أخذ القتال الدائر في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 منحى جديداً بدخول قوات "الدعم السريع" الجزيرة (وسط) وهي ولاية اقتصادية وزراعية وذات موقع استراتيجي يربط بين الشرق والشمال والجنوب، عقب انسحاب الجيش السوداني منها مؤخراً.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان، يخوض الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلَّفت أكثر من 12 ألف قتيل وما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.
والأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، دخلت قوات "الدعم السريع" الحصاحيصا، ثاني أكبر مدن الجزيرة، وبذلك تكون هذه القوات قد سيطرت على الولاية.
وقالت لجان مقاومة الحصاحيصا (ناشطون)، في بيان صباح الأربعاء، "دخلت قوات الدعم السريع مدينة الحصاحيصا واستولت على رئاسة الشرطة المحلية"، موضحة أن الأمر تم دون اشتباكات لعدم وجود قوات للجيش والشرطة.
اللجان أوضحت أن قوات "الدعم السريع" تتواجد في السوق الكبير بالمدينة وداخل عدد من أحيائها، خاصة الأحياء الطرفية ومحالج مشروع الجزيرة، وهو أكبر مشروع زراعي مروي في قارة أفريقيا وتبلغ مساحته 2.2 مليون فدان (850 كيلومتراً مربعاً).
ومنذ 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، انضمت الجزيرة إلى دائرة الحرب، في تطور لم يكن في حسابات السودانيين، وهي الولاية المتاخمة للخرطوم من الجنوب، وذات كثافة سكانية عالية، وكانت قِبلة للنازحين من القتال في الخرطوم.
وتفاقم الأمر بسيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة ود مدني، عاصمة الولاية في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد معارك مع قوة من الجيش استمرت حوالي 4 أيام.
وفي اليوم التالي، أعلن الجيش أن قواته انسحبت من المدينة في اليوم السابق، وأنه "يُجري تحقيقاً في الأسباب والملابسات التي أدت لانسحاب القوات من مواقعها".
وبسيطرة "الدعم السريع" على ود مدني، حيث توجد أكبر حامية للجيش، تكون الولاية بالكامل تحت سيطرتها، فدخولها المدن الأخرى ذات الكثافة السكانية الأقل أمر يسير؛ لعدم وجود قوات كبيرة للجيش بها.
وبالفعل، دخلت "الدعم السريع" مدن رفاعة، والجنيد، والكاملين، دون مقاومة تذكر، وأخيراً مدينة الحصاحيصا الأربعاء.
ويعيش حوالي 5.9 مليون نسمة في ولاية الجزيرة، وهي سلة غذاء السودان، بينهم حوالي 700 ألف شخص في ود مدني.
وفراراً من القتال في ولايات أخرى، نزح 500 ألف شخص إلى الجزيرة منذ منتصف أبريل الماضي، بحسب الأمم المتحدة.
وتقول المنظمة الدولية إنه منذ اندلاع القتال في السودان، أصبحت ود مدني مركزاً للعمليات الإنسانية في البلاد؛ إذ تعمل 57 منظمة إنسانية في الولاية.
ومنتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت الأمم المتحدة تعليق جميع البعثات الميدانية الإنسانية داخل الجزيرة؛ جراء القتال بين الجيش و"الدعم السريع" في الولاية.
وبانتقال المعارك إلى الجزيرة، اتسعت رقعة القتال؛ إذ انضمت الولاية إلى تسع ولايات تشهد اشتباكات مستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.
نزوح مستمر
منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، بدأ الآلاف من السكان والنازحين إلى ود مدني مغادرتها إلى مدن الولايات المجاورة ومنها كوستي في النيل الأبيض وسنار بولاية سنار والقضارف بولاية القضارف.
بدوره، قال مواطن سوداني يدعى مجدي أحمد: "خرجت وأسرتي إلى مدينة سنار ومنها إلى ولاية القضارف في رحلة طويلة وشاقة استمرت 36 ساعة".
أحمد أضاف أن "الوضع الإنساني صعب، وعلى طول الطريق آلاف من الناس يتحركون بحثاً عن الأمن"، وتابع: "لولا مساعدات السكان في الطرق والقرى التي نمر بها، بالماء والأكل، لما استطعنا أن نصل إلى مدينة القضارف.. وهذا هو الشيء الوحيد الذي خفف علينا مأساتنا".
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قالت منظمة الهجرة الدولية، في بيان، إنه منذ تصاعد الصراع في ود مدني منتصف الشهر الجاري وخلال ثلاثة أيام نزح ما بين 250 ألفاً و300 ألف من الولاية.
أضافت أن "العديد من الفارين يضطرون إلى النزوح للمرة الثانية أو الثالثة منذ بدء النزاع، واضطروا إلى الفرار سيراً على الأقدام؛ بسبب ندرة خيارات النقل المتاحة".
المنظمة شددت على أنه من غير المستبعد أن يواصل الكثيرون رحلاتهم إلى مدينة الرنك في ولاية أعلى النيل بدولة جنوب السودان؛ بحثاً عن الأمان؛ مما يؤدي إلى ارتفاع محتمل في تدفقات النازحين إلى جنوب السودان.
تمدد القتال
وتزداد المخاوف من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى؛ إذ تتبقى 8 ولايات فقط تشهد استقراراً، وهي النيل الأبيض (جنوب) وسنار والنيل الأزرق (جنوب شرق) والشمالية ونهر النيل (شمال)، وكسلا والقضارف والبحر الأحمر (شرق).
ولا يستبعد مراقبون أن ينتقل القتال إلى أي من هذه الولايات؛ في ظل انسداد الأفق السياسي أمام حل سلمي للأزمة، على الرغم من جهود كل من منبر جدة في السعودية والهيئة الحكومية لشرق أفريقيا (إيغاد).
من جانبه، حذر الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله، من أن "الحرب قد تمتد وتقضي على كل السودان إذا لم يحدث وقف إطلاق نار".
وأردف: "يمكن أن تثمر جهود إيغاد بأن تجمع بين رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح برهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو ويتوصلا إلى وقف إطلاق النار".