أُجبر الرئيس الفنزويلي المحاصر بالأزمات نيكولاس مادورو على إغلاق المدارس ومنح العمال يوم عطلة بعد استمرار انقطاع الكهرباء لليوم الثاني على نحوٍ حاد ومهدد لاستقرار البلاد.
ففي صباح يوم الجمعة 8 مارس/آذار، وبعد استمرار انقطاع الكهرباء في معظم أنحاء البلاد لأكثر من 19 ساعة، أعلنت دلسي رودريغيز، نائبة الرئيس الفنزويلي، إغلاق المدارس وأن يمكث العاملون في القطاعين العام والخاص في منازلهم وفقاً للتقرير الذي تناول الأزمة في صحيفة The Guardian البريطانية.
اتهامات حكومية فنزويلية للمعارضة بقطع الكهرباء
وقالت دلسي لشبكة Telesur التلفزيونية الحكومية إن بلادها وقعت ضحيةً لـ"عمل تخريبي نفذته المعارضة اليمينية المتطرفة في فنزويلا" ضد محطة طاقة كهرومائية في جنوبي البلاد.
خيم الهدوء على شوارع العاصمة الفنزويلية كاراكاس وسط تنامي المخاوف بشأن التكلفة البشرية لما أسماه مراقبون أسوأ انقطاع كهرباء في ذاكرة البلاد.
وقال إيونيس لامبل، طبيب أطفال في كاراكاس: "لا أستطيع تخيل كيف يقضي الأطفال، حديثو الولادة الموجودون في وحدات العناية المركزة، ليلتهم -أي الأطفال المتصلون بأجهزة التنفس الصناعي".
ويُظهِر مقطع فيديو مرعب منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأطباء وهم يحاولون الحفاظ على تنفس الأطفال يدوياً في مستشفى هوغو تشافيز للأطفال في كاراكاس.
Esta tragedia no tiene perdón de Dios. ¿¿Cómo es posible que nos pongan en semejante situación??
La Maternidad de El Valle no tiene planta eléctrica #SinLuz pic.twitter.com/1wZ2dgQYgz— Ana María Diez (@AnaMariaDiez) March 8, 2019
في إحدى عنابر مستشفيات الولادة في المدينة، شاهد مراسل وكالة Associated Press الأمريكية، أمهات يبكين وهن يشاهدن الممرضات بينما كن يستخدمن الشموع لمراقبة مؤشرات الوظائف الحيوية لأطفالهن المولودين قبل أوان ولادتهم بعد توقف مولد الكهرباء الاحتياطي.
ألقت مراسلةٌ بارزة في شبكة Telesur تتمتع بعلاقة وثيقة مع الحكومة باللوم على "هجومٍ إلكتروني" على محطة غوري للطاقة الكهرومائية.
شجبت دلسي رودريغيز، نائبة الرئيس الفنزويلي الحادثة معتبرةً إياها جزءاً من "مخطط فاسد" للإطاحة بمادورو الذي يواجه صعوبةً في الحفاظ على سلطته بعد أن أعلن زعيم المعارضة خوان غوايدو نفسه القائد الانتقالي الشرعي للبلاد في 23 يناير/كانون الثاني واعترفت به معظم الحكومات الغربية.
"وأن المعارضة تتلقى دعماً أمريكياً"
زعمت دلسي أيضاً أن الولايات المتحدة -الداعم الدولي الرئيسي لغوايدو- اضطلعت بدورٍ في الحادثة، مشيرةً على وجه الخصوص إلى "الأيدي العفنة" للسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وهو داعمٌ بارز لهؤلاء الذين يسعون للإطاحة بمادورو من السلطة.
سخر روبيو من هذه الاتهامات، إذ كتب تغريدةً على موقع تويتر: "أقدم اعتذاري للشعب الفنزويلي. لابد أنني ضغطت بطريق الخطأ على تطبيق "الهجوم الإلكتروني" الذي حمَّلته من متجر شركة آبل. إنه خطئي".
رفض معارضو مادورو الاتهامات التي تفيد بأن انقطاع الكهرباء نتيجةٌ لمؤامرة ضد الحكومة.
وقال رافاييل راميريز، وزير النفط السابق في حكومة هوغو تشافيز، الذي ذهب إلى المنفى بعد انفصاله عن مادورو في 2017، في تغريدةٍ: "انهارت محطة غوري بسبب نقص الصيانة تماماً مثل المحطات الحرارية وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء".
وتابع: "عدم كفاءة وتراخي هذه الحكومة هو ما قادنا إلى هذا الانهيار الكامل".
وقال جيانكارلو فيوريلا، محرر في مدونة In Venezuela، إن الحكومة تلقي دوماً باللوم على خصومها السياسيين في مثل هذه الإخفاقات الشائعة والمتزايدة.
وتابع: "لكنهم لم يقدموا مطلقاً أي نوع من الأدلة. ما حدث، على الأرجح، هو أحد أعراض نظام كهرباء نعلم أنه يعاني من أزمةٍ منذ عقد على الأقل".
وقال فيوريلا إن أزمة الطاقة هي نتيجةٌ لـ"الإهمال، وتردي حالة شبكات الكهرباء، وانتشار الفساد في أعلى مستويات الحكومة الفنزويلية -وهي الأسباب نفسها التي أدت إلى حدوث أزمة في قطاع الصحة، واندلاع الأزمة الاقتصادية. وهذه إحدى أوجه الأزمة الفنزويلية".
ومنذ الخميس 7 مارس/آذار، والكهرباء مقطوعة
وقالت الصحف المحلية إن انقطاع الكهرباء بدأ في الساعة 4:52 مساءً يوم الخميس 7 مارس/آذار وشمل جميع الولايات الـ 23 في فنزويلا تقريباً.
توقفت حركة الطائرات من وإلى مطارات فنزويلا المتداعية وأُجبر العمال على التسلق عائدين إلى منازلهم بعد توقف قطار الأنفاق في كاراكاس. وفي صباح يوم الجمعة، استمر انقطاع الكهرباء في قطاعات كبيرة من البلاد.
ودعا مادورو إلى خروج سلسلة من المسيرات "المناهضة للإمبريالية" اليوم السبت، 9 مارس/آذار، لدعم حكمه لكن ليس واضحاً مدى الاستجابة لهذه الدعوة.
وهو ما سيكون له تكلفة سياسية وبشرية كبيرة
وتوقَّع فيوريلا أن انقطاع الكهرباء -الذي أطلق عليه الأطول في الذاكرة الحية للبلاد- ستكون له تكلفةٌ سياسية وبشرية.
وقال: "من المؤكَّد أن هناك أناساً ماتوا جراء هذا (انقطاع الكهرباء). سأكون مندهشاً للغاية إذا كانت جميع المستشفيات في البلاد لديها ما يكفي من الوقود لتشغيل مولداتها طوال 16 أو 17 ساعة".
وتابع فيوريلا: "سيزيد انقطاع الكهرباء من تفاقم الوضع السياسي المتقلب في الأصل. ليس هذا أمراً جيداً لمادورو إذا كان يحاول أن يبدو مسيطراً على الموقف".
تأخرت الرحلات الدولية من وإلى كاراكاس أو أُلغِيَت ونُشِرَت تقارير عن إجبار رحلةٍ كانت قادمة من العاصمة الكولومبية بوغوتا على إلغاء هبوطها والعودة إلى كولومبيا.
وفي مطار الدورادو في بوغوتا، نفد صبر الركاب وتزايد إحباطهم بعد أن أعلن موظفو المطار أن رحلتهم إلى كاراكاس ستتأخر لمدة تسع ساعات على الأقل.
وقال أحد الركاب الفنزويليين: "لم أسمع مطلقاً عن انقطاع كهرباء بهذا الحجم يمتد طوال هذا الوقت. تزداد الأوضاع سوءاً في كل مرة أعود فيها إلى بلدي. لكن ما الذي يمكننا فعله؟ تلك هي بلادنا".
كانت الحدود البرية والبحرية لفنزويلا قد أُغلِقَت بعد أن مُنِعَ وصول المساعدات الإنسانية الخارجية إلى فنزويلا في الشهر الماضي، فبراير/شباط. ومع توقف حركة الطيران حالياً، أصبحت البلاد مغلقة تماماً.