فيضانات في ليبيا تُعيد للأذهان “كارثة درنة”.. “عربي بوست” يرصد كيف دُمِّرت مئات المنازل جنوب البلاد

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/20 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/20 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
مدينة غات ومدينة الكفرة يقعان تحت إدارة حكومة أسامة حماد التابعة لحفتر- عربي بوست

فيضانات ضخمة ضربت كل من مدينتي غات والكفرة في جنوب ليبيا وما زالت آثارها باقية إلى الآن حيث دمرت عشرات المنازل، والبنية التحتية بالمنطقة، ودفعت مئات الليبيين إلى النزوح للعيش في خيام في مناطق مرتفعة بعيداً عن السيول المستمرة منذ أيام.

يتخوف أهالي مدينة غات وكذلك مواطني الكفرة من قلة الإمكانيات المتوفرة من جانب حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أو حتى حكومة الشرق برئاسة أسامة حماد من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم آثار الفيضانات في ظل معاناة يواجهها المواطنون في التعامل مع الأمر.

فيضانات الكفرة 

بالنسبة لـ فيضانات الكفرة، وهي منطقة صحراوية غالباً أصبحت موطناً للسودانيين الفارين من الحرب في بلادهم، فإن معدل هطول الأمطار هناك كان غير مسبوق إذ بلغ 51 ملم في غضون 24 ساعة، وفقاً لهيئة الأرصاد الجوية الليبية. 

ونقلت قناة "ليبيا الأحرار" عن عمدة المدينة قوله إن الأسر لجأت إلى المدارس بعد تعرض منازلها لأضرار، وإن 700 عائلة لاجئة من السودان تعيش "في العراء".

كذلك فإن الأمطار، التي تتساقط منذ 3 أيام، أغرقت أجزاء كثيرة من المدينة، وهي الأغزر منذ 72 عاماً، ولم تشهد المدينة مثلها منذ سنوات طويلة، بالإضافة إلى ذلك فقد تسببت المياه الغزيرة في جريان أودية جبلية نحو المدينة، مثل وديان جبل العوينات، الذي يقع على بعد 350 كيلومتراً جنوب مدينة الكفرة.

في حين تسببت السيول في خروج مستشفى الشهيد عطية الكاسح في المدينة من الخدمة، كما تضررت شبكة الكهرباء بسبب سوء الأحوال الجوية، فضلاً عن أن عطلًا أصاب المحولات الرئيسية للكهرباء في مدينة الكفرة، مما أدى إلى قطع التيار الكهربائي عن ما يقارب 80% من المدينة ، كذلك تسببت السيول في انهيار العديد من جدران وأسقف المنازل القديمة والطينية.

كما حدث انقطاع الاتصالات في مناطق العوينيات وتهالة وبركت وغات، فضلاً عن انهيار طريق التوم الحدودي بين مدينة القطرون وتشاد والنيجر.

في حين يتخوف المواطنون في الكفرة من تكرار كارثة فيضانات مدينة درنة شرقي ليبيا جراء هطول الأمطار الغزيرة العام الماضي، إذ تعد درنة المتضرر الأكبر بسبب انهيار سدين كانا يحبسان مياه السيول المنحدرة من الجبال في وادي درنة الضخم، اللذين انطلقت منهما المياه بقوة جارفاً كل ما في طريقها، مما تسبب في مصرع 4540 شخصاً، بينهم 576 أجنبياً وفق إحصاءات رسمية.

موسى تهيساوي – صحفي ليبي من جنوب ليبيا، قال في تصريحاته لـ"عربي بوست"، إن الفيضانات التي كانت في 2019 قد وقعت، في المنطقة الحدودية مع الجزائر، والتي تقع بين جبلين، وهي منخفض تحت الجبال، وبالتالي الأودية تصب في هذه المنطقة المنخفضة وبالتالي تُواجه أزمات كبيرة بسبب هطول الأمطار، وقد تكررت هذه الأزمة في عام 2019 ولم يتم حلها أو معالجتها من جانب الحكومة.

قال كذلك إن الفيضانات التي وقعت في 2019 كانت كارثية إذ ظل المواطنون خارج منازلهم لمدةِ شهرٍ كامل حتى انتهت الفيضانات. وقال إن الفيضانات تكررت مرة أخرى هذه الأيام وتسببت في مقتل شخص وإصابة العشرات ، لكنها دفعت المئات من المواطنين إلى الخروج بعيداً عن مكان الفيضان.

مدينة غات تعرضت لفيضانات سابقة في عام 2019 دون تدخل من حفتر ولا حكومته في ذلك الوقت- عربي بوست

كشف كذلك أن الأهالي هناك يعانون من النقص في المواد الغذائية، ولا أحد يوفر لهم حاجياتهم الغذائية ، وما زال الأهالي خارج مدينة غات ، حيث يحتاجون لنحو ثلاثة أسابيع كي يعودوا إلى منازلهم مرة أخرى.

كما قال إن الأهالي خسروا مواشيهم ، وتسببت الفيضانات في تدمير الأراضي الزراعية ، حيث تدمرت المحاصيل ، وقد فقد الأهالي مواشيهم وأيضاً مزارعهم ، وذلك في مدينة غات.

بالنسبة للكفرة قال موسى تهيساوي، إن ما حدث هناك أقل ضرراً مما حدث في مدينة غات ،لكنه أشار إلى أن المئات أجبروا أيضاً على الخروج من المدينة ، ونزحوا بعيداً عن الأمطار ، وهناك محاولات لنقل أماكن مخيماتهم التي استقروا فيها، لكن الوضع هناك في غاية الصعوبة.

قال أيضاً إن هناك منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الهجرة الدولية، يستهدفان إنقاذ ومساعدة المواطنين النازحين من فيضان الكفرة.

بخصوص الإشراف الحكومي على مدينة غات والكفرة، قال موسى تهيساوي إن غات والكفرة يقعان تحت إشراف حكومة الشرق برئاسة أسامة حماد، مؤكدًا أن هذه المنطقة تشهد توترات أمنية بين ليبيا وبين الجزائر.

حكومة أسامة حماد لم تقدم مساعدات ذات جدوى حقيقية كما قال الصحفي الليبي موسى تهيساوي لـ" عربي بوست"-عربي بوست

في الوقت نفسه قال إن حكومة الشرق تحاول أن "تسوق نفسها إعلاميًا"، وتوحي بأنها قادرة على تقديم كل المساعدات للأهالي في غات والكفرة لكن لم يحدث أي شيء، في حين أشار إلى أن حكومة الغرب قدمت بعض المساعدات الأولية دون أن يكون هناك مساعدات حقيقية للأهالي.

كشف موسى تهيساوي أن مدينة غات يقطن فيها أربعين ألف نسمة في كافة القرى التي تتبع إداريًا مدينة غات، مشيرًا إلى أن هؤلاء الآلاف يواجهون أزمة كبيرة بسبب الفيضانات، في حين أشار إلى أن سكان الكفرة يقتربون من خمسين ألف مواطن يواجهون أزمة كبيرة بسبب الأمطار.

فيضان مدينة غات 

أما بخصوص فيضان غات فقد تسبب في مصرع 3 أطفال نتيجة السيول التي تجتاح المدينة، وتواجه المدينة أوضاعًا صعبة وأن هناك توقعات بتدفق مياه السيول من الجبال الجزائرية مع ساعات الصباح الأولى.

يتساءل أهل مدينة غات عن المساعدات التي يجب على أسامة حماد وحفتر ونجله صدام أن يقدموها – عربي بوست

في حين اجتاحت السيول منطقة تهالة بمدينة غات، ومن المتوقع وصول سيول من الجبال الجزائرية عند ساعات الصباح الأولى وأن تغطية الهاتف والكهرباء هناك انقطعت تمامًا، والاعتماد الآن على الشبكة الجزائرية في الاتصالات، وكذلك يعتبر المطار خارج الخدمة حاليًا بسبب انقطاع الكهرباء.

أما عمليات إجلاء المواطنين فقد تمت بجهود أهلية، أما الجهود من جهاز الإسعاف حاليًا تركز على رصد مستوى المياه في الوديان كإنذار مبكر قبل وصول السيل وتوجيه فرق دعم من كل مناطق الجنوب.

كما أن السيول جرفت المنطقة بالكامل والمياه غمرت جميع الأحياء السكنية وأن "المياه غمرت كلا من حي الـ 50 وسط البلد وحي الـ 80 وحي الصينية والمجلس البلدي كما أن الخسائر المادية لا يمكن حصرها في الوقت الحالي لأن المياه غمرت المنطقة بالكامل.

فيضان سابق 

مدينة غات سبق أن واجهت فيضانًا وسيولًا أخرى، مثل ما حدث في عام 2019، حيث نزح ساعتها أكثر من 2500 شخص ممن يعيشون في مدينة غات، جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس، وذلك بسبب الفيضانات المدمرة التي نجمت عن الأمطار الغزيرة التي بدأت في أواخر شهر أيار/ مايو 2019، وأدت إلى وفاة أربعة أشخاص وإصابة 30 آخرين وتدمير المنازل والمحاصيل الزراعية وغيرها.

كما أن  ارتفاع مياه الفيضانات ساعتها تسبب في أضرار مادية شديدة، وأدى إلى قطع الطرق وتضررها، كما أن المستشفى الوحيد بمدينة غات غمرته مياه الفيضان، وانقطعت شبكة الاتصالات لعدة أيام، ودمرت المنازل والمحاصيل الزراعية تمامًا في بعض المناطق.

نزوح المئات 

في حين نزح ما يقرب من 3000 شخص في الكفرة وربيانة (جنوب شرق ليبيا) بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات وانقطاع للتيار الكهربائي في 11 أغسطس 2024. 

ووفقًا للتقارير الميدانية، فإن حوالي 600 شخص، بما في ذلك 50 أسرة سودانية، لجأوا إلى أربع مدارس ودار ضيافة ومركز صحي واحد في الكفرة وربيانة (حوالي 120 كم غرب الكفرة). 

كما غادر آخرون مؤخرًا المدارس التي كانوا يلجؤون إليها بسبب ضعف الوصول إلى المياه والصرف الصحي نتيجة الاكتظاظ.

في حين نزح أكثر من 5800 شخص في منطقة غات (جنوب غرب ليبيا) بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات في بلدتي غات وتاهلا. ويستضيف أفراد أسر غالبية النازحين، بينما يتم إيواء آخرين في المخيمات والمدارس. ويوضح التحديث العاجل موقع النازحين.

في سياق مواز قال البرلماني وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان طبرق سالم القنيدي إن الفيضانات "لم تسبب أي خسائر بشرية" والأمر كله عبارة عن انهيار أحد السدود وعبارة عن أمطار لكنها لم تسبب أي وفيات بين الأشخاص هناك.

مشيرًا في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن حكومة الشرق تتابع الأزمة بشكل كبير من البداية وتَسعى إلى الوقوف على حجم الأضرار التي ضربت المنطقة هناك، كاشفًا أن البرلمان لم يتحرك للتعامل مع الأزمة لأنه على حد قوله "البرلمان جهة تشريعية ولا علاقة له بالمطر ولا الفيضانات"، لكنه أشار إلى أن السلطات التنفيذية هي التي تتولى الأمر.

موقف الحكومتين الليبيتين 

أعلن رئيسا حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، حالة الطوارئ لمواجهة سيول عارمة أغرقت مناطق جنوب غربي البلاد.

وبعد ساعات من إعلانه رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة القصوى وتشكيل غرفة طوارئ، قال الدبيبة، عبر حسابه بمنصات التواصل الاجتماعي اليوم الجمعة، إنه اتخذ إجراءات أخرى لمواجهة الأضرار الناجمة عن السيول.

وأضاف رئيس حكومة الوحدة الوطنية (المعترف بها أمميًا ومقرها العاصمة طرابلس) "في ظل الظروف الجوية القاسية بمناطق العوينات وتهالة والبركت وغات (جنوب غرب) وجهت جهازي الإسعاف والطوارئ والطب الميداني منذ الساعات الأولى للعمل مع البلديات لضمان إنقاذ الأرواح وإيصال المساعدات ورفع الأذى عن المتضررين".

وأشار إلى أنه كلف وزارة الصحة بإرسال فرق طبية عاجلة ودعم إلى مستشفى غات الحكومي والمراكز الصحية بالمناطق المتضررة من السيول، إلى جانب تكليفه وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير الدعم للأسر المتضررة، ووزارة الموارد المائية بتقييم الأضرار ومعالجة تدفق السيول.

كما أصدرت حكومة الوحدة الوطنية، وفق الدبيبة، تعليمات للشركة العامة للكهرباء والشركة القابضة للاتصالات باتخاذ الإجراءات اللازمة لإرسال فرق لتقييم أضرار الفيضانات وصيانة شبكتي الكهرباء والاتصالات فورًا.

من جهته، أعلن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (شرقي البلاد) أسامة حماد -اليوم- حالة الطوارئ بسبب السيول ذاتها، وفق ما نقلته وكالة الأناضول. وأصدر حماد، حسب بيان، قرارًا يقضي بتشكيل لجنة طوارئ واستجابة سريعة لمدينة غات وما حولها لاتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للتعامل مع سوء الأحوال الجوية بالمنطقة.

مدينة الكفرة ومدينة غات حيث الفيضانات-عربي بوست

بدوره، حذر الهلال الأحمر الليبي عبر تنبيه مما هو قادم، عبر حسابه على فيسبوك قائلاً "نظرًا لما يمر به الجنوب من تغيرات مناخية تسببت في هطول الأمطار والسيول وجريان الأودية بغزارة، نحذر أهلنا في مدينة أوباري والمناطق المجاورة من الساعات القادمة والابتعاد عن مجرى السيول".

في سياق متصل قال مصطفى خليفة، صحفي محلي من مدينة غات جنوب ليبيا في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن الأمطار هطلت بشكل "مخيف" في مدينة غات قبيل أيام، وقد سقطت بكميات كبيرة لم يسبق لها مثيل منذ سنوات طويلة، مشيرًا إلى أن الطبيعة الجغرافية لمدينة "غات" هي التي تسببت في هذه الأزمة الكبيرة.

قال إن المدينة تقع على الحدود الجزائرية وقد هطلت الأمطار بكثافة في البداية في قرية تهالة وهي على بعد 60 كم من مدينة غات، ثم وصلت الأمطار إلى مدينة غات ما تسبب في شلل الحياة في المدينة.

تقع مدينة غات ومدينة الكفرة تحت إدارة حكومة أسامة حماد-عربي بوست

أشار إلى أن الأهالي استنجدوا بالأمن الموجود في المدينة، بحثًا عما ينقذهم من حجم الأمطار الكثيرة، مؤكدًا على أن المدينة بما حولها تدمرت بالكامل، وقد تدمرت أحياء بالكامل في مدينة غات جنوب ليبيا.

علامات:
تحميل المزيد