الأجهزة الأمنية الفلسطينية.. هكذا أصبحت السلاح الأقوى في ملاحقة المقاومين

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/03 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/03 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش
الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، أرشيفية/ وفا

ذات يوم سأل ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الشهير الذي اغتيل في لندن عام 1987م، أحد أصدقائه قائلاً: "هل تعرف بيير صادق ، رسام الكاريكاتير  في صحيفة "العمل" الناطقة باسم حزب الكتائب، إنه فلسطيني، وقبل أن تجحظ عينا صديقه دهشة واستغراباً، تابع ناجي العلي كلامه: أجل.. أجل، بيير صادق شخصيـاً، المتخصص بشتم الفلسطينيين والتعريض بهم، فلسطيني لحمـاً ودمـاً وأسرة، وهو تحديداً من قرية البصة "قضاء عكا"، ثم ختم ناجي العلي مفاجأته متسائلاً: ما هو المدهش في الأمر؟ عندما يتخلى المرء عن كونه فلسطينيـاً فيجب أن نتوقع منه كل شيء!

نتذكر حديث الشهيد ناجي العلي في هذا الزمن الذي بلغ فساد الإدراك وغياب الحس السليم مداه في حركة "فــتــح"، وأصبحت المعايير مقلوبة ووسيلة من وسائل العجز والهزيمة.

نتذكر ناجي العلي في هذه الأيام حيث لم نعد نفهم الكثير مما يقرأ أو يسمع من تصريحات وبيانات ومواقف وممارسات تصدر من حركة "فـتـح" من قادة الأجهزة الأمنية في محاربة المقاومة والمجاهدين، ووقوفهم بشكل واضح بجانب العدو الصهيوني لإخماد ثورة شعبنا، سواء عبر تزويده بالمعلومات، أو الصمت على جرائمه، أو بملاحقة كوادر المقاومة واعتقالهم سياسياً.

جنود إسرائيليون (يمين) وضباط أمن فلسطينيون (يسار) يتحدثون خلال عملية مشتركة لإزالة قنابل في قرية قباطية شمال الضفة الغربية ، بالقرب من جنين/ 2010. AFP

تصاعد الاعتقال السياسي الذي تنفذه الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية ضد المعارضين، والأسرى المحررين من سجون العدو، والنشطاء وطلاب الجامعات على خلفية توجهاتهم السياسية، والذين يتعرضون لتعذيب شديد، كذلك استدعاء مخابرات السلطة لعائلات الشهداء للتحقيق معهم، واعتقال بعضهم، والاعتداء المشين والسافر من قِبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية على احتفالات استقبال الأسرى المحررين.

إنهم نفس "أشجار الغرقد" الذين توالدوا وتكاثروا في عهد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وتسابقوا في تشويه تاريخ ونضال وجهاد الشعب الفلسطيني، وإشاعة روح الانهزامية والاستسلام، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه.

فقد صدر أمس بيان من مجموعات الرد السريع "كتيبة طولكرم" موجّه للأجهزة الأمنية الفلسطينية تطالب فيه هذه الأجهزة بالتراجع والكفّ عن ملاحقة المقاومين، وأن رجال المقاومة  لا يريدون أن تلطخ أيديهم بدماء فلسطينية وهم يقاتلون المحتل.

جاء في البيان:

"إننا في مجموعات الرد السريع نوجه رسالتنا الأخيرة إليكم إخوتنا في الأجهزة الأمنية، إننا قد اشترينا الآخرة، واحتسبنا أنفسنا عند الله شهداء، ولا نريد أن تُلطخ أيادينا بدماءٍ فلسطينية، فأفيقوا من غفوتكم، لا نطالبكم بالجهاد، لا نطالبكم بتقديم المساعدات، لا نطالبكم بالحماية، فقد عزمنا أمرنا فلا تستعجلوا علينا، فوالله إنا نرى مقاعدنا بالجنة كما يرى الباصر نور الشمس، فدعونا نلاقي وجه خالقنا ونحن نقاتل المحتل، دعونا نواجه خالقنا ودمنا الطاهر ينزف على يد بني صهيون، دعونا نقابل الجبار ونحن على درب شهدائنا السابقين، كفوا عنا، هذه آخر رسالة نوجهها إليكم، كفوا عنا كفانا وكفاكم الله شرّ القتال، وكما قلنا لكم نكررها من جديد انتظروا علينا ودعوا أجسادنا تنزف على يد بني صهيون فلا تستعجلوا علينا، نحن لا نعلم من معنا ومن علينا سوى أننا مدركون بما نحمل وصايا الشهداء". 

يتساءل الشارع الفلسطيني بمرارة مصحوبة بغضب شديد: ما الأسباب التي تدفع بالفدائي السابق والذي حمل السلاح ليدافع عن أبناء شعبه وخاض عشرات المعارك طوال عشرات السنين ليتحول إلى جلاد؟! هل نحن في زمن الضحية الذي يدافع عن دم جلاده؟! وماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم كله وخسر شعبه؟!

إن أسوأ ما يمكن أن تفعله الضحية هو الاقتداء بسلوك جلادها، ومع ذلك فقد تمنينا أن تقتدي الضحية الفلسطينية بجلادها الإسرائيلي، وكيف استطاع هذا الجلاد أن يقيم دولته؟!

لقد اختلت البوصلة عند بعض قادة هذه الأجهزة، وكأن هناك إصراراً من بعضهم على التحول إلى "لحديين"، والدخول في مواجهة شاملة مع جماهير الشعب الفلسطيني إرضاءً للعدو الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، حيث واصلت أجهزة السلطة الأمنية إجراءاتها ضد المجتمع المدني الفلسطيني.

لقد كشفت ممارسات بعض قادة وأفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية المواهب الخيانية لهم، حيث تفوق هؤلاء في العمالة على "ابن العلقمي" الذي سلَّم بغداد للمغول، وصدق فيهم قول قائدهم الأمريكي الجنرال كيث دايتون الذي استدعاه محمود عباس لتدريب قوات الأمن الفلسطينية: "لقد استطعت أن أصنع من قادة وعناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية (الفلسطينيين الجدد)".

ظهر ذلك جليـاً من خلال ممارسات بعض قادة هذه الأجهزة تجاه أبناء شعبهم من إطلاق النار على طلاب الجامعات والمتظاهرين، وحملات الاعتقال للمجاهدين والمناضلين، وما صاحب هذه الحملات من إذلال ومهانة لقادة العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، ومطاردات لنشطاء وكوادر المقاومة، وما يتخللها من إطلاق الرصاص على المارة، واعتقال أقارب المطلوبين لهذه الأجهزة حتى يتم تسليم نفسه، وتسليم بعض خلايا المقاومة للعدو الإسرائيلي.

لقد كان هناك إصرار من بعض قادة الأجهزة الأمنية على اتباع خطوات الاحتلال، وأن تبقى زنازين المعتقلات والسجون التي كانت رمزاً للظلم والطغيان الإسرائيلي طوال فترة سنوات الاحتلال البغيضة، تبقى رمزاً جديداً لظلم الفلسطيني لأخيه الفلسطيني! 

كلمة أخيرة: الخيانة طبع في الإنسان فقط!

في مملكة الحيوانات توجد حروب ونزاعات، وتحدث معارك شرسة، مثلاً بين قطيع من الأسود وزمرة من الضباع، كما رأينا حروباً ضارية بين أرتال النمل الأحمر والنمل الأسود! تتحد الجواميس البرية السوداء وتقف صفاً واحداً للدفاع عن نفسها أمام هجوم للنمور المرقطة.. وهكذا.

لكنك يستحيل أن تجد أسداً قرر أن يصطف مع الضباع ويعاونهم على التهام بني جنسه، ومهما بحثت، لن تجد نملة حمراء قررت أن ترشد النمل الأسود إلى مخبأ النمل الأحمر، فهل يعقل أن تتخيل أن ترى جاموسة برية تبيع قرونها الحادة وتسلمها لمجموعة من النمور جاءت لتفترس عائلتها؟!

هل يمكن أن تسمع أن غزالاً أعلن أن التنسيق الأمني مع التماسيح مقدس ومصلحة وطنية؟! وأن  الغزلان احتفلت بهذا التنسيق، واعتبرته إنجازاً عظيماً؟! هل ستجد في المحيطات دولفيناً واحداً يطبّع مع أسماك القرش ويعانقها في منزله؟! أو عصفوراً يفتح سفارة في وكر الأفاعي ويعلنها عاصمة أبدية للثعابين؟! أو حماراً وحشياً يهدد أبناء عمومته من الحمير بالقتل والسجن إذا اشتكوا من الظلم الواقع عليهم؟!

الخيانة هي طبع يتصف به الإنسان فقط، والعمالة والوقوف مع قاتل بني جلدتك ضد أبناء قومك، وعلى حساب دماء شعبك هي سفالة لا يتقنها إلا الجنس البشري وحده دون باقي المخلوقات!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل أبو هاشم
كاتب وصحفي فلسطيني
كاتب وصحفي فلسطيني
تحميل المزيد