الوزير التونسي الأسبق رفيق عبد السلام لـ”عربي بوست”: قيس سعيّد يلجأ للقضاء لإقصاء خصومه من الحياة السياسية

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/01 الساعة 19:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/02 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبدالسلام/ منصات التواصل

قال وزير الخارجية التونسي الأسبق والقيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، يوم الخميس 1 فبراير/شباط 2024 إن الحكم الذي صدر بحقه من المحكمة الابتدائية التونسية بالسجن غيابياً لمدة 5 أعوام، وذلك على خلفية اتهامه بنشر أخبار زائفة، والإساءة إلى الغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي إنه حكم مسيس، الغاية منه تجويف الساحة السياسية من كل الشخصيات والقوى السياسية المنافسة وفرض سيطرة الرئيس التونسي قيس سعيد على الحكم بصورة كاملة كما هو شأن كل الديكتاتوريات العربية، على حد وصفه.

كان المكلف العام بنزاعات الدولة التونسية قد رفع شكوى ضد رفيق عبد السلام في حق الديوان التونسي للبريد، على خلفية تصريحات اعتبرت مسيئة لهذه المؤسسة الحكومية. وكان رفيق عبد السلام قد نشر تدوينة بتاريخ الأول من فبراير (شباط) 2022 اتهم فيها الدولة التونسية باستعمال مدخرات موظفي البريد لدفع أجورهم، بسبب شح السيولة المالية، وعدم قدرة الدولة على توفير الأجور.

كذلك قال رفيق عبد السلام في حواره لـ"عربي بوست"، إن الانقلاب الذي حصل في تونس هو انقلاب فرنسي بدرجة أولى، ولكنه حظي بضوء أخضر دولي، وقد دخلت طبعاً بعض الدول العربية على الخط وفق أولوياتها في التخلص من كل آثار وتبعات الربيع العربي، على حد قوله.

فإلى نص الحوار: 

وزير الخارجية الأسبق، صدر الخميس 1 فبراير/شباط 2024 حكم غيابي بحبسكم خمسة أعوام، كيف ترون هذه الحكم في ضوء ما يحدث في تونس من  تحولات سياسية تقفون على يسارها وترفضونها، كما الكثير من القوى السياسية، بشكل مطلق؟

هذا حكم مسيس، الغاية منه تجويف الساحة السياسية من كل الشخصيات والقوى السياسية المنافسة وفرض سيطرة قيس سعيد على الحكم بصورة كاملة، كما هو شأن  كل الديكتاتوريات العربية.

الحكم سرى كون قيس سعيد بات يستخدم القضاء لاستبعاد خصومه السياسيين من المشهد وتهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية مصنوعة على المقاس، خاصة أنه بات يعاني تدني قاعدته الشعبية ولا يقوى على  الصمود أمام منافسة انتخابية جدية ونزيهة، ولذلك ما من شخصية أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية أو ثمة احتمال ترشحها للانتخابات إلا وأثقلها قيس سعيد بتهم وأحكام قضائية جاهزة، ومن فلت من تهمة الفساد المالي ألقى عليه تهمة جنائية أو في الحد الأدنى جنحة تمنع ترشحه.

على كل حال أطمئن سعيد بأنني لست معنياً بانتخابات ولا ترشيحات ولا منافسات، وكل ما يعنيني أن تستعيد تونس حريتها ومكاسب ثورتها المغدور بها، وأن يرحل هذا الانقلاب غير مأسوف عليه.

دعنا نذهب قليلاً إلى الداخل التونسي.. أعطني ولو تقييماً غير مخل، لما يحدث هناك سياسياً ومستقبل المشهد في تونس في ضوء التجربة الحالية؟

تونس تعيش اليوم خليطاً مركباً من الأزمات السياسية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وقد فشل قيس سعيد في كل شيء، بعدما باع الأوهام للتونسيين منذ انقلاب 25 يوليو/تموز، ولعل الوجه الأبرز لهذه الأزمة هو وقوف الناس في الطوابير من أجل الحصول على المواد الغذائية الأساسية من حليب ودقيق وسكر، وهذا يحصل لأول مرة في تونس منذ بداية الاستقلال. 

والآن يحاول قيس سعيد السيطرة على الأزمة من خلال الهروب إلى الأمام ببيع مزيد من الأوهام وتوسيع مجال الاعتقال والمحاكمات السياسية، ولكنه بات يفتقد السند الشعبي ويتسع نطاق المعارضة من حوله، ومثل هذا الوضع لا يمتلك مقومات الاستمرار طويلاً مهما فعل وناور سعيد.

يرى البعض أن هناك فتوراً في المشهد السياسي التونسي وأنه بات أمام الجميع التسليم بالأمر الواقع، في ظل استمرار الرئيس التونسي الحالي في مخططه نحو تمكين أركان ديكتاتوريته حتى ولو على حساب مؤسسات الدولة؟

الأمور ليست بهذه البساطة، فالهدوء الظاهري يخفي حالة فوران صامتة ولا تستغرب انفجار الأوضاع في وجه قيس سعيد في أي وقت من الأوقات، وقد عوّدتنا تونس على هزات اجتماعية وسياسية بما يشبه الدورات المتتالية. مشكلة قيس سعيد أن شرعيته الشعبية والسياسية تتآكل وهو يتجه إلى توسيع جبهات الصراع مع الجميع من السياسيين والنقابيين والإعلاميين والقضاة والمحامين ونشطاء المجتمع المدني. بالأمر الواقع بات الجميع ضد قيس سعيد بما في ذلك من سانده في انقلابه في البداية، وهذا النمط من الحكم لن يعمر طويلاً في تونس، لأنه وبكل بساطة ضد قوانين الاجتماع السياسي والأعراف السياسية لتونس.

متى يمكن القول إنه من الإمكان أن تطلق القوى السياسية التونسية مساراً جديدة جامعاً يلمْلم المشهد وينطلق لإسقاط النظام الحالي؟ أم أنه قد فات الأوان؟

الساحة السياسية استقرت الآن على تكتلين رئيسيين، الأول يمثل جهة الخلاص الوطني التي تضم القوى الرئيسية الكبرى الرافضة للانقلاب وجبهة الأحزاب اليسارية، ورغم أن هذه الأطراف ترفض الاندماج الجبهوي إلا أنها تلتقي على مطالب سياسية مشتركة في مقدمتها إسقاط الانقلاب ثم تلتقي في الساحات العامة في الشارع ضد سعيد. 

الساحة تتحرك بسرعة وقوس الأزمة يتسع يوماً بعد يوم، والمعركة الآن عنوانها الرئيسي فرض انتخابات شفافة ومستقلة على قيس سعيد حتى يتم التغيير عبر الصندوق والعودة لمسار الثورة وتصحيح كل الانحرافات.

كثيراً ما يقال إن أطرافاً إقليمية تتدخل في المشهد الداخلي للدول العربية، ما يؤجج من الشقاق، في تونس كيف ترى ذلك، وما هي الأطراف الإقليمية التي تؤجج الوضع لديكم ومن مصلحتها استمرار الأمر على ما هو عليه؟

الانقلاب الذي حصل في تونس هو انقلاب فرنسي بالدرجة الأولى، ولكنه حظي بضوء أخضر دولي، وقد دخلت طبعاً بعض الدول العربية على الخط وفق أولوياتها في التخلص من كل آثار وتبعات الربيع العربي.

الفرنسيون كانوا منزعجين من وجود النهضة في المشهد العام وتقاطعت مصالحهم مع قيس في التخلص من خصومه، خصوصاً مع تراجع نفوذهم في ليبيا وجنوب الصحراء، ولكنهم الآن وجدوا أنفسهم في مأزق كبير؛ لأن قيس برع في التفكيك والتقويض، ولكنه لم ينجح في بناء أي شيء، وهم يريدون أن يشكلوا بديلهم الخاص في تونس وفق أولوياتهم في منطقة المغرب العربي، وهذا ما يفسر اختلافهم معه. الخلاصة الدول الإقليمية دعمت الانقلاب، ولكنها ليست فاعلاً أصلياً.

الرئيس التونسي قيس سعيّد (صفحة الرئاسة التونسية فيسبوك)

نذهب إلى الجوار.. تونس وليبيا جارتان عربيتان، هل تونس معنية باستقرار ليبيا، وما هي إمكانيات النظام السياسي الحالي في تونس على الانخراط في مثل هذه المبادرات لتقريب وجهات النظر بين فرقاء ليبيا؟

طبعاً تونس معنية بما يجري في ليبيا بحكم الجوار الجغرافي والترابط الاجتماعي وعمق المصالح بين البلدين، ولكن للأسف حكومة سعيد لا تمتلك رؤية ولا مشروعاً في التعامل مع الجار الليبي. في البداية اصطفت إلى جانب حفتر نكاية في النهضة وتركيا وانحيازاً للمعسكر المعادي للثورات، ولكنها الآن تراوح مكانها ولا تعرف إلى أين تسير في العلاقة بطرابلس، خصوصاً بعد التقارب التركي المصري في الملف الليبي.

إلى المشهد العربي.. أين تقف الحركة الإسلامية وكيف يمكنها إعادة إنتاج مشروعها الفكري والسياسي من جديد؟ 

الحركة الإسلامية تمتلك مخزوناً شعبياً وعمقاً ثقافياً لا تمتلكه قوى أخرى، وإلى حد الآن لم توجد قوى جدية بديلة عن الإسلاميين إلا الفراغ والفوضى، ولكن الإسلاميين في حاجة إلى نخل تجربتهم وتقييم مسارهم العام بمنهجية إيجابية وعقلانية هادئة تعمل على تدارك العثرات وتعزيز المكتسبات. الواضح عندي إلى حد الآن أن التغيير عبر البوابة المحلية القطرية لا أفق له؛ ولذلك لا بد من وجود مشروع عربي أوسع وعابر لحدود الدولة القُطرية وتتولى فيه الدول العربية المركزية دوراً متقدماً، يفرض تغييراً واسعاً في العالم العربي المتجه نحو مزيد من التأزم وتوحش أنظمة الحكم.

في ظل نظرة الجمهور العربي لأزمة الإسلاميين الحالية في المنطقة، كيف تستطيع الحركة الإسلامية إعادة اكتساب ثقة الجمهور مرة أخرى وتقديم نفسها من جديد؟ 

إعادة اكتساب ثقة الجمهور بالعودة للحاضنة الشعبية والدفاع عن مصالح الناس وقضاياهم العادلة وفي مقدمة ذلك حمل مشروع التحرر بمعناه الشامل والعمل على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. إحدى المشكلات الكبرى التي يتوجب على الإسلاميين تجاوزها هي التمركز حول فكرة التنظيم الحصري والتفكير بروح الجماعة الصفوية بدل التفكير بعقلية التيار المفتوح والجامع، فالتحولات الكبرى في مجال الرقميات ووسائل التواصل الاجتماعي قلصت كثيراً من الحواجز السياسية والتنظيمية وحتى الجغرافية ولا بد من أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار في أي تخطيط للحاضر والمستقبل.

هل ترى أن الأنظمة الحالية في العالم العربي، سيكون لديها قناعة في نهاية المطاف أنها يجب أن تعاود النقاش مع الإسلاميين من جديد، أم أن الطرفين ذهبا إلى طرفي نقيض وبلا رجعة؟

المشكلة أن الأنظمة العربية بنت عقيدة سياسية وأمنية فاسدة ومدمرة لنفسها ولمحيطها العام تقوم على اعتبار ما يسمى الإسلام السياسي، وهو الخطر الوجودي رقم واحد، وبموجب هذه العقيدة ذهبت للتطبيع وعقد تحالفات مشوهة ومصادمة لمعطيات التاريخ والجغرافيا. بعض الدول العربية التي لم تذهب بعيداً في هذا الخط يمكن أن تفتح أبواب التعايش والتصالح مع الإسلاميين والتيارات الوطنية الجادة عامة، أما دول التطبيع فأستبعد ذلك في المرحلة الراهنة، اللهم إذا وقعت تغييرات نوعية وانقلاب في موازين القوى في المنطقة، ولكن في كل الأحوال التغيير قادم ولا مهرب منه؛ لأن الأوضاع العربية فاسدة ولا تملك مقومات الاستمرار طويلاً، كما أن التاريخ يعلمنا أن الثورات يمكن أن تمر بمرحلة كمون وتراجع مؤقتاً، ولكنها تعاود الظهور في موجات جديدة أقوى مما كانت عليه، المهم التسلح بالوعي والاستعداد للمستقبل بدل الندب على الماضي أو التسخّط من الحاضر.

لا يفوتنا ما يحدث في غزة، وفي ضوء ما يحدث من تبعات لطوفان الأقصى.. أرجو أن تلقي لنا نظرة على تأثيرات طوفان الأقصى على النظام السياسي العربي في المستقبل القريب.

الواضح عندي أن النظام الرسمي العربي مفكك من أصله وقد زاده طوفان الأقصى تفككاً؛ لأنه بكل بساطة لا يمتلك مشروعاً للحاضر ولا المستقبل، بل إن الدول العربية التي تتولى قيادة النظام الرسمي العربي وضعت نفسها في مأزق كبير حينما اتجهت إلى عقد تحالفات ضد معطيات الجغرافيا والتاريخ ومناقضة في الصميم للمصالح الوطنية الحصرية والمصالح العربية الجامعة، فكيف يمكن لهذا النظام أن يضمن شروط الحياة والاستمرار حينما يعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً أو تكتيكياً وأن مهددات أمنه القومي تتأتى من معارضة داخلية أو دولة مسلمة مجاورة في الإقليم، وتقديري أن النظام الرسمي العربي سيزداد هشاشة وضعفاً كلما أمعن السير في اتجاه التطبيع ووضع نفسه في مواجهة مع الشارع العربي.

جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة/الأناضول

الدول العربية "أنظمة" باتت في مأزق بسبب طوفان الأقصى، حتى إن التفاعل العربي "الرسمي"، لا يرقى لقدر المسؤولية، على أي شيء استندت الدول العربية في تقاعسها عن الدعم الكبير للمقاومة؟ 

الدول العربية، مع بعض الاستثناءات، كانت تنتظر من إسرائيل استكمال المهمة للتخلص من صداع الملف الفلسطيني وما يسمونه الإسلام السياسي، ولذلك أخروا انعقاد القمة العربية بخلفية إعطاء مزيد من الوقت لإسرائيل لاستكمال المهمة وتمهيد الأرضية لترتيبات سياسية مطلوبة أمريكياً، ولكن صمود الفلسطينيين وضعهم في ورطة واضطرهم في الأخير لتعديل خطابهم؛ خشية مصادمة الرأي العام العربي، للأسف بعض الدول العربية تعتبر المقاومة الفلسطينية خطراً على وجودها قبل الاحتلال الخارجي.

تحميل المزيد