ترمب أثار الضجيج بتغريدته بشأن تخفيض أسعار النفط فوراً، لكن مهلاً لن يستطيع فعل أي شيء! لأن هناك 5 أحداث كبرى تتحكم في الأمر وليس رغبة الرئيس الأميركي

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/22 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/22 الساعة 17:25 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump speasks at a campaign rally in Las Vegas

منذ أيام غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على حسابه بتويتر، مطالباً منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بتخفيض الأسعار فوراً، في نفس الوقت ذكر الرئيس الأميركي دول الشرق الأوسط بحماية واشنطن لهم.

أسعار النفط تراجعت بشكل طفيف بعد هذه التغريدة، في الوقت الذي يترقب فيه البعض انعكاسات ما قاله ترمب على سوق النفط، لكن صحيفة The Telegraph البريطانية ترى أن هذه التغريدة هي والعدم سواء وأن السوق سوف يتغير بالفعل بسبب عوامل أخرى.

أندرو كريتشلو الخبير بأسواق الطاقة، أشار في تقرير بالصحيفة البريطانية إلى أن ترمب بلا أنياب حين يتعلَّق الأمر بأسواق النفط. رغم الصخب الذي أحدثه مراراً على تويتر بشأن تلاعب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في السوق، بسبب 5 أحداث رئيسية ستغير مسار توجه الأسعار، التي تبلغ حالياً نحو 80 دولاراً (61 جنيهاً إسترلينياً) للبرميل، خلال العام المقبل.

لقاء الجزائر

أول هذه الأحداث بحسب الصحيفة البريطانية، هو أعضاء أوبك، وحلفاؤهم، بقيادة روسيا في الجزائر نهاية هذا الأسبوع لعقد اجتماع. وافقت المجموعة في يونيو/حزيران على رفع إنتاجها الجماعي بمقدار مليون برميل يومياً، لكنَّها لم تحدد بعد كيفية توزيع هذه البراميل الإضافية. ستوفر السعودية وروسيا معظم هذا الخام الإضافي، في ظل محدودية القدرة الإنتاجية الفائضة في الدول الأخرى.

وقبل أيام فقط من وصول وزراء النفط إلى الجزائر العاصمة، قال ترمب: "إنَّنا نحمي دول الشرق الأوسط التي لن تكون بمأمن لفترة طويلة بدوننا، ومع ذلك تستمر في الضغط من أجل رفع أسعار النفط أكثر فأكثر! سنتذكر هذا. يجب أن تخفض منظمة أوبك المحتكرة للسوق أسعار النفط الآن!".

ومع ذلك، كان الاجتماع الجزائري يُخيِّم عليه بالفعل قدراً معيناً من التوتر السياسي قبل تدخُّل ترمب، إذ ألغى وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه رحلته إلى شمال إفريقيا، وهدَّد في مقابلة باستخدام حق "الفيتو" ضد محاولات أعضاء آخرين في أوبك الاستيلاء على حصة إيران في السوق بمجرد أن تخنق العقوبات الأميركية وصول إمداداتها من النفط الخام إلى الأسواق الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني.

وتخشى إيران أن تتآمر السعودية، التي تعد أكبر منافس إقليمي لها، مع حلفائها العرب في المنظمة لتشكيل ائتلاف جديد مع موسكو يهدف إلى تهميش طهران بشكل دائم. وقال زنغنه لـ S&P Platts، وهي منصة رئيسية لمعلومات الطاقة: "إنَّهم يضحون بأوبك ويدمرونها ببطء دون الجهر بهذا بوضوح. يريدون جمع بعض الأسماء معاً لإنشاء منتدى يحل محل منظمة أوبك والتحكم على السوق".

الفرض الكامل للعقوبات الأميركية على إيران

وبحسب الصحيفة البريطانية تعد إعادة الفرض الكامل للعقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران المقرر تطبيقها 4 نوفمبر/تشرين الثاني. حدث كبير قد يغير سوق النفط أيضاً، وتتوقع S&P Global Platts Analytics أن ينخفض الإنتاج اليومي الإيراني بمقدار 1.4 مليون برميل نتيجةً لقرار ترمب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي، وفرض عقوبات صارمة على طهران. والكيفية التي سيجري بها تعويض هذا الناتج الإيراني من النفط تعتمد بشكل كبير على روسيا والمملكة العربية السعودية.

وحثَّ فريق أبحاث النفط والغاز التابع لبنك HSBC هذا الشهر على توخي الحذر، بعدما حذَّر البنك من أنَّ ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل يُشكِّل خطراً على السوق: "أوضحت الإدارة الأميركية أنَّ هدفها المقصود هو خفض الصادرات إلى الصفر، ومعاقبة أولئك الذين لا يخفضون وارداتهم من إيران. نتوقع أن يمتثل حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون تماماً، إلا أنَّنا غير واثقين تماماً من ردة فعل دول مثل الصين والهند وتركيا وغيرها".

نتائج التجديد النصفي للكونغرس

أيضاً ثمة أمر هام وهو نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني التي ستعلن بعد أيام قليلة من بدء سريان العقوبات الإيرانية، إذ سيتعين على أسواق النفط أن تستوعب هذه النتائج فقد أدت أسعار البنزين المرتفعة إلى إحباط آمال العديد من الرؤساء الأميركيين في السابق، ومن غير المحتمل أن يكون ترمب استثناءً للقاعدة بالنظر إلى جميع التحديات الأخرى التي تواجهها إدارته. وإذا نجح الديمقراطيون في السيطرة على مجلس النواب، أو مجلس الشيوخ، فقد يشل ذلك ترمب تماماً طوال السنتين المتبقيتين له في السلطة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعلى الرغم من أنَّه ليس متوقعاً أن تؤدي النتيجة إلى التأثير في أداء صناعة النفط والغاز الأميركية التي حققت العديد من الأرقام القياسية مؤخراً، فإنَّها في الحالتين ستجعل من الصعب على ترمب التدخل في الشرق الأوسط، وتمنعه من تصعيد حربه التجارية مع الصين أكثر. إذ لا يؤدي فرض أكبر مستهلكين للنفط في العالم رسوماً متبادلة على التجارة إلى دعم الطلب العالمي على النفط، الذي من المتوقع أن يبلغ 100 مليون برميل يومياً في المتوسط ​​هذا العام.

أزمة المنطقة المحايدة

رابعاً، هناك ما يُسمَّى بأزمة "المنطقة المحايدة". إذ توقف الإنتاج في منطقة حقول النفط بين السعودية والكويت منذ عام 2014، لكن ربما تكون بيدها الآن القدرة على مد الأسواق بمخزون كافٍ من النفط بمجرد أن تحظر العقوبات المفروضة الشُحنات الإيرانية. وتحتوي المنطقة على حقلين عملاقين قادرين على إنتاج نحو 500 ألف برميل يومياً. ويمكن أن تستأنف الدولتان الخليجيتان إنتاجهما في ديسمبر/كانون الأول، وذلك بعدما تمكَّنتا من تسوية خلافاتهما السياسية في المنطقة في وقتٍ سابق من هذا العام. وإن كان سوق النفط يرغب في استيعاب صدمات نقص المعروض من النفط، التي ربما تنتج عن تعثر الإنتاج في الدول المنتجة المضطربة مثل ليبيا وفنزويلا، فإنَّ الكثير من هذا الخام قد يأتي من المنطقة الحدودية التي أُنشئت عند إعادة رسم الخرائط في عام 1922، بحسب الصحيفة البريطانية.

لوائح جديدة ستؤثر على الأوضاع بالتأكيد

وبحسب الصحيفة البريطانية فأخيراً، هناك العامل المتمثل في إدخال لوائح جديدة صارمة على الوقود المستخدم في الشحن، والمعروفة باسم "لوائح المنظمة البحرية الدولية لعام 2020". يمكن أن توفر للوائح الجديدة التي فرضتها المنظمة الواقع مقرها في لندن، والتي تهدف لخفض مستوى الكبريت في الوقود البحري إلى 0.5%، نحو تريليون دولار أميركي على الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الخمس المقبلة، فقد مثَّل تزويد السفن بالوقود البحري نحو 6% من الطلب على النفط في العام الماضي، وهذا أمر جدير بالملاحظة.

ووفقاً لـPlatts Analytics، فإنَّ شرط توفير وقود أنظف لأساطيل الشحن في العالم يمكن أن يضيف متوسط ​​7 دولارات للبرميل إلى تقديرات خط الأساس لسعر خام برنت بنهاية العقد المقبل. وتكافح شركات الشحن من أجل الاستعداد في الوقت المناسب، فيما بدأ تأثير هذا التغيير التنظيمي بالفعل في التبلور في زوايا معينة من سلسلة إمدادات النفط.

تمثل جميع هذه العوامل تحديات أساسية يتعين على أسواق النفط استيعابها، على عكس تغريدات ترمب.

دول الشرق الأوسط تمضي قدماً في عصر تعدد الأقطاب.. كيف قررت المنطقة الاستفادة من منافسة القوى الكبرى؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/08 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/09 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، 8 ديسمبر 2022/ واس

منذ مطلع العام 2022، كافحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإيجاد طرق لتخفيف أسعار النفط وسط صدمة الحرب الروسية في أوكرانيا. لذلك عندما قررت منظمة "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، كان رد فعل واشنطن غاضباً، إلى حد أن وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، أوبك بلس بأنها "تتحالف مع روسيا". وحينها كان واضحاً أن هذا النقد الصريح موجهاً إلى المملكة العربية السعودية، التي بالإضافة إلى كونها أكبر منتج في المنظمة، تعد شريكاً مهماً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

دول الشرق الأوسط تسير في عصر متعدد الأقطاب

تقول مجلة foreign affairs الأمريكية، إن اتهام البيت الأبيض للرياض بالتحالف مع موسكو لم يأتِ من فراغ، إذ تنتمي كل من السعودية وروسيا إلى أوبك بلس، وهي منظمة ملزمة بالرغبة المشتركة بين منتجي النفط لتجنب المنافسة التي من شأنها أن تخفض عائدات صادراتهم، وأعضاؤها متحالفون في هذا السعي لتحقيق المصلحة الذاتية. 

مع ذلك، بدا أن البيان أعمق من ذلك: فقد كانت إدارة بايدن تؤكد أنه على الرغم من العلاقات الأمنية الطويلة للرياض مع واشنطن، فإن الرياض كانت تقف إلى جانب روسيا سياسياً، ما يدعم في الواقع حرب موسكو في أوكرانيا ويقوض الجهود الغربية لفرض تكاليف عليها.

تتماشى رؤية الإدارة الأمريكية للدوافع السعودية مع منظورها الأوسع للشركاء حول العالم. فمنذ توليه المنصب، اتخذت بايدن مراراً وجهة نظر ثنائية للنظام الدولي: "منافسة الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية"، وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي لعام 2022. ونتيجة لذلك، تميل إدارة بايدن إلى التعامل مع قرارات شركائها على أنها اختبار أساسي للولاء للولايات المتحدة.

لكن هذه رؤية لم يعد يشاركها العديد من شركاء الولايات المتحدة، وخصيصاً في الشرق الأوسط. وليس من الواضح لمعظمهم أن التحالف الدائم مع روسيا أو الصين أو حتى الولايات المتحدة يعد خياراً، فموسكو وبكين لديهما عملاء وليسوا حلفاء. في غضون ذلك، تمر الولايات المتحدة بفترة تقلب في أولوياتها الدولية، مما يترك لشركائها القليل من التأكيد على أن الأماكن أو القضايا التي تركز عليها واشنطن اليوم ستلفت انتباهها غداً، أو أن دعم الولايات المتحدة في قضية معينة سوف يكسب المعاملة بالمثل مع الولايات المتحدة.

دول الشرق الأوسط تسعى لتنويع خياراتها والاستفادة من منافسة الكبار

نتيجة لذلك، يسعى عدد متزايد من شركاء الولايات المتحدة إلى تجنب اختيار أي طرف تماماً والحفاظ على العلاقات مع جميع القوى العظمى في وقت واحد. بالنسبة للولايات المتحدة، هذا يعني أن هناك حاجة إلى استراتيجية أكثر دقة في مواجهة شركاء من غير المرجح أن يلبوا لها كل ما تريده، كما تقول فورين أفيرز.

وتنظر معظم الدول إلى التنافس بين القوى العظمى مثل الصين وروسيا وأمريكا، بدلاً من التهديد الذي تشكله أي قوة بمفردها، على أنه التحدي الأكبر لمصالحها. السعوديون، على سبيل المثال، يعتبرون الصين أكبر شريك اقتصادي لهم ووجهة لنحو خمس صادراتهم. 

وفي 7 ديسمبر 2022، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، من الرياض أن بكين ستعمل على تطوير علاقاتها مع السعودية كما سترفعها إلى "مستوى جديد" خليجياً وعربياً، وذلك في مستهل زيارة يقوم بها للسعودية تستغرق عدة أيام.

وزيارة شي للسعودية هي ثالث رحلة له إلى الخارج منذ بداية وباء كورونا، وهذا دليل على حجم قوة العلاقة بين الطرفين ونوايا تطويرها، ففي الوقت نفسه سيحضر شي القمة الصينية العربية الأولى، والقمة الأولى للصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

على الجانب الآخر، يعتبر السعوديون الولايات المتحدة أكبر شريك أمني لهم، لكن الاضطرار إلى اختيار علاقة واحدة على الأخرى – أو حتى تقليصها بشكل كبير – سيكون مكلفاً، لذا فإن المملكة العربية السعودية، مثل العديد من البلدان الأخرى متوسطة الحجم، تسعى بدلاً من ذلك إلى الحفاظ على كليهما، بكين وواشنطن.

الانضمام لمنظمات مثل شنغهاي وبريكس ستكون خطوة غير مسبوقة لدول المنطقة

وهذا النهج يتبعه السعوديون وغيرهم أيضاً من شركاء الولايات المتحدة الآخرون في علاقاتهم الدولية بشكل واضح ومتصاعد خلال السنوات الأخيرة. ففي الشرق الأوسط وحده، تعد البحرين ومصر والكويت وقطر والسعودية والإمارات وتركيا شركاء حوار حاليين أو محتملين لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وهي مجموعة سياسية واقتصادية وأمنية متمركزة حول الصين. 

وتُعد شنغهاي أضخم تحالف سياسي إقليمي في العالم، حيث يشكل أعضاؤها ما يقرب من نصف سكان العالم، وما يقرب من 3 أخماس كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية، وكثيراً ما يتم وصفها بـ"التحالف الشرقي" أو "ناتو الشرق" المنافس للتحالف الغربي. 

كما أفادت التقارير بأن السعودية ومصر أعربتا عن اهتمامهما بالانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية، وهي مجموعة من دول الأسواق الناشئة، (البريكس تعني البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). وهي منظمة توصف بأنها تسعى لإنهاء نظام القطب الأوحد في العالم. كما أبدت تركيا الدولة القوية في الشرق الأوسط والمتحالفة رسمياً مع الولايات المتحدة والعضو بالناتو، اهتماماً بأن تكون عضواً في كلتا المنظمتين.

ويرى بعض المحللين الكبار مثل بول بواست من جامعة شيكاغو، أن توسع بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون يمثل ظهور "نظام دولي بديل". لكن تلك الدول التي تسعى إلى مشاركة أكبر مع منظمة شنغهاي للتعاون ودول البريكس لا تنأى بنفسها عن مجموعة الدول السبع، أو الناتو، أو الأمم المتحدة. وبدلاً من بناء نظام منافس، فإن عدداً متزايداً من الدول ترفض ببساطة أو على الأقل تسعى للهروب من قيود وعواقب نظام عالمي ثنائي من خلال إبقاء قدم واحدة في المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة، بينما تزرع الأخرى في المؤسسات المتعددة الأطراف بقيادة روسيا والصين. 

دول الشرق الأوسط تسعى لتقليل التكاليف وتعظيم فوائد منافسة القوى العظمى

وكانت العديد من هذه الدول أيضاً غير منحازة في السابق لأحد المعسكرين فترة خلال الحرب الباردة، لكنها اليوم تكاد تكون متحالفة مع كل شيء. ومن خلال تبني مثل هذا النهج، تسعى دول الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا والسعودية إلى تقليل التكاليف وتعظيم فوائد منافسة القوى العظمى. مع تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، وجدت الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم نفسها بشكل متزايد عرضة لمطالب متنافسة، مثل الطلبات الواردة من الصين لدعم سياساتها تجاه هونغ كونغ وتايوان. أو من الولايات المتحدة لتجنب الاستثمار في البنية التحتية الصينية والجيل الخامس.

بالنسبة للعديد من هذه الدول، تحمل هذه الاستراتيجية فوائد أخرى أيضاً، مثل أن تكون متحاذياً متعدد الأطراف، بدلاً من عدم الانحياز الكامل، من خلال التأثير على عملية صنع القرار لدى القوى العظمى، فضلاً عن الاستمتاع بامتيازات المحاذاة، والتي يمكن أن تزداد إذا كانت أي من القوى العظمى تخشى فقدان شريك لآخر. 

وتعمل المحاذاة الشاملة أيضاً كأداة تحوط بيد هذه الدول، ضد عدم القدرة على التنبؤ بسلوك القوى العظمى تجاهها. ويظهر هذا التحوط بوضوح في الشرق الأوسط، حيث لا يزال مستقبل انخراط الولايات المتحدة والصين في المنطقة غير واضح، حيث يجد حتى أقرب شركاء الولايات المتحدة علاقاتهم مع واشنطن غير مستقرة بشكل متزايد بسبب السياسة الداخلية للولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن مثل هذا التحوط يمكن أن يكون له تكاليف في بعض الأحيان بحسب فورين بوليسي. فقد أدى شراء تركيا عام 2017 لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400 إلى إخراجها من برنامج الطائرات المقاتلة F-35، بحجة تعريض مصالح الناتو للخطر.

وأدى إحجام الإمارات عن تقليص علاقتها الأمنية والتكنولوجية مع بكين إلى تعثر صفقة F-35 المخطط لها مع الولايات المتحدة. كما أن منع المجر للعقوبات الأوروبية ضد روسيا قد يعزز تصميم بروكسل على حجب أموال الاتحاد الأوروبي عن بودابست بسبب مخاوف تتعلق بسيادة القانون. حتى إسرائيل، أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة، تعرضت علاقاتها مع واشنطن لأزمات بسبب علاقاتها مع الصين، وكذلك خلافها مع واشنطن حول كيفية معالجة الملف النووي الإيراني.

كيف يمكن لواشنطن التعامل مع ميل شركائها نحو الصين وروسيا؟

بشكل عام، تقول المجلة الأمريكية، إن الولايات المتحدة قد تميل إلى إصدار إنذار نهائي لشركائها الذين يمتلكون أداة التحوط هذه. وإذا استمروا في التعامل مع هؤلاء المنافسين مثل روسيا والصين، يمكن لواشنطن أن تضطر إلى تقليص علاقاتها مع هذه الدول. 

لكن مثل هذا النهج غير عملي، لسبب واحد، هو أن العديد من أشكال التعاون بين شركاء الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، مثل الجزء الأكبر من تجارة البضائع الضخمة، لا تشكل تهديداً كبيراً لمصالح الولايات المتحدة ولا تستحق معارضة شديدة. 

علاوة على ذلك، فيما يتعلق بالصين، قد يكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا الإنذار النهائي، نظراً لأن اقتصاديات شركاء الولايات المتحدة متشابكة مع اقتصاد بكين – وهو فرق رئيسي بين فصل اليوم من منافسة القوى العظمى والفصل الأخير. الأمر الآخر، من المرجح أن يدفع مثل هذا الطلب من شركاء الولايات المتحدة للحصول على ضمانات اقتصادية وأمنية أقوى، والتي قد تكون واشنطن مترددة أو غير قادرة على تقديمها لهم.

على واشنطن التخلي عن "نرجسيتها"

وبدلاً من السعي إلى تقسيم العالم بشكل منظم، على غرار الحرب الباردة، قد يتعين على صانعي السياسة الأمريكيين التخلي عن نرجسيتهم، وقبول فكرة أنه من غير المرجح أن يؤدي التكرار الأخير لمنافسة القوى العظمى إلى نظام ثنائي من الدول بشأن كل قضية. 

بدلاً من ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين -كما تقول فورين أفيرز- السعي إلى زيادة الفرص للشركاء المحتملين للتوافق مع الولايات المتحدة، ويجب أن يجعلوا تلك التحالفات أكثر قيمة للشركاء، حتى لو كانوا منخرطين في نفس الوقت مع القوى العظمى الأخرى بقدرات مختلفة.

وبدلاً من التركيز على المنتديات الواسعة ومتعددة القضايا، مثل قمة العشرين G-20 أو قمة الديمقراطيات، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لبناء وتعزيز شراكات أصغر للدول ذات جداول أعمال أكثر تركيزاً، مثل الرباعية، واتفاقات أبراهام التطبيعية، وما يسمى بتجمع I2U2 للهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. ويمكن لمثل هذه التحالفات أن تعزز مصالح واشنطن مع هذه الدول، بما في ذلك الاستثمار في الأمن والبنية التحتية، مع تنحية القضايا الجدلية والتي يمكن أن تعكر العلاقات مع هؤلاء الشركاء، بحسب المجلة.

في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة العمل مع الحلفاء الحاليين لترسيخ القواعد واللوائح المشتركة، مثل خصوصية البيانات وتصدير التكنولوجيا، لزيادة الحوافز للشركاء غير المتحالفين للامتثال لتفضيلات واشنطن. ومن المرجح أن يستجيب الشركاء للطلبات الأمريكية للتخلي عن الفرص الاقتصادية التي تقدمها روسيا والصين إذا كانت الطلبات تعكس مميزات مستحقة على نطاق واسع.

يجب على الولايات المتحدة أيضاً اختيار معاركها عند تقديم طلبات من الشركاء. غالباً ما تفشل عملية صنع السياسة في واشنطن في مراعاة كيف ينظر الشركاء إلى مصالحهم الخاصة. غالباً ما يفترض صانعو السياسة في الولايات المتحدة أن الشركاء يرون الأشياء كما تفعل الولايات المتحدة أو أن الشركاء سيكون لديهم شعور تلقائي بالتضامن مع المصالح الأمريكية – وهي مغالطة كبيرة أطلق عليها مستشار الأمن القومي السابق إتش ماكماستر وآخرون "النرجسية الاستراتيجية".

وترى فورين أفيرز في النهاية، أنه يجب أن تهدف الولايات المتحدة إلى تنمية شراكات مستقرة وطويلة الأمد حتى مع شركاء صعبين وغير ديمقراطيين وديكتاتوريين. عند القيام بذلك، يجب أن تعطي الأولوية للمخاوف الأساسية مثل مواجهة النفوذ الروسي والصيني، وقبول أن التقدم في القضايا الأخرى سيكون أبطأ. 

تحميل المزيد