كشفت شبكة من الباحثين عن حملة تزييف إسرائيلية تستهدف مشرّعين أمريكيين بشأن العلاقات المزعومة بين الأونروا وحركة حماس، معتمدة على مئات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزيفة التي تروج للمصالح الإسرائيلية باللغة الإنجليزية، وتركز بشكل خاص على مزاعم تورط موظفي الأونروا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق ما نقلت صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وتتمحور العملية حول 3 "منصات إخبارية" أُنشئت لهذا الغرض، وتنشر مقالات منسوخة من مصادر إعلامية فعلية مثل "سي إن إن" و"الغارديان"، حيث تروج هذه الحسابات المزيفة، التي توصف بأنها من نوعية "الأفاتار"، بقوة، لمقالات من هذه المواقع، وتشارك لقطات شاشة لمقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" حول "تورط" الأونروا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتختلف حسابات الأفاتار عن حسابات البوتات في أنها تكون أكثر تعقيداً ونشاطاً عبر شبكات متعددة، ومصممة لتشبه المستخدمين البشر.
الضغط على التقدميين والسود
منظمة الرقابة الرقمية الإسرائيلية Fake Reporter، هي التي كشفت عن هذه العملية، لافتة إلى أن الحسابات المزيفة استهدفت التقدميين في الغرب والولايات المتحدة، وخاصة المشرّعين السود من الحزب الديمقراطي، وأغرقت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهؤلاء المشرعين بروابط لمقالات عن العلاقة بين الأونروا وحماس.
وتتشابه هذه الحسابات الزائفة في تواريخ إنشائها وأسمائها والصور الشخصية وأشياء أخرى، ما يشير إلى أنها جزء من شبكة منسقة.
ويضم فيسبوك وإنستغرام وتويتر قرابة 600 حساب من نوعية الأفاتار تروج لمنشورات بصياغة وروابط متطابقة تقريباً لثلاث منصات رقمية رئيسية للعملية: Non-Agenda، وUnfold Magazine، وThe Moral Alliance. وتضم هذه المواقع أكثر من 40 ألف متابع وتربطها سمات مختلفة مثل تاريخ الإنشاء وعناوين الآي بي وكود الموقع والمحتوى.
وبدأت العملية التي أطلق عليها "عملية التأثير" بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب على غزة واستمرت حتى وقت قريب، وفي يناير/كانون الثاني 2024، أفادت تقارير أن إسرائيل اشترت نظاماً للتأثير الجماهيري على الشبكات الاجتماعية رداً على ما اعتبرته "آلة التسميم" المؤيدة للفلسطينيين.
ونُقل النظام إلى هيئة مدنية تعمل مع مبادرات أخرى تمولها الحكومة الإسرائيلية، لكن الجهة المسؤولة تحديداً عن هذه العملية غير واضحة.
وفُتحت المنصات الرقمية الثلاث للعملية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها لم تنشط إلا بعد اندلاع الحرب، وبدأت بنشر محتوى عن مواضيع تقدمية مختلفة مثل البيئة، ومراقبة الذكاء الاصطناعي، والديمقراطية العالمية، والصراع في غزة.
الترويج لإسرائيل واليهود
وتضم مقالات أيضاً عن دور إيران في اليمن، والتاريخ اليهودي، وموضوعات ثقافية مثل جوائز الأوسكار، وهذا المحتوى المتنوع يهدف إلى جذب غير المهتمين بالسياسة وزيادة التعرض للمحتوى المؤيد لإسرائيل.
وبدأت حسابات الأفاتار الزائفة النشر عن قضايا مثل غياب أماكن آمنة للطلاب اليهود في الجامعات الأمريكية والتمييز ضدهم، وذكّرت الأمريكيين السود أيضاً بالدعم التاريخي من اليهود الأمريكيين في كفاحهم لاكتساب الحقوق المدنية، وطالبوا بدعم مماثل ضد من يسعون إلى إيذائهم.
وروجت هذه الحسابات لمحتوى من المنصات الثلاث الخاصة بالشبكة، مثل مقالات تؤكد على القواسم المشتركة بين إسرائيل والغرب، والقيم اليهودية المسيحية، والديانة اليهودية، وارتباط اليهود بأرض إسرائيل، كما شاركت أيضاً أخباراً ومحتوى ثقافياً ذا توجه ليبرالي من مواقع إلكترونية معروفة.
وأُنشئت منصة Non-Agenda لجذب المتابعين بعرض نفسها على أنها موقع إخباري عام لا يتبع أية أجندات، لكنها مع ذلك أعادت نشر محتوى من مواقع أخرى يمدح الرئيس المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ورسائل مؤيدة لإسرائيل.
التركيز على "علاقة الأونروا بحماس"
وفي نهاية يناير/كانون الثاني، انتقلت شبكة النفوذ إلى التركيز السياسي بشكل أكبر، وخاصة فيما يتعلق بقضية تورط موظفي الأونروا المزعوم مع حماس، وجاء هذا التحول في أعقاب اجتماع بين المدير العام للأونروا ووزارة الخارجية الإسرائيلية، تم خلاله تبادل معلومات تدين موظفي الأونروا، أفضى إلى إجراء تحقيق داخلي من الأونروا وتجميد الدول المانحة لتمويلها.
وبدأت الشبكة بنشر مقالات ولقطات شاشة لمقال الوول ستريت جورنال عن علاقات الأونروا المزعومة بحماس، لتؤكد الرواية التي تروج لها الدبلوماسية الإسرائيلية.
وحرصت شبكة النفوذ على نشر هذه المعلومات "الصادمة" و"المثيرة للقلق" عن الأونروا في تعليقات على صفحات وسائل الإعلام الدولية، التي تحظى بمتابعة كبيرة.
واستهدفت الشبكة في الغالب الساسة الديمقراطيين، وخاصة المشرعين السود، على تويتر، وكان 85% من الساسة الذي ذكرت أسماؤهم في التعليقات أو علقت على منشوراتهم ديمقراطيين و90% منهم سوداً.
وكان عضوا الكونغرس ريتشي توريس وكوري بوش من بين المشرعين الأكثر ذكراً في تعليقاتها، وتفاعلت الشبكة أيضاً مع المشرعين الديمقراطيين على الفيسبوك، وشاركت مقالات عن الأونروا.
وربما كان الهدف من التركيز على المشرعين الديمقراطيين السود محاولة التأثير على موقفهم من إسرائيل، حيث يواجه الحزب الديمقراطي توترات داخلية مرتبطة بدعم إسرائيل، ويدعو الأعضاء التقدميون لموقف أكثر انتقاداً.
ويعتبر توريس من المشرعين المؤيدين لإسرائيل، ويبدو أن اختيار التركيز عليه كان متعمداً، وفقاً لباحثي Fake Reporter، للاستفادة من مكانته وشعبيته على الإنترنت لتعريف الجماهير السوداء الأخرى بما تروج له عملية التأثير.
وفي الآونة الأخيرة، حوّلت الشبكة تركيزها إلى إيران، و"تمويلها للإرهاب الدولي"، وعلاقتها مع روسيا والصين، ويشير هذا التغيير إلى وجود أجندة جيوسياسية أوسع نطاقاً تتجاوز العلاقات بين الأونروا وحماس.