يبحث المسؤولون الإسرائيليون مسألة إخضاع مئات المقاتلين الفلسطينيين الذين أسرتهم بعد معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لمحاكمة شبيهة بمحاكمة النازيين على جرائم ما يعرف بـ"الهولوكوست" إبان الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي.
إذ يتحدث الإسرائيليون عن إخضاع مئات المقاتلين الذين أُسِروا، وبالأخص قادتهم، للمحاكمة بطريقة مماثلة، وفق وكالة Bloomberg الأمريكية.
احتمال مربك
ويُعَد احتمال إجراء مثل هذه المجموعة من المحاكمات مربكاً من جوانب عدة: فهل يجب أن تكون محلية أم دولية؟ وهل بقيت أدلة كافية؟ وهل يمكن ربط الأفراد بجرائم معينة؟ وإذا كان المعتقلون مجرد شخصيات ثانوية بسيطة، فهل يستحق المشهد كل ذلك العناء؟
هنالك أيضاً مسألة معقدة، فنظرة العالم في عام 1961 لدولة إسرائيل الصغيرة التي كانت تعاني بعد التهديد النازي، بعيدة كل البعد عن الطريقة التي ينظر بها الآن إلى الدولة اليهودية الثرية التي تملك طاقة نووية وهي تدك غزة وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية.
وفي ظل وجود الكثيرين من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية بالخارج، فإنَّ أي درس تأمل إسرائيل في تلقينه قد لا يمضي على النحو المُخطط له.
عادةً ما تتم محاكمة أولئك المتهمين بالإرهاب في إسرائيل في محاكم عسكرية بالضفة الغربية أو من خلال الإجراءات الجنائية الاعتيادية، لكنَّ حجم هجوم "طوفان الأقصى" دفع لخروج دعوات لإنشاء محكمة خاصة وإعادة عقوبة الإعدام.
وقد أبرزت الهجمات كذلك انقساماً بين أولئك المهتمين بدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون، وأولئك الذين يعتقدون أنَّه يجب منح الأولوية لمحاربة الإرهاب.
حيث جادلت تاليا أينهورن، وهي باحثة قديمة في القانون الدولي تُفضِّل إجراء محاكمة عسكرية خاصة، في ورقة قُدِّمَت للكنيست، بأنَّ هذه الأوقات الاستثنائية تتطلَّب ردود فعل استثنائية.
محاكمة عسكرية
واستحضرت ورقة أخرى تدعو إلى محاكمة عسكرية، مُقدَّمة من معهد بيغن للقانون والصهيونية، محكمة نورمبرغ العسكرية التي أقامها الحلفاء لمحاكمة كبار النازيين، وكذلك محاكمات معتقل غوانتانامو التي أُجريَت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة باعتبارهما نموذجين ممكنين.
وستتحدد طريقة محاكمة مقاتلي حماس الأسرى في نهاية المطاف من خلال الحكومة والنائب العام، وقد شكَّلت وزارة العدل لجنة لبحث الخيارات.
يترأس سيمحا روتمان لجنة الكنيست الفرعية التي تبحث في المسألة، وقال في مقابلة في مكتبه بالقدس إنَّه يميل إلى تخطي المحاكمة وإعلان المسلحين مقاتلين مخالفين للقانون أو لا يتمتعون بأية حقوق.
أضاف أنَّه وفقاً لقوانين الحرب، لا يستحق هؤلاء المقاتلون إجراءات قانونية واجبة، ويمكن حبسهم لفترات طويلة، في حين قدَّم مشروع قانون لمنع مكتب الدفاع العام من المشاركة في أية محاكمة من هذا القبيل، مشيراً: "لماذا ندفع من أجل الدفاع عنهم؟".
لكنَّ آخرين يقولون إنَّ القوانين الجنائية الإسرائيلية كافية، وإنَّ المتهمين يمكن، بل ويجب أن يحصلوا على مشورة قانونية جيدة. ويعتبر هؤلاء أنَّ منح المتهمين محاكمة جنائية جدية ونزيهة تحترم الإجراءات القانونية الواجبة لن يدعم العدالة فقط، بل وسيكون جيداً من أجل إسرائيل كذلك.
ويتعلَّق جانب آخر يضعه المحققون في اعتبارهم بتوافر الأدلة التي تربط الأفراد بالجرائم، إذ كانت الأمور فوضوية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي واستمرت المعارك لساعات. وكان التركيز بعد ذلك منصباً على تحديد هُويات الموتى ودفنهم وليس التعامل مع المنطقة باعتبارها مسرح جريمة.
وفي حين جرى الحصول على قدر لا بأس به من المواد من كاميرات الرأس واعترافات المهاجمين المنتمين لحماس، وكذلك من الهواتف المحمولة التي تعود للناجين، فإنَّ متطلَّبات الإثبات في القضايا الجنائية عالية، وقد يواجه المحققون وقتاً عصيباً لربط الأفراد بأعمال بعينها.