تشير التقديرات في المؤسسة السياسية الإسرائيلية إلى أن بنيامين نتنياهو وقع في مأزق لا مخرج منه، وذلك بعد انفصال جدعون ساعر عن تحالفه مع "معسكر الدولة" بقيادة بيني غانتس، وإنذاره رئيس وزراء الاحتلال بأن عليه قبوله في مجلس الحرب، وهو ما يرفضه حلفاء نتنياهو، بن غفير وسموتريتش.
بحسب صحيفة Maariv الإسرائيلية، الأحد 17 مارس/آذار 2024، فإن إنذار ساعر لنتنياهو حقيقي، وليس مراوغة، لأنه يرى لنفسه فوائد واضحة من عضوية الحكومة، وسيجني أيضاً مكاسب إذا لم ينضم إليها. إذ إن خروج ساعر وحزبه إلى المعارضة يعني أنه سيصبح في موقف يتيح له مهاجمة الحكومة، وتقديم نفسه ممثلاً لليمين الوسطي، وتعزيز موقعه في التحضير للانتخابات المقبلة.
وترتبط الأزمة التي يواجهها نتنياهو وحكومته بموقف شريكيه المهمين في الائتلاف الحكومي، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لأن انضمام ساعر إلى مجلس الحرب المصغر ينطوي على مفارقة كبيرة، فقد حصلت قائمته على 4 مقاعد فقط في الكنيست، أما القائمة المكونة من تحالف "الصهيونية الدينية" بقيادة سموتريتش وحزب "القوة اليهودية" بقيادة بن غفير، فلديها 14 مقعداً في الكنيست، لكن ليس لديها ولا مقعد في مجلس حكومة الحرب، فضلاً عن أن قائمة "معسكر الدولة" بقيادة غانتس لديها مقعدان في المجلس (غانتس وغادي أيزنكوت) مع أنها ليس لديها سوى 8 مقاعد في الكنيست (بعد انسحاب ساعر).
ويبدو التشكيل الحالي لحكومة الحرب معقولاً للجمهور الإسرائيلي؛ لأن غانتس وأيزنكوت رئيسان سابقان لقيادة الأركان، ومن ثم فإن انضمامهما إلى المجلس أثناء الحرب أمر منطقي. أمَّا إذا قرر نتنياهو أن يضم ساعر إلى مجلس الحرب، فإن ذلك يُظهر بوضوح أن استبعاد بن غفير وسموتريتش من المجلس كان لأسباب خارجية.
وإذا قرر نتنياهو أن يضم ساعر ومعه "بن غفير" وسموتريتش إلى مجلس الحرب، فإن ذلك سيمنح غانتس الفرصة الذهبية للانسحاب من المجلس بتأييدٍ كبير من أنصاره. ويعني ذلك تقوية المعارضة تحت راية غانتس في مواجهة نتنياهو.
علاوة على ذلك، فإن التوترات الجسيمة التي تشهدها العلاقات بين نتنياهو والحكومة الأمريكية حالياً تجعل استقالة غانتس من مجلس الحرب أمراً بعيداً كل البعد عما يريده نتنياهو، فهذه الاستقالة ربما تصبح حافزاً قوياً لاحتجاجات ضخمة تطالب باستقالة الحكومة، وهو الأمر الذي أفلت نتنياهو منه منذ بداية الحرب.
ومن جهة أخرى، يدرك نتنياهو أن بن غفير وسموتريتش لن يغفرا له انضمام وزير آخر غيرهما إلى مجلس الحرب هذه المرة. وخروجهما من الحكومة سيكون بداية العد التنازلي لحلِّ الكنيست، والدعوة إلى انتخابات جديدة.
بحسب الصحيفة، فقد زعمت مصادر سياسية رفيعة أن سموتريتش قال في محادثات مغلقة إن الحكومة معرضة للانهيار إذا استمر الإصرار على إقرار قانون تجنيد الحريديم، وإذا انضم ساعر إلى مجلس الحرب، لأن ذلك يعني انسحاب سموتريتش وبن غفير منها.
فيما قال وزير كبير لصحيفة "معاريف"، إن "كل عضو في الائتلاف لا يهتم إلا بمصلحته، وليس مصلحة الشعب بأكمله. وعلى الرغم مما نواجهه اليوم، فإن الحكومة اليمينية معرضة للانهيار بسبب المعارك الداخلية والصراعات الأنانية هذه".
ساعر قد يفجّر الحكومة
وأحدث جدعون ساعر انفجاراً سياسياً في تل أبيب بعد إعلانه انفصاله عن الشراكة مع "بيني غانتس"، وهو ما أدى فعلياً إلى نهاية تحالف "معسكر الدولة".
كما أرسل ساعر إنذاراً نهائياً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء السبت 16 مارس/آذار 2024، قائلاً فيه: "إذا لم أدخل مجلس الحرب في غضون أيام قليلة، فسوف أستقيل من الحكومة".
وقدّرت مصادر في المنظومة السياسية، أنه من المحتمل ألا تستطيع حكومة الحرب الإسرائيلية الاستمرار بناءً على طريقة إدارتها الحالية، لا سيما بعد تفكك "معسكر الدولة".
في جميع الأحوال، تتوقع المصادر السياسية أن تشهد الفترة المقبلة بعض الأحداث السياسية الكبرى في ما يتعلق برغبة ساعر في تقديم نفسه في حزب يميني جديد ومنفصل، وأن ينضم إلى قوى أخرى.
يأتي كل هذا بالتزامن مع الأزمة بين غانتس ونتنياهو، والتي من المُعتقد أنها تدهورت أكثر بعد زيارة رئيس "معسكر الدولة" لواشنطن، وذلك دون الحصول على موافقة مسبقة من رئيس الوزراء.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية"، للمرة الأولى منذ تأسيسها.