قال تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية، الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن أزمة المياه في لبنان تزيد من تفشي مرض الكوليرا بعد انتشار مكثف شهدته سوريا المجاورة، مشيراً إلى أن شح المياه دفع الناس للجوء إلى أنهار ملوثة.
وبات نهر الليطاني، الذي يشق طريقه عبر وداي البقاع، في السنوات الأخيرة، مكباً لمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية والأسمدة الكيماوية، وتنبعث منه رائحة كريهة تغلف المزارع القريبة ومخيمات اللاجئين المنتشرة على ضفافه.
غياب أنظمة المياه
يشار إلى أن بعض المناطق في لبنان منفصلة تماماً عن أنظمة المياه، مثل مخيمات اللاجئين، بعد أكثر من عقد على نقص الاستثمار في البنية التحتية.
يقول المزارع السوري فراس عبود، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعيش في أحد المخيمات غير الرسمية بالقرب من مدينة زحلة: "الليطاني أسوأ من الصرف الصحي. حتى ألد أعدائي لن أحب له أن يغتسل فيه".
لكن أنظمة المياه الهشة في لبنان تدفع بعض الناس لاستخدام مياه النهر لأغراض منزلية وري المحاصيل. كما أن غياب المياه النظيفة بأسعار معقولة بات أحد العوامل وراء التفشي الأخير لمرض الكوليرا، الذي يعد الأول منذ القضاء على المرض في لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعلامة على آثار الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة في البلاد.
لبنان يواجه الكوليرا
تعود جذور تفشي الكوليرا في لبنان إلى وضع مماثل في جارتها سوريا، حيث أدى بناء السدود في تركيا إلى تفاقم أزمة المياه الحادة بالفعل، بحسب الصحيفة. وقد ساعدت الحدود المليئة بالثغرات بين الدولتين المتجاورتين على انتشار المرض.
ومنذ ظهور الحالات الأولى في لبنان في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصل عدد الحالات الآن إلى 4700 حالة، 45% منهم أطفال دون سن 15 عاماً، و20 حالة وفاة، وفقاً لوزارة الصحة في البلاد.
والكوليرا مرض إسهال ينتقل عن طريق تناول طعام أو مياه ملوثة أو ملامسة شخص مريض. وقد يؤدي إلى الوفاة في حال التأخر في علاجه.
وقد تحرك لبنان بسرعة لتأمين إمدادات لقاحات الفم عن طريق منظمة الصحة العالمية، لكنها تعاني نقصاً عالمياً بسبب العدد القياسي من حالات التفشي هذا العام الناجم عن الحروب والفقر وتغير المناخ.
أزمات زادت من تفشي الكوليرا
في السياق، قال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض: "منظومة الصرف الصحي تساعد على انتشار الكوليرا والأمراض الأخرى التي تنقلها المياه"، مضيفاً: "يراودنا شعور بالقلق من أن نشهد مزيداً من تفشي المرض في المستقبل".
وأزمة لبنان جلبت معها مجموعة جديدة من المشكلات؛ إذ انهار نظام لبنان المالي عام 2019، ما أضر بشدة بالرعاية الصحية، وأدى إلى انهيار خطير في قطاع الكهرباء. بينما قال خبير البيئة اللبناني نديم فرج الله: "الكهرباء حيوية للحفاظ على تدفق مياه نظيفة وآمنة. ومن دون كهرباء لا يمكن الحصول على المياه".
وأدى ارتفاع تكاليف واردات الوقود إلى انهيار قدرة الحكومة تقريباً على توفير الطاقة العادية أو الوقود المدعوم للمولدات لتشغيل محطات ضخ المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي في البلاد.
الوضع يتفاقم
تقول إيتي هيغينز، نائبة ممثل لبنان في اليونيسف، إن محطات معالجة مياه الصرف الصحي الـ31 في لبنان لا تعمل بكفاءة. وكذلك معظم محطات ضخ المياه في البلاد البالغ عددها 1000 محطة. وفي غياب الكهرباء، تجف الصنابير على مستوى البلاد، وتُصرف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الأنهار والمياه الجوفية، ما يزيد من تلوثها.
من جانب آخر، لا تخضع تجارة المياه الخاصة المزدهرة للتنظيم الجيد أيضاً. إذ قال موظف في شركة مياه خاصة تقدم خدماتها للمباني الفاخرة في بيروت لصحيفة "فايننشال تايمز" إن مياه الشركة لا تنجح في اجتياز الاختبارات المعملية، التي تعثر على ملوثات غير آمنة.
وبالعودة إلى مخيمات اللاجئين في زحلة، يتخلص السكان من الكثير من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في نهر الليطاني، وكذلك تفعل البلدات المجاورة. وتُروى بعض المحاصيل بهذه المياه الملوثة أيضاً، التي تخترق التربة الجيرية بالمنطقة لتصل إلى سطح المياه الجوفية.
ويقول الخبراء إنه في غياب حلول تشرف عليها الحكومة، فلبنان يتجه نحو كارثة. فيما قالت هيغينز إن الوضع يتفاقم، وإن وكالات الإغاثة لا يمكنها تحمل سد الثغرات المالية إلى الأبد. مضيفة: "سنعرف خلال الأشهر القليلة المقبلة إن كنا سنتمكن من احتواء الكوليرا أم أنها ستتحول إلى وباء".