الأمم المتحدة تحقق في ممارساتها «غير الفعالة» في ميانمار

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/27 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/27 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
مسلمو أراكان الموجودين في معسكرات اللجوء بميانمار

أطلقت منظمة الأمم المتحدة تحقيقاً حول ممارساتها في ميانمار خلال العقد الماضي، حيث اتُّهمت بتجاهل العلامات التحذيرية لتصاعد العنف الذي سبق الإبادة الجماعية المزعومة لأقلية الروهينغا.

وأكدت مصادر الأمم المتحدة لصحيفة The Guardian البريطانية، أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي كان متردداً في بادئ الأمر، قرر المضي قدماً بالتحقيقات بعد "تراكمٍ في الضغط" داخل المنظمة.

الامم المتحدة تجري تحقيقات حول ممارساتها في ميانمار

يترأس التحقيقات غيرت روزنتال، وزير خارجية غواتيمالا السابق، وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي يُعتقد أنه بدأ بالفعل يُشرف على اجتماعاتٍ تتعلق بالمنصب.

يقول ستانيسلاف سالينغ، أحد المتحدثين باسم الأمم المتحدة في ميانمار: "ليس هذا التدقيق موجهاً إلى أي فردٍ أو وكالةٍ بعينها، ولكن إلى آلية عمل الأمم المتحدة كمؤسسةٍ على الأرض، لعلنا نتعلم دروساً مفيدةً للمستقبل"، مضيفاً أن روزينتال لا ينتوي السفر إلى ميانمار لأجل هذا التحقيق.

المسلمين في ميانمار/GUARDIAN
المسلمين في ميانمار/GUARDIAN

خاصة بعد انتشار المذابح والإبادة الجماعية

من جهةٍ أخرى قال مسؤولٌ رفيع المستوى بمقر الأمم المتحدة في نيويورك طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن روزنتال اختير لأنه "اعتُبر جاداً للغاية، وخبيراً مخضرماً في أعمال الأمم المتحدة؛ فهو يعرف البيت من أكثر من منظورٍ، وهو معروفٌ بأنه لا يخشى في الحق لومة لائمٍ".

وقد أُجريت مكالماتٌ عدةٌ بغرض إجراء تحقيقٍ كاملٍ في عمليات الأمم المتحدة في ميانمار في السنوات الأخيرة، والتي وُصفت بأنها "مختلقةٌ بشكلٍ فجٍ"، في مذكرةٍ كُتبت قبل أشهرٍ من الحملة التي قادها الجيش ضد الروهينغا في ولاية راخين، في أغسطس/آب 2017.

العنف، الذي وصفته الأمم المتحدة بالتطهير العرقي، وربما الإبادة الجنسية، تضمن قتل الآلاف، واغتصاب النساء والأطفال، وهدم القرى، وإكراه أكثر من 700 ألفٍ على الفرار عبر الحدود إلى بنغلاديش. وقال مرزوقي داروسمان رئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ميانمار، أواخر العام الماضي، إن هناك إبادةً عرقيةً تجري في راخين.

يسعى التحقيق لبحث أسباب الخلل في أداء الأمم المتحدة في ميانمار

وقال فيل روبرتسون  نائب رئيس قسم آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "من الجيد أن الأمم المتحدة تخطط للانخراط في نوعٍ من البحث الذاتي لفهم الخلل الذي وقع في تعاملها مع أزمة ميانمار".

وأضاف: "من الواضح أنهم أخفقوا في رؤية وتحذير العالم مما كان جلياً لنا وللكثيرين قبل أغسطس/آب 2017 بوقتٍ طويلٍ- وهو أن الجيش البورمي يتحين الفرصة لإطلاق عملية تطهيرٍ عرقيٍ ضخمةٍ للتخلص من الروهينغا".

المسلمين في ميانمار/GUARDIAN
المسلمين في ميانمار/GUARDIAN

ركزت الانتقادات الموجهة لاستجابة الأمم المتحدة على الادعاءات الموجهة رينتا لوك ديسالين، المنسق المقيم السابق في ميانمار، والتي تتهمها بتقليل المخاوف حول تدهور أوضاع الروهينغا، وعرقلة البيانات العامة المنتقدة لحكومة الرابطة الوطنية للديمقراطية، والتي تقودها الحاكمة الفعلية للبلاد أون سان سو تشي، كما تتهمها بإعطاء الأولوية لخطط التنمية الاستراتيجيةٍ على حساب حقوق الإنسان، وحتى قمع التقارير الداخلية التي لم تعجبها. وقد أنكرت الأمم المتحدة أغلب هذه الاتهامات.

غير أن عدداً من رموز الأمم المتحدة والدبلوماسيين قالوا إن التركيز على لوك ديسالين لم يكن في محله، وإن إخفاقات المنظمة كانت انعكاساً لأمورٍ أكبر بكثيرٍ داخل نظامها وداخل المجتمع الدبلوماسي في ميانمار بكليته. وفي عام 2017 وصفت الأمم المتحدة لوك ديسالين بأنها "مدافعٌ دؤوبٌ عن حقوق الإنسان".

وسوف يتم التحقيق مع جنرالات جيش بسبب الإبادة

وجدت البعثة الأخيرة للأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ميانمار أنه يجب التحقيق مع جنرالات جيش البلاد بتهمة الإبادة العرقية والجرائم الإنسانية لأفعالهم ضد الروهينغا وغيرها من الأقليات، كما نادت بإجراء تدقيقٍ في ممارسات الأمم المتحدة في ميانمار، ما يتفق مع توصيةٍ أوصت بها قبل أشهرٍ يانغي لي، المراقبة الخاصة التابعة للأمم المتحدة في شؤون حقوق الإنسان في البلاد.

المسلمين في ميانمار/GUARDIAN
المسلمين في ميانمار/GUARDIAN

كانت لي قد قالت لصحيفة The Guardian: "تحتاج المراجعة لأن تكون مستقلةً عن الأمم المتحدة، وأن تتاح للرأي العام فور أن تنتهي".

ولا شك أن هناك مخاوف من أن يكون التحقيق محدوداً بشكلٍ متعمدٍ في مقياسه وتأثيره، وليس من الواضح ما إذا كانت نتائجه ستتاح للرأي العام أم لا.

لكن هناك تخوفات من رد فعل واشنطن

ووفقاً لمصادر مطلعةٍ، فإن هناك قلقاً داخل المستويات العليا في المنظمة، من أنه ووسط مناخٍ من العداوة المتزايدة تجاه الأمم المتحدة من حكوماتٍ مثل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن تحقيقاً ذا نطاقٍ أوسع قد يزرع الانقسام ويحطم سمعة المنظمة وقدرتها على الاستمرار في عملها في صناعة السلام وحماية حقوق الإنسان. وقال المصدر في نيويورك إن الحركة الرامية لبدء المراجعات قد أوقفها التوتر الداخلي.

وبعد الانفراجة التي تلت موجة الجدل حول قيادة لوك ديسالين في ميانمار، من المتوقع أن تُعين منسقاً مقيماً للأمم المتحدة في الهند. وستتولى المنصب على الأغلب قبل استكمال التحقيقات في ميانمار، ما يقود إلى شكوكٍ إضافيةٍ حول فرص توجيهها اللوم لشخصٍ بعينه.

كانت مصادر من داخل منظومة الأمم المتحدة قد قالت إن المسؤولين في مقر المنظمة الرئيسي بنيويورك لم يريدوا تكرار تقرير Petrie 2012 المدمر والمثير للجدل داخلياً، والذي كان قد صرح به تشارلز بتري المساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة.

توصل التقرير إلى نتيجةٍ مفادها أنه خلال الفصل الأخير من الحرب الأهلية في سريلانكا، حيث سقط مئات الآلاف من القتلى المدنيين من شعب التاميل، وقع "إخفاقٌ نظامي" لوكالات الأمم المتحدة على الأرض منعها من حماية المدنيين والتحدث باسمهم.

حُددت وكالاتٌ وأفرادٌ بعينهم، وتعرضوا للانتقاد في المراجعة التي احتجت بشدةٍ على ما اتصفت به تصرفاتهم؛ ما نتج عنه انشقاقٌ عالمي حول كيفية متابعة التحقيقات.

الحاكمة الفعلية لميانمار أون سان سو تشي/ GUARDIAN
الحاكمة الفعلية لميانمار أون سان سو تشي/ GUARDIAN

يقول روبرتسون: "من الصعب ألّا تقول (ها نحن نعيد الكرة). يفترض أن تكون هناك دروسٌ مستفادةٌ بعد خيبة سريلانكا عام 2009، لكن يبدو أننا لم نستفد شيئاً".

وقد نما لعلم الصحيفة أن المراجعة التي يترأسها روزنتال ستستخدم تجربة سريلانكا كنقطةٍ مرجعيةٍ تحكم بها على أي الدروس لم يُستوعب في نظام الأمم المتحدة.

وتحاول الأمم المتحدة الوصول للحقيقة

عُقدت المقارنات بين سريلانكا وميانمار في تقريرٍ سريٍّ أمر به مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في ميانمار عام 2015.

وقد ورد في التقرير: "يشهد الوضع تشابهاً مذهلاً مع الإخفاق النظامي في المجتمعات الإنسانية الذي وقع في المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية بسريلانكا، التي شهدت احتجاز مئات الآلاف من شعب التاميل ضد إرادتهم في معسكرات اعتقالٍ مولتها بالكامل ووفرت خدماتها منظماتٌ إنسانيةٌ دوليةٌ".

اتهامات إخفاق الأمم المتحدة في ميانمار استمرت بعد رحيل لوك ديسالين عام 2017. وأشار تقرير بعثة تقصي الحقائق، الذي نُشر في أغسطس/آب الماضي، إلى أن بعض كيانات المنظمة في ميانمار لم تتعاون مع التحقيق.

وقال مصدرٌ داخل الأمم المتحدة في جنيف، طلب عدم كشف هويته: "ليست الأشياء غير فعالةٍ كما كانت. لكن المشكلات الأساسية والانقسام العميق في الآراء والاستجابات والاستراتيجيات تظل دون حلٍ. أملنا أن مراجعة روزينتال قد تكون سبيلهم لحل المشكلات".

تحميل المزيد