رفض جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، الدعوات التي تُطالبه بالاستقالة نتيجة الفضيحة التي ضربت إدارته، قائلاً إنَّه تصرَّف هو ومُساعدوه بطريقةٍ صحيحةٍ على الدوام، وإن الشعب الكندي سيقول كلمته بشأن المسألة خلال الانتخابات الفيدرالية في أكتوبر/تشرين الأول.
جاءت تلك التعليقات، حسب صحيفة The Guardian في أعقاب حديث جودي ويلسون رايبولد، وزيرة العدل والمدعية العامة السابقة، عن جهودٍ مُتواصلةٍ ومُثابِرةٍ وغير أخلاقيةٍ بواسطة مسؤولين بارزين مُقرَّبين من رئيس الوزراء حاولوا إقناعها بالعدول عن مقاضاة شركةٍ هندسيةٍ كنديةٍ مُتَّهمةٍ بالرشوة.
وفي شهادةٍ مُثيرةٍ للجدل أمام لجنة وزارة العدل، الأربعاء 27 فبراير/شباط، قالت جودي إن الضغوطات عليها تضمَّنت "تهديدات مُبطَّنة" في حال لم ترضخ.
قالت في بيانها الافتتاحي: "تعرَّضت لجهودٍ مُتواصلةٍ ومُثابِرةٍ من قِبَل عِدَّة شخصياتٍ داخل الحكومة سعوا للتدخُّل سياسياً في ممارسات سلطة النيابة المنوطة بي بموجب منصبي كمُدّّعٍ عام لكندا، وهذا سلوكٌ مُشين".
وشَهِدَ ظهور جودي أمام اللجنة أول تعليقٍ عام لها بشأن الفضيحة التي أصبحت أكبر أزمة واجهت إدارة ترودو.
مُقرَّبون من رئيس الوزراء ضغطوا على جودي من أجل التخلِّي عن خُطَطِها
في أوائل فبراير/شباط، ذكرت صحيفة The Globe and Mail أن مُساعدين مُقرَّبين من رئيس الوزراء ضغطوا على جودي من أجل التخلِّي عن خُطَطِها لمُقاضاة شركة SNC Lavalin الهندسية الكندية، ومقرُّها كيبك، بشأن تُهَمٍ مُتعلِّقةٍ بالاحتيال والرشوة. وطالبوها، بدلاً من ذلك، بأن تسعى لعقد "اتفاقيةٍ لتأجيل الملاحقة القضائية"، مما يسمح للشركة بدفع غرامةٍ مالية.
قالت جودي إنها "حُوصِرَت" وتعرَّضت "للتعقُّب" بواسطة أعضاء الحكومة. واستدعت جودي من ذاكرتها 10 مكالماتٍ هاتفية و10 اجتماعاتٍ مُتعلِّقة بالمسألة، بحسب الملاحظات التي دوَّنتها في أعقاب كل تفاعل.
وتحدَّثت جودي أيضاً عن تفاصيل اجتماعٍ مع ترودو، حيث تحدَّث رئيس الوزراء -بصفته عضواً برلمانياً من كيبك- عن مخاوفه بشأن الوظائف التي تُوفِّرها الشركة في كيبك، وطالبها بـ "المساعدة" في القضية.
وذكرت جودي أنها قالت لرئيس الوزراء: "هل تتدخل سياسياً في منصبي كمدعٍ عام؟ أنصحك بشدةٍ أن تعدل عن ذلك".
وأضافت أن رئيس الوزراء أجاب: "لا لا لا، نحن فقط بحاجةٍ إلى التوصُّل لحل".
وفي ليلة الأربعاء، قال ترودو إنه أمضى "بضعة أسابيع صعبة" نتيجة الخلافات الداخلية في حزبه، لكنه رفض دعوات المُعارضة المُطالبة بالاستقالة. وقال إنه يُخالف جودي الرأي تماماً، مُضيفاً أن قرار تجنُّب ملاحقة الشركة قضائياً كان قرارها وحدها.
وذكرت جودي أيضاً محادثةً مع مايكل ويرنيك، أكبر موظفٍ مدني في الحكومة، الذي نصحها بأن الرئيس يرغب في "العثور على طريقةٍ لإنهاء الأمر، بطريقةٍ أو بأخرى".
ووصفت تلك المحادثات بأنها "تدوس على أرضٍ خطرة". وفي الأسبوع الماضي، قال ويرنيك أمام نفس اللجنة إن جودي لم تتعرَّض لأي ضغطٍ غير لائق.
واتَّخذت حكومة ترودو موقفاً دفاعياً منذ نشر صحيفة The Globe and Mail لتقريرٍ في السابع من فبراير/شباط عن أن ترودو وأعضاء حكومته حاولوا الضغط على جودي لتتجنب ملاحقة شركة SNC Lavalin جنائياً بتهمة الفساد المُتعلِّق بالعقود الحكومية في ليبيا.
ورفضت جودي التخلِّي عن إجراءات التقاضي، وانخفضت درجتها بعد أربعة أشهرٍ لتشغل منصب وزير شؤون المحاربين القدامى -وهي الخطوة التي رأت فيها نتيجةً مُباشرةً لقرارها.
وقالت أمام اللجنة: "لا يسعني سوى التفكير في أن انخفاض درجتي له علاقة بقرارٍ رفضت اتِّخاذه".
أنكر ترودو أن مكتبه "أصدر توجيهاته"
وفي أعقاب ذلك، قالت جودي في شهادتها إنها تشعر بأنها تُعايش "أحداث مجزرة ليلة السبت"، في إشارةٍ إلى حملة ريتشارد نيكسون ضد مسؤولي وزارة العدل الأمريكية إبان فضيحة ووترغيت.
وفي ظل الضغوطات المتزايدة، أنكر ترودو أن مكتبه "أصدر توجيهاته" لجودي، قائلاً إن تواجدها في حكومته دليلٌ على علاقتهم الودِّية. واستقالت بعد بضع ساعاتٍ ووكَّلت توماس كرومويل، قاضي المحكمة العليا السابق، كمحامٍ لها.
وأشارت استطلاعات الرأي إلى أن الادعاءات أحدثت أضراراً كبيرةً على الليبراليين قُبيل الانتخابات الفيدرالية التي يبدو أنها ستتميز بمنافسةٍ شديدة ضد حزب المحافظين المُعارض رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول.
واتَّهم المُشرِّعون المعارضون ترودو بالسعي إلى التستُّر على محاولة المسؤولين مساعدة الشركة، التي يُمكن أن تُحرَم من المزايدة على العقود الفيدرالية لعشر سنواتٍ في حال ثبتت إدانتها.
قال أندرو شير، زعيم حزب المحافظين، الأربعاء، قُبيل الشهادة: "لا يُمكِن لجاستن ترودو أن يُخفي حقيقة كونه مركز محاولة التدخُّل في إجراءات التقاضي الجنائية. ويجب أن يُقِرَّ بذلك أمام الشعب الكندي".
ودعا شير، ترودو إلى التنازل عن منصبه وطالب بتحقيقٍ من الشرطة.
وأضاف: "لم يَعُد بإمكانه الاستمرار في قيادة هذه البلاد، وأقولها بضمير مرتاح".
وكلَّفت الفضيحة ترودو خسارة أقرب مستشاريه؛ إذ استقال جيرالد بوتس في وقتٍ مُبكِّرٍ من الشهر الجاري، لكنه أنكر محاولته -هو أو غيره- الضغط بشكلٍ غير لائقٍ على جودي.
وقال موراي رانكين، عضو الحزب الديمقراطي الجديد، لجودي خلال جلسة استماع اللجنة: "ما أسمعه اليوم يجب أن يُثير غضب الكنديين".
ورُفِعَ عن جودي امتياز السرية بين المحامي وعميله جزئياً لتتمكَّن من الإدلاء بشهادتها يوم الأربعاء، لكنِّها لن تتمكَّن من الحديث عن فحوى اتصالاتها مع ترودو.
وجودي هي مُحاميةٌ من قبائل كواكيوتل في كولومبيا البريطانية، وهي أول مُدعٍ عامٍ كندي من السكان المحليين، وجاء تعيينها في الحكومة أول الأمر دليلاً على سعي ترودو لإعادة تشكيل العلاقة مع السكان المحليين.
وقالت جودي في ختام تصريحها: "تعلَّمت التمسُّك بالقيم الأساسية والمبادئ والتصرُّف بنزاهة. وُلِدتُ من رحم سلسلةٍ طويلةٍ من الجماعات التي تحكمها الأمهات، وأنا راويةٌ للحقيقة بما يتوافق مع القوانين والأعراف في مجتمعنا الكبير. هذا أنا، وهكذا سأظل دائماً".