القوى الأجنبية، وثانيهما أن معتنقي الإسلام السياسي هم "إرهابيون" وأعداءٌ حقيقيون لتونس.

وتُسلّط هذه الأفكار الضوء على الطبيعة الاستبدادية للحزب الدستوري الحر الخاص بعبير. إذ إنّ هوسها بالقضاء على الإسلام السياسي يُذكّرنا بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كما يُسلّط الضوء على رفضها قبول الحقوق الدستورية الأساسية للتونسيين في التنظيم السياسي وحرية التعبير.

وطالبت عبير بحظر حركة الإخوان المسلمون في البرلمان التونسي.

وتتفق عبير وحزبها في تلك القضايا مع المحور الإماراتي-السعودي، وتنظر إلى العملية الديمقراطية بوصفها تهديداً مُباشراً للنظام العربي القديم.

وجرى التصدّي لهذه القضية مباشرةً في مصر، حيث دعمت السعودية والإمارات عملية الإطاحة بأول رئيس مُنتخب بحرية في البلاد محمد مرسي.

ولا يخفى على أحد هوس السعودية والإمارات بالإسلام السياسي، الذي أدانوه على نطاقٍ واسع بوصمة الإرهاب. إذ ضغطت الإمارات سياسياً على الحكومة البريطانية لإصدار تقرير يُصنّف الإخوان المسلمون على أنّها جماعةٌ تورّطت في أعمال إرهابية.

كما ضغطوا باستماتة على الولايات المتحدة لتطبيق تشريع يُدرج الإخوان على قائمة الجماعات الإرهابية. ورغم توقّف التشريع في الكونغرس، لكنّه سيُعاود الظهور سريعاً في حال إعادة انتخاب ترامب.

دعم حفتر في ليبيا

هناك مجموعة مُعقّدة من العوامل هي المسؤولة عن هذه الحملة الضارية ضد الإسلام السياسي، أبرزها هو الخوف من وجود جماعة مُحافظة ومُنظّمة جيداً ومُحفَّزة اجتماعياً، ما يمنحها نفوذاً كبيراً في السياق المجتمعي لدول الخليج.

علاوةً على أنّ القناعة الأيديولوجية بـ"الإسلام المُعتدل" بوصفه نوعاً من أنواع "القوة الناعمة"، لتحقيق المكاسب السياسية، تنظر إلى تفسيرات الإسلام الأخرى -ومنها أيديولوجية الإخوان- بوصفها تهديداً وجودياً. ولكنّها تتساهل -للمفارقة- مع استهداف الإخوان مثلاً على يد أصحاب الآراء الأكثر تشدُّداً.

ففي ليبيا على سبيل المثال، نجد أنّ السعوديين والإماراتيين ليست لديهم مشكلة في دعم التيار المدخلي السلفي المُتشدّد من أجل مواجهة الإخوان. إذ تُمثّل ليبيا مسرحاً كبيراً للحرب الإماراتية-السعودية ضد الإخوان والديمقراطية نفسها.

ولجأ السعوديون والإماراتيون إلى دعم الحل العسكري بالكامل للمشير خليفة حفتر: وهو إبادة جميع المنافسين وتأسيس نظام قريب من نظام الزعيم السابق معمر القذافي، بناءً على حكم زعيم استبدادي مُنفرد.

ويبدو أن الإمارات هي المُموّل الرئيسي لهذه الحرب التي لا معنى لها، بحسب ما كشفه تقرير الأمم المتحدة المُسرّب في أبريل/نيسان من تفاصيل غير مسبوقة حول التورّط العميق للإمارات في دعم حفتر. ولكن بالتزامن مع خسارة حفتر وحلفاؤه للحرب؛ فقد بدأوا الانخراط في أفعال غير عقلانية بشكلٍ مُتزايد.

الضغط على تونس

بعد هزيمته في المواقع الكُبرى غربي ليبيا، لجأ حفتر إلى إنهاء ارتباطه بإطار عمل الأمم المتحدة الذي يشمل اتفاق الصخيرات عام 2015، الذي يعتمد عليه إطار العمل السياسي الهشّ للغاية. وأيّ كيان مدني مُنتخب ديمقراطياً ويجمع مختلف الجماعات السياسية -مثل الإسلام السياسي والإخوان- سيُقابل بالرفض من الإماراتيين والسعوديين.

ولن يتوقّف الصراع في ليبيا. إذ يرى داعمو حفتر في الهزائم الأخيرة فرصةً لتكثيف الصراع بالمزيد من الأسلحة والضغط على الجارة تونس، التي تصوغ موقفها الخاص من ليبيا بعناية.

إذ يُركز موقف الرئيس التونسي قيس سعيد من ليبيا على نقطتين: الأولى هي الشرعية الدولية، بما في ذلك الاتفاقية التي رعتها الأمم المتحدة للاعتراف بحكومة الوفاق الوطني.

والثانية هي إصراره على حلٍّ سلمي ليبي فقط دون التدخّل الأجنبي الذي يُؤجّج الصراع. ولكن حتى ذلك الموقف المُعتدل يبدو مرفوضاً من الإماراتيين والسعوديين.

أضِف إلى ذلك أنّ حزب النهضة الإسلامي، الذي فاز بأكبر عدد مقاعد في الانتخابات التشريعية التونسية الأخيرة، يُدافع علناً عن حكومة الوفاق الوطني. كما اتّصل زعيم النهضة الغنوشي مؤخراً برئيس الوزراء الليبي فايز السرّاج لتهنئته عقب استعادة حكومة الوفاق الوطني لقاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية، ما أثار انتقادات بأنّه يتجاوز صلاحيات منصبه.

الدور التركي

قبل بضعة أشهر، أُثيرت انتقادات مُشابهة ضد الغنوشي بعد أن أجرى زيارة مُفاجئة إلى تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان.

ومن الواضح أن الدور المتزايد لتركيا داخل ليبيا -خاصةً بعد مساعدة أنقرة لحكومة الوفاق الوطني في الهيمنة على سماء البلاد وإنهاء التفوّق الجوي لقوات حفتر- يُمثّل عنصراً أساسياً في المعادلة الليبية، ما يُثير القلق في أوساط المحور الإماراتي-السعودي.

ولن ينتهي هذا الصراع بسهولة، إذ ما يزال المحور راسخاً من الناحية الأيديولوجية. فضلاً عن أن صبر تركيا على الدولتين بدأ ينفد.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

طارق الكحلاوي
سياسي وأكاديمي تونسي
تحميل المزيد