تعرضت الأعمال التجارية الإسرائيلية، من المطاعم الصغيرة إلى شركات التكنولوجيا المتقدمة وحقول الغاز الكبرى التي تديرها شركة Chevron، "لهزة شديدة بسبب الحرب مع حركة حماس"، حسبما أفادت وكالة Bloomberg الأمريكية، الإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويقارن كثيرون عمليات الإغلاق التي أضرّت بالاقتصاد البالغ حجمه 520 مليار دولار بتلك التي حدثت خلال جائحة "كوفيد-19″، التي كانت المدارس والمكاتب ومواقع البناء وقتها فارغة أو تفتح لبضع ساعات فقط في اليوم.
وقبل هجومها البري على غزة، حشدت إسرائيل عدداً قياسياً من جنود الاحتياط بلغ 350 ألف جندي؛ مما أدى إلى سحب ما يقرب من 8% من قوة العمل، وفق بلومبرغ.
وقد أدى الاستدعاء العسكري والتجميد الاقتصادي الجزئي إلى انهيار مفاجئ في النشاط التجاري وقلب كل شيء من الأعمال المصرفية إلى الزراعة، وهو ما يُكلِّف الحكومة ما يعادل 2.5 مليار دولار شهرياً، وفقاً لشركة Mizrahi-Tefahot، أحد كبار المُقرِضين الإسرائيليين، في حين حذر البنك المركزي من أنَّ التأثير سيتفاقم كلما طال أمد الصراع.
خسائر مالية "فادحة"
والخسائر المالية التي تكبدتها إسرائيل فادحة بالفعل، إذ سجّلت الأسهم الإسرائيلية أسوأ أداء في العالم منذ اندلاع القتال، وانخفض المؤشر الأساسي في بورصة تل أبيب بنسبة 15% من حيث القيمة الدولارية، أي ما يعادل نحو 25 مليار دولار.
وانخفض الشيكل إلى أضعف مستوى له منذ عام 2012 –على الرغم من إعلان البنك المركزي عن حزمة غير مسبوقة بقيمة 45 مليار دولار لتعزيز العملة– ويتجه نحو أسوأ أداء سنوي له هذا القرن، كما ارتفعت تكلفة التحوط ضد مزيد من الخسائر الاقتصادية.
وسيحدد النطاق الجغرافي للصراع ومدته؛ مدى تأثيره الاقتصادي على المدى الطويل، في وقت يحذّر فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من حملة عسكرية "طويلة وصعبة"، وفق تصريح له السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول، مع بدء إسرائيل توغلها على نطاق واسع في غزة.
ويتوقع بنك JPMorgan Chase & Co أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% هذا الربع على أساس سنوي.
اختبار لمدى مرونة الاقتصاد
ووجد استطلاع أنَّ التعطيل الأولي كان شديداً لدرجة أنَّ 12% فقط من المُصنّعين الإسرائيليين حافظوا على الإنتاج بكامل طاقته بعد أسبوعين من الحرب، وأشار معظمهم إلى نقص الموظفين باعتباره أكبر مشكلة لديهم.
تقرير بلومبرغ أفاد بأن الحرب ستختبر قدرة إسرائيل على الصمود إلى أقصى الحدود، فيما قالت الحكومة إنَّ العجز المالي قد يزيد على ضعف توقعاتها السابقة هذا العام والعام المقبل.
وأصدرت كل من وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، ووكالة موديز لخدمات المستثمرين، وفيتش للتصنيفات الائتمانية، تحذيرات بشأن توقعات ديون البلاد؛ مما جعلها أقرب إلى أول تخفيض للتصنيف الائتماني على الإطلاق.
وانهار إنفاق الأُسر؛ مما أحدث صدمة كبيرة لقطاع المستهلكين الذي يمثل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي.
إضافة إلى ذلك، انخفض الاستهلاك الخاص بنحو الثُّلث في الأيام التي تلت اندلاع الحرب، مقارنة بالمتوسط الأسبوعي في عام 2023، وفقاً لغرفة مقاصة نظام المدفوعات Shva، كما انخفض الإنفاق على بنود مثل الترفيه والتسلية بنسبة تصل إلى 70%.
تأثير مباشر على شركات الطيران العالمية وشركات السياحة
من جانبه، قال روي كوهين، رئيس اتحاد الشركات الصغيرة: "صناعات بأكملها وفروعها لا تستطيع العمل. لقد قرر معظم أصحاب العمل بالفعل منح موظفيهم إجازة غير مدفوعة الأجر؛ مما أثر على مئات الآلاف من العمال".
وخفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته للاقتصاد في 23 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لا يزال يتوقع نمواً يتجاوز 2% هذا العام والعام المقبل، بافتراض احتواء الصراع.
في السياق، أفاد موقع Ynet الإسرائيلي بأنَّ الحرب أحدثت تأثيراً مباشراً على شركات الطيران العالمية وشركات السياحة، التي أعلنت معظمها وقفاً كاملاً لعملياتها في إسرائيل.
وذكر المدير المالي لشركة الطيران العملاقة United Airlines في التقارير المالية للشركة للربع الثالث من العام الجاري، أنَّ "نشاطنا في تل أبيب تأثر بالأحداث الأخيرة في المنطقة، وهذا يؤثر تأثيراً كبيراً على توقعاتنا"، وحذرت الشركة من أنَّ الأرباح قد تتراجع إلى 1.5 دولار للسهم إذا لم تُستأنَف الرحلات الجوية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وطال تأثير الحرب أيضاً عالم الإعلانات، فقد ذكرت شركة سناب، الشركة الأم للشبكة الاجتماعية سناب شات، أنَّ عدداً كبيراً من الحملات الإعلانية توقفت فوراً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتُشكِّل الحرب الآن نوعاً من "الرياح المعاكسة" للإيرادات التي كانت متوقعة خلال الربع الحالي.
وبينما لم تحدد Meta، الشركة الأم لـ"فيسبوك" وإنستغرام وواتساب، مقاييس رسمية، إلا أنها قالت في محادثة مع المستثمرين إنها تدرك وجود تزامن معين بين تباطؤ الإنفاق الإعلاني في الربع الرابع وتطور الحرب، وأكدت المديرة المالية سوزان لي: "نواصل مراقبة الوضع".
أزمة قطاع البناء
من شأن لمحة سريعة إلى قطاع الإسكان أن تثير مزيداً من القلق عمّا ينتظر الاقتصاد الإسرائيلي.
وحتى مع إعادة فتح بعض مواقع البناء، فإنَّ العديد من العمال متغيبون، إذ تعتمد الصناعة اعتماداً كبيراً على 80 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، وهي منطقة تخضع لإغلاق أمني منذ منتصف سبتمبر/أيلول، وحيث تزايدت الاضطرابات منذ بدء الغارات الجوية الإسرائيلية والحصار شبه الكامل على غزة.
وكانت الموارد المالية لشركات البناء متوترة بالفعل بسبب ارتفاع أسعار الفائدة منذ أوائل العام الماضي، وقد تجد العديد من الشركات مزيداً من الصعوبة في الوفاء بالتزاماتها، في حين يثير هذا الاحتمال قلق البنوك، التي تمثل صناعة البناء والتشييد ما يقرب من نصف قروضها التجارية.
الاستدعاء العسكري
من شأن التوقف عن البناء والعقارات، التي تساهم بنسبة 6% من عائدات الضرائب في إسرائيل، تقليص دخل الحكومة ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع متجدد في الأسعار بسوق الإسكان الذي كان من بين أغلى الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
ومع تحول الاقتصاد إلى حالة الحرب، فإنَّ مغادرة الموظفين تؤدي أيضاً إلى قلب شركات التكنولوجيا رأساً على عقب.
فقد استدعى الجيش نحو 15% من القوى العاملة في مجال التكنولوجيا بإسرائيل للخدمة الاحتياطية، وفقاً لتقديرات آفي حسون، الرئيس التنفيذي لشركة Startup Nation Central، وهي مجموعة غير ربحية تتتبع النشاط الصناعي. وقال إنَّ هذه الأرقام أعلى في الشركات الناشئة، التي تميل إلى توظيف العمال الأصغر سناً.
تأجيل الاستثمارات
في سياق متصل، أُجرِى استطلاعٌ الأسبوع الماضي شمل 500 شركة للتكنولوجيا الفائقة، وأبلغ ما يقرب من النصف عن إلغاء أو تأجيل اتفاقيات استثمار. ومن بين المشاركين في الاستطلاع، وضمن ذلك الشركات المملوكة محلياً والمتعددة الجنسيات، قال أكثر من 70% منها إنَّ مشروعات كبرى تأجّلت أو أُلغيَت تماماً.
وحتى في الوقت الذي تقول فيه الشركات إنها تتعلم التكيف، فإنَّ محنة كثير منها تشير إلى أنَّ الأزمة ستترك ندوباً طويلة الأمد في الاقتصاد الإسرائيلي.