جاءته مكالمة أثناء إجرائه عملية جراحية اختيارية، داخل مستشفى كرايستشرش، تقول له إنهم في حاجة ضرورية إليه في غرفة عمليات أخرى.
فهي المرة الأولى التي يُطلب من جراح الأوعية الدموية أديب خنافر التوجه إلى غرفة عمليات أخرى وبسرعة، خاصة أن ذلك كان ظهر الجمعة 15 مارس/آذار 2019، حسبما نقلت صحيفة The New Zealand Herald النيوزيلندية.
المكالمة التي جاءت للجراح كانت مختلفة تماماً
قال الطبيب لصحيفة The New Zealand Herald: "كانت هذه مكالمة مختلفة كلياً… وقالت "احضر الآن" و "أين أنت" و "كم تبعد". هذه هي المرة الأولى التي أركض فيها إلى غرفة عمليات".
لم يكن خنافر على علم بأن ما يقرب من 50 شخصاً كانوا قد قُتلوا في هجوم ناري على مسجدين في مدينة كرايستشرش النيوزيلندية. وكان عشرات آخرون أصيبوا وبدأوا في التدفق إلى المستشفى وهم في حاجة ماسة إلى المساعدة.
كان الغالبية ذكوراً بالغين، ولكن كان هناك بعض النساء، وعدد قليل من الأطفال.
تم استدعاؤه لإجراء عملية لبعض مصابي هجوم المسجدين
عندما وصل خنافر إلى غرفة العمليات، رأى صورةً لن ينساها أبداً: طفلة تبلغ من العمر 4 أعوام مصابة بطلقات نارية وتناضل من أجل البقاء على قيد الحياة.
خضعت الطفلة لعملية جراحية استغرقت 45 دقيقة، لكن خبراته كانت مطلوبة للمساعدة في إصلاح الضرر الذي تعرَّضت له الأوعية الدموية للطفلة، ولاسيما حول منطقة الحوض.
قال الطبيب باكياً: "كان من المؤسف أن أرى طفلةً صغيرة على طاولة العمليات".
وبعد أن اعتذر عن عدم استطاعته إخفاء مشاعره، واصل الجراح حديثه قائلاً إن لديه أربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و14 عاماً. وأضاف: "كان من الممكن أن يكون ولدي، وكان من الممكن أن تكون ابنتي".
كانت العملية هذه المرة لطفلة في الرابعة من عمرها
أجرى خنافر عمليات جراحية لعدد لا يُحصى من المرضى، فضلاً عن أنه يُشرف على تدريبات خارج البلاد، لكنه لم يجر عملية جراحية لطفل على الإطلاق.
قال: "كانت أصغر حالة قابلتها خلال مسيرتي المهنية في الثلاثينيات من عمرها، و90% من الحالات تتجاوز أعمارها 60 عاماً".
لم يتوقف خلال العملية الجراحية عن التفكير في زوجته وأطفاله، أو ما حدث في مدينته. فلم يركز على الحقيقة التي تشير إلى أنها كانت طفلة، بل نحَّى عواطفه جانباً، وفعل ما كان مُدرَّباً عليه.
ما الذي جعله يجهش بالبكاء بعد انتهاء العملية؟
في اللحظة التي أنهى فيها العملية الجراحية وخلع الثوب الجراحي، اختلف الأمر تماماً.
قال خنافر: "خرجت من غرفة العمليات وبدأت في البكاء".
اتصل بعد ذلك بأسرته ليتأكد أنهم بخير، ثم ذهب ليتحدث إلى والد الطفلة، الذي كان مصاباً هو الآخر، كي يحاول طمأنته قليلاً.
أوضح الطبيب: "قلت له إننا فعلنا ما بوسعنا، والبقية متروكة لله عز وجل".
أضاف خنافر -الذي وُلد في الكويت ويقول عن نفسه إنه بريطاني من أصول لبنانية- أنه منذ ذلك الحين لجأ إلى زملائه وأصدقائه وعائلته من أجل الدعم.
لكنه متفائل بحالة الطفلة الصحية
وبالرغم من أنها أحزن عملية أجراها، فقد وصفها أيضاً بنقطة مضيئة في مسيرته المهنية، وأشار إلى أنه يتواصل مع مستشفى ستارشيب للأطفال ليطمئن على الطفلة، التي لا تزال في حالة حرجة، بينما يمكث أبوها هو الآخر في مستشفى أوكلاند.
قال خنافر عن فرص تعافيها: "إننى متفائل للغاية".
وأوضح أن الرعب الذي خلَّفه الحادث أثَّر على أطفاله.
وأضاف: "ابنتي البالغة من العمر 13 عاماً تريد من أمها أن تخلع الحجاب، لأنها تشعر بالقلق عليها من أن تُستهدف".
غير أن جراح الأوعية الدموية يحافظ على حسّه الإيجابي بشأن مدينته، بالرغم من الرعب الذي شهده في غرفة العمليات.
وقال: "أخبرتها أننا لا نزال في مدينة آمنة".
ولا يزال تسعة وعشرون شخصاً يتلقون الرعاية في مستشفى كرايستشرش، وثمانية منهم في حالة حرجة.