ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بالكثير من الفيديوهات التضامنيّة مع ما سمّوها "حركة 10 آب"، التي أطلقتها مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في الداخل السوري.
فما قصة هذه الحركة، وما أهدافها، وما مدى التضامن الشعبي التي حظيت به؟
حركة 10 آب في سوريا.. تضامن واسع ومطالب محقة
في تاريخ 5 أغسطس/آب 2023، نشرت صفحة حركة 10 آب الرسمية على موقع فيسبوك، بيانها الرسمي الأول، والذي أعلنت من خلاله تأسيس الحركة التي تهدف إلى إنهاء معاناة الشعب السوري من سوء إدارة الحكومة للبلاد، وتجاهلها لمستقبلهم.
الحركة عرّفت عن نفسها بأنها مجموعة من السوريين الذين يعيشون داخل سوريا وليس خارجها، وأنهم رافضون للوصاية من أي أطراف خارجية، وأن حركتهم هذه حركة سلمية، ترفض أي دعوة لحمل السلاح.
أهداف حركة 10 آب
وأضافت الحركة أن لديها العديد من المطالب من الحكومة السوريّة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو معيشي يتعلق بالمواطنين، مؤكدين أنّ الحل الوحيد هو قيام رأس النظام السوري بشار الأسد، أو رئيس وزرائه، بإصدار بيان رسمي عبر القنوات الرسمية السورية، بتحديد جدول زمني واضح يتضمن تواريخ محددة للمطالب التالية:
أولاً: رفع رواتب الموظفين العاملين داخل سوريا، بحيث يكون الحد الأدنى لها 100 دولار أمريكي، مع إعطاء الحكومة مهلة لتحقيق هذا الأمر.
ثانياً: إعادة الكهرباء إلى منازل المواطنين السوريين في جميع المناطق، لتصل إلى 20 ساعة يومياً.
ثالثاً: إصدار جوازات سفر للمواطنين السوريين الراغبين في استخراجها، بفترة لا تتجاوز شهراً واحداً.
رابعاً: إعادة الدعم للخبز والمحروقات.
خامساً: إعلان خطة لمحاربة مصانع حبوب "الكبتاغون" المخدرة، وإغلاقها في كافة الأراضي السورية.
سادساً: إخراج كافة المعتقلين في السجون السورية، لا سيما من النساء والأطفال؟
سابعاً: إخراج جميع المعتقلين السياسيين من المعتقلات.
ثامناً: إعلان قانون رسمي يكفل إيقاف بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص الأجنبي بشكل كامل.
تاسعاً: تحديد مدة حقيقية لخدمة العلم الإلزامية والاحتياطية في الجيش.
وأضافت الحركة في بيانها أنها ستبدأ تحركاتها في الداخل السوري، في حال لم تستجب الحكومة السورية لهذه المطالب، موضحة أن قيام الحكومة بتحديد مواعيد لتنفيذ هذه المطالب هو أمرٌ كافٍ لها مبدئياً.
كما دعت الحركة في بيانها قوات الجيش وأفراد الأمن بعدم التعرض للحركة والمتضامنين معها، موضحةً أنّ أي محاولة من قبل السلطة للخروج عن القانون، فإنّ خروج الشعب عليها سيكون قانونياً.
هل مطالب حركة 10 آب محقة؟ البداية مع السقوط الحر للدولار
يعيش السوريون منذ أكثر من 12 عاماً أزمة اقتصادية خانقة، إذ انهار سعر الليرة السورية مقابل الدولار بعشرات الأضعاف، إذ تحول سعر الدولار الواحد من 50 ليرة سورية في عام 2011، إلى أكثر من 15 ألف ليرة في عام 2023، الأمر الذي ترافق مع ارتفاع الأسعار بشكل فاحش.
فضلاً عن ذلك، فإنّ رواتب الموظفين الحكوميين في البلاد لا تتناسب على الإطلاق مع الأسعار، إذ إنّ راتب الموظف شهرياً لا يتجاوز 15 دولاراً أمريكياً فقط، وهو ما يكفي لوجبتي غداء فقط.
ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، بينما يعاني أكثر من 12 مليوناً منهم من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة.
ولطالما اعتبرت دمشق العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع النزاع عام 2011 سبباً أساسياً للتدهور المستمر لاقتصادها.
الكهرباء للأغنياء فقط
أما فيما يتعلق بالكهرباء، إذا ما أردنا مقارنتها بفترة ما قبل الثورة السورية، فإنّ الكهرباء كانت تنقطع عن منازل السوريين يومياً لفترة لا تتجاوز الـ4 ساعات، وخصوصاً خلال فصل الصيف.
في الوقت الحالي، فإنّ مُعظم السوريين لا سيما في المدن الأخرى غير العاصمة، فإنهم لا يحصلون على الكهرباء سوى لساعة أو ساعتين يومياً، الأمر الذي يضطرهم إلى الاشتراك مع شركات خاصة استغلالية تقوم بتوفير الكهرباء عن طريق مولدات كبيرة الحجم، وبأسعار خيالية لا يستطيع تحمل تكاليفها سوى الأثرياء في سوريا فقط.
تأخير في تسليم جوازات السفر
وبالنسبة لموضوع جوازات السفر فإنّ إصدار جواز سفر داخل سوريا ليس بالأمر الصعب، وبسعر رخيص، مقارنةً مع ما يدفعه السوريون المقيمون في الخارج.
إذ إنّ رسوم جواز السفر العادي للمواطنين السوريين المقيمين في الداخل يبلغ 60 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 4 دولارات، ويتم إصداره بفترة لا تتجاوز أسبوعي عمل.
بينما يبلغ سعر جواز السفر العادي غير المستعجل في القنصليات والسفارات السورية في الخارج نحو 400 دولار أمريكي، ويحتاج إلى مدة أقلها 4 أشهر.
لكن في الفترة الأخيرة بدأت جوازات السفر في الداخل السوري تستغرق وقتاً أطول من المعتاد لاستخراجها، لتطول فترة شهرين أو أكثر في بعض الأحيان.
أسعار فاحشة للمنتجات الأساسية
كما يعاني الكثير من السوريين من الأسعار المرتفعة، لا سيما المواد الأساسية للحياة مثل الخبز والغاز والمازوت والبنزين والسكر والأرز، الأمر الذي دفع الحكومة السورية إلى وضع خطة دعم، تقوم من خلالها شرائح معينة من السوريين بشراء هذه المنتجات بأسعار رخيصة باستخدام "بطاقات ذكية" أصدرتها الحكومة لتحديد المستفيدين.
الكبتاغون.. مصدر دخل رئيسي حوّل سوريا إلى دولة مخدرات
أما فيما يتعلق بقضية حبوب الكبتاغون، فإنه لا يخفى على أحد أنّ النظام السوري وجد من حبوب الكبتاغون تجارةً مربحة له ولحليفه في لبنان "حزب الله"، الأمر الذي حوّل سوريا إلى دولة مخدرات.
الكثير من التقارير التي نشرتها مواقع ووكالات معروفة مثل شبكة BBC الأمريكية، ووكالة الصحافة الفرنسية، وصحيفة الشرق الأوسط، أكدت أنّ حبوب الكبتاغون باتت اليوم واحدة من أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية.
وباتت سوريا مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا، وصولاً إلى دول المنطقة، مروراً بدول إفريقية وأوروبية، فيما أفادت تقارير أخرى بأنّ هذه الحبوب المخدرة باتت تصل حتى إلى الدول الخليجية، لا سيما الإمارات العربية المتحدة.
فضلاً عن ذلك، فإنّ تأثير الكبتاغون وصل أيضاً إلى السكان، إذ إنّ انتشار المعامل المصنعة له بكثرة في سوريا، جعلت منه سلعة سهلة الوصول إلى المواطنين السوريين، الذين يلجأون إليه للابتعاد عن الواقع المعيشي المظلم الذي يعيشونه.
مئات الآلاف في السجون.. والاعتقالات لا تزال مستمرة
من ناحية أخرى، فإنّ في السجون والمعتقلات السورية يقبع مئات الآلاف من السوريين، سواء بتهم باطلة أو بتهم سياسية، والكثير من هؤلاء المساجين والمعتقلين هم من الأطفال والنساء، فضلاً عن الكثير من الأشخاص المفقودين الذين لا يُعرف مصيرهم حتى الآن.
تقرير حديث نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكد أنها وثقت في النصف الأول من عام 2023، ما لا يقل عن 1047 حالة اعتقال/احتجاز تعسفي، من بنيهم 43 طفلاً و37 سيدة.
وأوضحت الشبكة الحقوقية أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتم من دون مذكرة قضائية، لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية.
ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه، في الوقت الذي تُنكر فيه السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
من مرفأ طرطوس إلى مطار دمشق.. أملاك الدولة تؤجر إلى روسيا وإيران
أما من ناحية مطالب حركة 10 آب بقانون رسمي يكفل إيقاف بيع أملاك الدولة للشركات الأجنبية، فإن ذلك يأتي بعد القيام بخصخصة مطار دمشق ومنح استثماره لروسيا.
مطار دمشق ليس الوحيد، إذ قامت الحكومة السورية في السنوات الأخيرة بمنح الشركات الروسية العاملة في سوريا عشرات العقود في مجال الصناعة والتجارة والسياحة، أبرزها تأجير مرفأ طرطوس البحري لمدة 49 عاماً، ومنح استثمارات الكهرباء إلى إيران.
الخدمة العسكرية من عامين إلى فترة مفتوحة المدة
أما آخر مطالب الحركة، المتعلق بتحديد مدة محددة لخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، فيأتي على خلفية بقاء أعداد كبيرة من الجنود العسكريين في خدمتهم لفترة مفتوحة قد تصل إلى 10 سنوات.
بينما قد يستدعى من أتم خدمته العسكرية إلى الخدمة الاحتياطية في أي وقت كان.
ويذكر أنّ القانون السوري يحدد فترة الخدمة العسكرية في سوريا بين 18 شهراً و24 شهراً، بحسب الشهادة الدراسية التي وصل إليها الشخص قبل سحبه إلى الخدمة.
هل زيادة المعاشات الأخيرة التي أقرها الأسد كانت بسبب حركة 10 آب؟
بعد نحو 10 أيام من نشر حركة 10 آب بيانها الأول، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومين ضاعف بموجبهما رواتب العاملين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين.
ونصّ المرسوم الأول الصادر عن النظام، وفق ما نشره الإعلام، على "إضافة نسبة 100% إلى الرواتب، لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين".
وتضمن المرسوم زيادة الحدّ الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى قرابة 13 دولاراً.
وتشمل الزيادة وفق المرسوم الثاني "أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين".
ويتراوح راتب الموظف العام بين 10 و25 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، قبل صدور المرسومين.
هذه الزيادة في الرواتب فتحت باب التساؤل حول ما إذا كان هذا القرار جاء من باب إرضاء حركة 10 آب؟.
ليأتي قرار صادم من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تزامن مع مرسومي الأسد، برفع الدعم كلياً عن البنزين، وجزئياً عن المازوت، ليصبح سعر لتر البنزين 8 آلاف ليرة (نصف دولار)، بعدما كان 3 آلاف ليرة، وارتفع سعر المازوت من 700 إلى ألفي ليرة، فيما تم تداول أنباء عن نية النظام رفع الدعم عن الخبز أيضاً.
تضامن من المؤيدين والمعارضين مع حركة 10 آب.. فمن الذي يقف وراءها؟
بتاريخ 9 أغسطس/آب، نشرت "حركة 10 آب" بيانها الثاني، الذي أكدت من خلاله أنّها تابعت بتركز عالٍ كل ما صدرَ عن الرئيس الأسد ورئيس مجلس وزرائه، خلال فترة المهلة الماضية، وراقبوا من قريب كل ما صدر من تصريحات شبه رسمية تخُص الحكومة السورية.
وأضاف البيان أنّ الحركة تأكدت من أنّ الحكومة السورية قد أهملت كافة المطالب، بل وأعلنت بشكل صريح وواضح أنها غير مهتمة بالمواطنين من خلال رفع الدعم عن البنزين ورغيف الخبز.
وأوضحت الحركة أنّه ابتداءً من تاريخ 10 آب ستبدأ الحركة تحركاتها في البلاد.
وبالفعل، لم يمض وقت طويل على إصدار البيان، إلا وبدأ الكثير من السوريين يبدون تعاطفهم مع هذه الحركة، من خلال توزيع قصاصات ورقية في شوارع المُدن السورية لا سيما الساحلية التي تعتبر معقل النظام السوري.
بالإضافة إلى ذلك، فقد خرجت العديد من المظاهرات أيضاً في مدينة السويداء.
وقال أحد نشطاء مدينة السويداء، جنوبي سوريا، في تصريح لموقع "العربي الجديد": "إن كل حراك سلمي مهما كان في أي بقعة جغرافية في سوريا مهم جداً، الأهم في هذا الحراك أنه ينطلق من الساحل، وغير مسلح، وسلمي لأبعد الحدود رغم التهديدات الأمنية، ومن الواضح أن هناك جيلاً جديداً قد استفاد من كل الذي جرى خلال 12 عاماً من المأساة".
فيما قال ناشط إعلامي، يبدو أنه من مدينة طرطوس، أطلق على نفسه اسم حيدرة سليمان، وهو اسم شهير في المناطق العلوية في سوريا: "لا يهمني أن أعرف من أين انطلقت الحركة، ولا في أي محافظة تأسست، الأهم في الأمر أنها حركة شبابية سورية من كل المحافظات، وليس لها أي انتماء فئوي مهما كان، تطالب بحقوق دستورية تتجاهلها سلطة الأمر الواقع، والأهم من ذلك أيضاً أنها كما أعلنت غير مسلحة".
فخري حاج بكار، أو كما كان يعرف سابقاً "بكري الحلبي"، وهو مهندس وناشط سوري معارض، كتب في حسابه على "فيسبوك": "مشاعري مختلطة لما بشوف دعوة علنية منسقة بين أكثر من جهة، وأكثر من محافظة لعصيان مدني وإضراب، هالحكي متى؟ بعد 12 سنة من الثورة وإضراب الكرامة".
وتابع: "جميل جداً إنو النظام يشوف إنو بعد كل شي عملو، لسه في شعب عم يعمل حراك مدني ضده".
وأضاف في منشور آخر: "بالتوفيق لحركة 10 آب، أنا مع أي حراك في أي مكان بالعالم ضد نظام الأسد، فشلون إذا كان هاد الحراك داخل سوريا؟ الله يحميكون، اليوم رح نشوف الأفعال بعد ما سمعنا الأقوال".
وعلى الرغم من أنّ أمير ناصر (اسم مستعار) أحد المتحدثين باسم حركة 10 آب، قد نفى في اتصال هاتفي مع قناة "تلفزيون سوريا" المعارضة، وجود أي تنسيق أو ارتباط مع حركة الضباط الأحرار، أو حركة الشغل المدني، اللتين انطلقتا في الفترة الماضية، فإنّ العديد من السوريين لا يزالون يشككون بأنها "لعبة من مخابرات النظام" أو "متنفس للشعب"، ولم تسلم من اتهامات مؤيدي النظام بالعمالة لأجندات خارجية.