شهدت السنوات الأخيرة صعوداً صينياً لافتاً في منطقة الشرق الأوسط، وبينما تركز النفوذ الصيني في السابق على الجوانب الاقتصادية، فإن السنوات الأخيرة شهدت تمظهراً جديداً لهذا النفوذ، متزامناً مع تعاظم التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، شمل الجوانب العسكرية والدبلوماسية والجيوسياسية. فما التداعيات التي يمكن أن ترتبها هذه المتغيرات على النظام الدولي وبنيته؟
الاقتصاد قاطرة الصعود الصيني ودعامته
تُعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق الجيواقتصادية بالنسبة للصين، سواء بحكم وارداتها النفطية منها أو كون هذه المنطقة ركناً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق، حيث تضم المنطقة معظم الممرات البحرية اللازمة لإنجاز هكذا مشاريع، سواء قناة السويس أو مضائق البوسفور، الدردنيل، باب المندب وهرمز.
على مدى العقد الماضي، استوردت الصين ما يقرب من نصف نفطها من منطقة الشرق الأوسط، فقد استوردت خلال عام 2020 نحو 47% من إجمالي احتياجاتها النفطية -والتي بلغت قيمتها 176 مليار دولار- من دول الشرق الأوسط.
بشكل عام، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط خلال العام 2022 قرابة 507 مليارات دولار، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً، بزيادة 35.7%، مقارنة بعام 2021، ليتصدر الشرق الأوسط قائمة شركاء الصين الكبار.
لتقريب الصورة أكثر، وكشف مدى التطور في خريطة التبادلات التجارية في المنطقة مع القوى الكبرى، كشف البنك الدولي أن حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة انخفض من نحو 20.6 مليار دولار في عام 2000، نحو 20.1 مليار دولار عام 2020.
على النقيض من ذلك، قفز حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية من 3.1 مليار دولار في عام 2000 إلى 67.1 مليار دولار في عام 2020.
تبلغ القيمة التراكمية للاستثمار الصيني في الخليج وحده 137.2 مليار دولار، بينما بلغت 213.9 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط ككل، بين عامي 2005 و2021.
تأتي معظم هذه الاستثمارات في إطار ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق، والتي ترتكز على الاستثمار في خطوط النقل التجارية والبنية التحتية المسهلة للتجارة الدولية، وهو ما يجعل من الشرق الأوسط حلقة وصل استراتيجيّة في هذه المبادرة، باعتبارها نقطة وصل ما بين أسواق شرق آسيا من جهة، وإفريقيا وأوروبا وحوض البحر المتوسّط من جهة أخرى.
تعد المساعدات الاقتصادية من أدوات الصين الرئيسية في تعزيز العلاقات مع الشرق الأوسط؛ حيث قدمت لمصر قروضاً بقيمة 15.6 مليار دولار في السنوات بين 2008 و2021.
بالإضافة إلى 106 ملايين دولار كانت قد قدمتها كمساعدات لبلدان أخرى، منها 91 مليون دولار مساعدات إنسانية وإنشائية للأردن وسوريا واليمن ولبنان و15 مليون دولار لفلسطين، هذا بخلاف 100 مليون دولار قدمتها لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال عام 2015.
النفوذ العسكري وجدلية الصعود الصيني السلمي
من أكثر السمات المميزة للنفوذ الصيني في الخارج، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، هو افتقادها للعسكرة، والذي اقترن بما تروّجه الصين عن نفسها بفكرة الصعود السلمي، الذي يبتعد عن مراكمة القوة العسكرية والاشتباك مع الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية، والتركيز على الجوانب التنموية والتعاون الاقتصادي.
ما سبق يفسر امتلاك الصين حتى الآن، وبرغم ما تملكه من مقدرات، قاعدة عسكرية واحدة فقط خارج أراضيها وتقع في جيبوتي بالقرن الإفريقي.
لكن البروفيسور جون ميرشايمر، في تنظيره للواقعية الهجومية، يطرح مساراً مغايراً يتلخص في أنه لا يمكن الحكم الآن على مستقبل الصعود الصيني، هل سيكون سلمياً أم عسكرياً، إذ لا تحدده النوايا وإنما القدرات، وما إذا كانت قدرات دفاعية أم هجومية.
الآن الصين في مرحلة تراكم وبناء قوتها الذاتية بالأخص على المستوى العسكري، كما أنها تحاول الهيمنة على إقليمها الموجودة فيه "جنوب شرق آسيا"، في القلب منه منطقة بحر الصين الجنوبي، وإخراج الولايات المتحدة منها، وبعد ذلك يمكن الحكم ما إذا كان صعودها في بنية النظام الدولي سيكون سلمياً أم عسكرياً، وهو لا يستبعد الصعود الخشن. وفي تقديري أن هذا هو المسار المرجح، عبر إغراق العالم بقواعدها العسكرية كما أغرقته بسياسة الديون، والانخراط في الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية.
لكن قبل هذه المرحلة يجب على الصين أن تقوي دعائم قوتها الاستراتيجية على المستوى الاقتصادي قبل العسكري؛ حتى لا تتكرر معها تجربة الاتحاد السوفييتي، والذي كان استنزافه اقتصادياً أحد الأدوات الأمريكية الرئيسية في تفكيك هذا التكتل.
الجيش ونفوذ الصين الخارجي
لقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، في حديثه إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي خلال الفترة من 16 – 22 أكتوبر 2022، إلى تسريع عمليات تحديث الجيش الصيني؛ ليصبح جيشاً على مستوى عالمي، وشدد على الحاجة إلى كسب الحروب الإقليمية، كما يطمح الرئيس الصيني لاستكمال تحديث جيش بلاده بشكل كامل بحلول عام 2035، والارتقاء بمكانة الجيش الصيني إلى المرتبة الأولى عالمياً بحلول عام 2049، وتخطي الجيش الأمريكي.
كشف التقرير الحكومي الصيني السنوي في مارس 2022، عن رفع الميزانية الدفاعية للعام الحالي إلى 7.1%، وهو ما يمثل زيادة عن ميزانية العام الماضي والبالغة 6.8%، وتعتبر هذه سابع زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، فقد خصصت الحكومة ما قيمته 229.47 مليار دولار للإنفاق العسكري.
كما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، في نوفمبر الماضي، أن الاستخبارات الأمريكية علمت أن دولة الصين تبني سراً موقعاً عسكرياً "مزعوماً" في ميناء خليفة قرب أبوظبي، وتوقف بناء المنشأة الصينية بعد ضغوط أمريكية.
في شهر ديسمبر عام 2022، ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية، أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على معلومات عن طريق الأقمار الاصطناعية تفيد بأن السعودية تعمل على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة صينية، ولم يصدر أي نفي من إدارة البلدين حول هذا الخبر.
كما لا يمكن إغفال أيضاً مناورات "حزام الأمن البحري-2023" التي انطلقت بين روسيا والصين وإيران في بحر العرب من ميناء تشابهار في إيران، في وقت يشهد فيه العالم حرباً روسية غربية على الأراضي الأوكرانية.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن الصعود الصيني من غير المرجح أن يستمر على المدى البعيد في شكله السلمي، خاصة أن الصعود الخشن والانخراط العسكري ليس من قبيل الرفاهية بغرض الاستعراض، وإنما، كما تحاجج الواقعية الهجومية، هي مسألة بقاء ووجود.
الدبلوماسية الصينية.. نشاط لافت لنفوذ بكين
شهدت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة حضوراً مكثفاً للدبلوماسية الصينية، سواء عبر الزيارات المتبادلة أو الوساطة في الأزمات الإقليمية.
ففي مارس 2021، أجرى وزير الخارجية الصيني "وانغ يي"، زيارة موسعة شملت 6 دول من دول الشرق الأوسط، السعودية وتركيا وإيران والإمارات وعُمان والبحرين.
كما في أوائل يناير 2022، قام وزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين وإيران بزيارة إلى الصين في غضون أسبوع واحد لتعزيز علاقاتهم مع الصين.
في ديسمبر 2022، قام الرئيس الصيني بزيارة تاريخية للسعودية بعد 6 أشهر من زيارة مماثلة للرئيس الأمريكي، وشملت الزيارة قمة سعودية-صينية، وقمة صينية مع دول مجلس التعاون الخليجي.
في يناير 2023، أجرى وزير الخارجية الصيني، جولة إفريقية في مسعى لتعزيز علاقات بكين مع القارة السمراء ومنافسة النفوذ الأميركي، وشملت زيارة عدة دول، من بينها إثيوبيا ومقر الاتحاد الأفريقي والقاهرة ومقر جامعة الدول العربية. وفي فبراير 2023، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بزيارة رسمية إلى الصين خلال الفترة من 14 إلى 16 فبراير بدعوة من نظيره الصيني، شي جين بينغ.
وأخيراً، كانت الخطوة الأبرز في هذا السياق، في مارس 2023، الإعلان عن اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتي البلدين والممثليات، في مدة أقصاها شهران، وذلك بوساطة صينية.
قد أشرت الوساطة الصينية في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران لمرحلة جديدة تنخرط فيها الصين بـأدوار دبلوماسية وازنة في مناطق بعيدة عن عمقها الاستراتيجي، وفي ملف شديد الحساسية، بحيث لا تقتصر فقط في نفوذها وعلاقاتها في المنطقة على الجوانب الاقتصادية، وإنما الانخراط أيضاً في التفاعلات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما يعد نذير خطر للولايات المتحدة ودورها التاريخي المهيمن في الشرق الأوسط.
فهل تمثل كل هذه المتغيرات دلالات بارزة بالنسبة للنظام الدولي وبنيته؟
النظام الدولي.. واقعه ومستقبله
قبل الإجابة على السؤال الأخير يجب الإشارة إلى أن الصين تُعد المنافس الأقرب للولايات المتحدة، وليس روسيا، على قيادة النظام الدولي، وفي الدوائر الأمريكية الرسمية، تعد الصين المهدد الحقيقي لاستمرار بنية النظام الدولي الحالية أحادية القطبية ممثلة في الولايات المتحدة.
يمكن الإجابة على السؤال الأخير من خلال تناول الأركان الأربعة للنظام الدولي بشكل مختصر جداً: البنية، المؤسسات، الفاعلين، التفاعلات.
بالنسبة للبنية فهي تتشكل من خلال عاملين، القوة الذاتية الشاملة، التي يمتلكها كل فاعل، والتحالفات الإقليمية والدولية التي تنضم إليها هذه الفواعل.
بالنسبة للقوة الذاتية فإن الولايات المتحدة تتفوق على كل الدول الأخرى في قوتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والثقافية، وعلى الرغم من أن الصين تمثل منافساً قوياً لها على المستوى الاقتصادي مع تفوق نسبي أمريكي، وروسيا تمثل منافساً لها على المستوى العسكري مع تفوق أمريكي واضح، والاتحاد الأوروبي ينافسها في الأبعاد الثقافية والقوة الناعمة مع تفوق أمريكي بارز،
لذلك لا توجد دولة واحدة حالياً يمكن أن تنافس الولايات المتحدة بقوة على كل هذه المستويات مجتمعة، والتي تمثل عناصر القوة الشاملة للدول، والضرورية لكي تعد الدولة قطبا في النظام الدولي.
أما التحالفات، فالتفوق أيضاً طاغٍ للولايات المتحدة، فبينما الصين يتركز تحالفها الرسمي في منظمة شنغهاي، وهو اتحاد سياسي وأمني يضم الصين وروسيا والهند وباكستان وبعض دول آسيا الوسطى ومؤخراً إيران، وهو تحالف لا يرتقي لأن يكون تحالفاً استراتيجياً لحجم التباينات بين أعضائه.
لكن التحالفات الأمريكية راسخة وتنتشر حول العالم، وتشمل حتى المناطق القريبة من الصين في آسيا الباسيفيك، كالأوكوس، والذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وتحالف كواد ويضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، بالإضافة لتحالفها الاستراتيجي مع كوريا الجنوبية والفلبين.
أيضاً يشمل تحالفها الاستراتيجي مع دول الخليج العربي، وتحالفها المركزي مع الدول الأوروبية تحت مظلة حلف الناتو، وبالتالي يمكن القول إن بنية النظام الدولي ما زالت أحادية بقيادة الولايات المتحدة، وإن كان هناك تراجعاً نسبياً في مستوى التحكم والسيطرة الأمريكية.
أما المؤسسات، فإنها بشقيها القانوني والتنظيمي، والتي قام عليها النظام الدولي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية، ذات نشأة غربية أمريكية من حيث القيادة والمقر والفكر المؤسس لها "الليبرالية"، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي واتفاقية الجات وغيرها.
هذه المعطيات تمنح الولايات المتحدة قوة في مواجهة المنافسين الآخرين على قيادة النظام الدولي، ويعد الجانب المؤسساتي هو الجانب الأقل عرضة واحتمالية ضمن مكونات النظام الدولي لأي تغييرات جذرية من قبل خصوم الولايات المتحدة، سواء روسيا أو الصين، لأن هذه المؤسسات بشقيها القانوني والتنظيمي باتت قواعد راسخة يتفق عليها الدول المكونة للنظام الدولي لإدارة وتنظيم سلوكهم وتفاعلاتهم البينية.
في حين أن الفاعلين الأكثر عرضة ضمن مكونات النظام الدولي للتغير، إذ تحكم توجهاتهم مصالحهم القومية، وهي بطبيعة الحالة متبدلة وغير ثابتة، وبالنظر للـ193 دولة عضو في هذا النظام، فلا توجد دولة قادرة على حشد الدعم من هذه الدول كالولايات المتحدة، وإن تراجعت هذه القدرة نسبياً، ولكن تظل فارقة بمسافات كبيرة عن الصين وروسيا.
يمكن تلمس هذه القدرة في حشد الولايات المتحدة لدعم أغلبية الدول الأعضاء لقرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ صوتت 143 دولة عضواً في الأمم المتحدة لصالح القرار، من بينها 16 دولة من الشرق الأوسط، وصوتت دولة واحدة في المنطقة ضده، وامتنعت واحدة عن التصويت، ولم تصوت دولة أخرى.
أخيراً التفاعلات، والتي تبين حجم الفاعلية والتأثير، وهي نتاج للبنية وداعمة لها، فموقع الفاعلين في بنية النظام الدولي يحدد طبيعة وحجم انخراطهم في هذه التفاعلات، كما أن هذا الانخراط يسهم في المحصلة في ترسيخ موقع الفاعلين في بنية هذا النظام.
الصين في هذا الجانب دورها محدود بحكم التزامها بفكرة الصعود السلمي والتركيز على التعاون الاقتصادي، مع عدم الانخراط في الأزمات والصراعات المختلفة حول العالم، في حين أن الولايات المتحدة تجدها منخرطة في معظم مناطق الأزمات والتوتر حول العالم، بالأخص في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا-الباسيفيك، أكثر نقاط التوتر حول العالم.
وتُعد منطقة الباسيفيك عمقاً استراتيجياً للصين، بالأخص في البحر الصيني الجنوبي، والذي تنشط فيه الولايات المتحدة عبر دعم حلفائها، اليابان والفلبين وتايوان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
في ظل صعوبة تحقيق الهيمنة الكاملة على النظام الدولي كما يحاجج ميرشايمر، فإن على القوى الكبرى تحقيق الهيمنة الإقليمية في إقليمها الجغرافي الذي تنتمي إليه، ومن ثم تنطلق لتوسيع نفوذها في المناطق البعيدة، والدولة الوحيدة التي تطبق تلك النظرية هي الولايات المتحدة، في حين أن الأقاليم الجغرافية التي تنتمي إليها روسيا والصين تنازعهما الولايات المتحدة السيطرة عليها. وتظهر الفوارق الكبيرة في الفاعلية والتأثير بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى، في الحرب الروسية- الأوكرانية الأخيرة، فخلالها، أولاً ظهر حجم التأثير الأمريكي في دفع الدول الأوروبية نحو الانخراط العسكري في الحرب بدعم أوكرانيا، وانعكاسات ذلك إيجابياً على تماسك حلف الناتو، وثانياً مدى الضعف البنيوي الذي ينخر في جسد الدولة الروسية، حتى عسكرياً، وهو الجانب الذي تتفوق فيه عن باقي جوانب القوة، وثالثاً مدى تردد الصين وعدم قدرتها على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، إذ إنها برغم عدم التزامها بالعقوبات الغربية على روسيا، وهو متوقع، إلا أنها نأت بنفسها عن دعم روسيا عسكرياً في هذه الحرب. وبينما كان يتحدث البعض في بداية الحرب الروسية- الأوكرانية عن نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، فإن المعطيات السابقة والناتجة عن تطورات الحرب الأوكرانية دفعت البعض الآخر للحديث عن مزيد من السيطرة بل والهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.
أخيراً، ما زالت بنية النظام الدولي أحادية القطبية بقيادة أمريكية منفردة، وما زالت مكونات هذا النظام المختلفة تساهم في تعزيز القوة الأمريكية في مواجهة خصومها، وإن كانت الولايات المتحدة تشهد تراجعاً نسبياً على مستوى التأثير والفاعلية، ليس نتيجة خلل في بنية قوتها بقدر ما هو ناتج عن خيارات النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة.
إلا أنه تراجع الولايات المتحدة لا تكفي لإحداث تحول في بنية النظام الدولي للتعددية أو ثنائية قطبية أو حتى اللاقطبية، هو تراجع فقط في مستوى التحكم في النظام، فلم يعد هناك هيمنة أمريكية مطلقة على هذا النظام، كتلك التي شهدناها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
إنما هناك سيطرة وقيادة للنظام، والفرق كبير بين مفهومي الهيمنة والسيطرة هذا التراجع النسبي بالتأكيد أعطى للقوى الإقليمية كتركيا والسعودية هامش للحركة بما يخالف الرغبة الأمريكية في بعض الملفات، لكن هذا الهامش يظل له حدود محدوداً باستمرار قيادة الولايات المتحدة لهذا النظام.
لكن هذا التراجع النسبي أيضاً يمثل فرصة للقوى الدولية كالصين ورسيا لاستغلاله في تسريع عملية إعادة تشكيل النظام الدولي، وإن كانت الحرب الأوكرانية وتداعياتها قد تبطئان من هذه العملية، بل يمكن القول إنه من غير المرجح أن يُنشأ نظام دولي جديد على مستوى بنيته، على الأقل خلال العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.