كشف فصل محذوف من كتاب للضابط والجاسوس البريطاني توماس إدوارد لورنس، المعروف بـ"لورنس العرب"، أنه كان يشعر بـ"خجل دائم ومرير" لخيانة الشرق الأوسط في أعقاب الثورة العربية التي صار بطلاً بريطانياً قومياً فيها، حسبما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وأوضحت الصحيفة أن قرار لورنس حذف الفصل من كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" (The Seven Pillars of Wisdom)، جاء بعد أن أقنعه صديقه الكاتب المسرحي جورج برنارد شو بذلك، ولم يُطبع هذا الفصل في أي نسخة لاحقة.
غير أن نسخة نادرة للغاية من المخطوطة الأولية للكتاب- تتضمن الفصل المحذوف- عُرضت للبيع لأول مرة في الأسواق مقابل 65 ألف جنيه إسترليني (حوالي 75.488 دولاراً).
رواية لورنس للثورة العربية
كان لورنس، الذي يُشتهر بتصوير شخصيته في فيلم لورنس العرب عن طريق الممثل البريطاني بيتر أوتول في عام 1962، باحثاً متخرجاً من جامعة أكسفورد وجاسوساً بريطانياً ساعد العرب على التخلص من الحكم العثماني في الثورة العربية، في أوج الحرب العالمية الأولى. وقد صار بطلاً قومياً بريطانياً بسبب أفعاله.
نُشرت رواية لورنس للثورة العربية في كتابه أعمدة الحكمة السبعة في عام 1926، غير أنه نشر في عام 1924 "نشرة تمهيدية" لكتابه تتألف من 100 نسخة فقط وتحتوي على الفصول الافتتاحية بالكتاب، ووزعها على المستثمرين المحتملين فيما يشبه مشروعاً لجمع التمويلات.
تجدر الإشارة إلى أن لورنس، الذي توفي عام 1935، ذكر في هذه النسخة أن هدفه في الشرق الأوسط كان دائماً "مساعدة العرب لتأسيس سيادتهم الذاتية".
وكتب أن الثورة العربية كانت "حرباً عربية شنها العرب وقادها العرب من أجل هدف عربي في الجزيرة العربية"، وقال إنه اعتقد أنه كان يساعدهم في تأسيس "أمة جديدة" و"استعادة نفوذ مفقود"، وبناء "قصر أحلامهم المُلهم لأفكارهم القومية".
كذلك أشار إلى شعوره ببعض الرضا عندما بدأت الأمور تسوء أمام القوى الغربية التي مارست نفوذها في المنطقة في أعقاب الصراع. وكتب حول ذلك: "عندما انتصرنا، اتُّهمت بأن حقول النفط في بلاد الرافدين صارت مشكوكاً فيها، وأن السياسة الاستعمارية الفرنسية هُدمت في المشرق. أخشى أنني كنت آمل ذلك".
صديق أم خائن؟
تشير السيرة الذاتية التي كتبها سكوت أندرسون في عام 2014، لورنس في الجزيرة العربية ( Lawrence in Arabia)، إلى الانقسام حول صورة لورنس؛ لأن البعض كان يراه صديقاً وحليفاً للعرب وأنه تعرض للخيانة من البريطانيين مثل العرب تماماً، بينما يرى آخرون أنه ضالع كلياً في نوايا البريطانيين الرامية إلى بسط حكمهم في الشرق الأوسط، وأنه خائن بالمثل للقضية العربية.
يقول غلين ميتشل، الاختصاصي الكبير في معرض بيتر هارينغتون للكتب النادرة الذي حصل على هذه النسخة النادرة من الكتاب ويعرضه للبيع، إن الفصل الأول المحذوف من كتاب أعمدة الحكمة السبعة يشير إلى الرؤية الثانية.
أضاف ميتشل: "هذا الفصل الأول المقطوع كان يُفترض أن يفتتح كتاب أعمدة الحكمة السبعة. إنه بيان صريح بأن نية لورنس، ورؤيته، إذا جاز القول، هي أن الثورة العربية كانت حرباً خاضهاً العرب من أجل العرب واستقلال العرب، في نهاية المطاف، من الحكم العثماني وتركيا والقوى العظمى. اعتقد جورج برنارد شو أنه لا يجب عليه بدء كتابه بمثل هذا التصريح، وأنه ربما كان صريحاً للغاية".
يُذكر أن لورنس أسس شركة نشر خاصة به لإصدار نسخة اشتراك للحصول على كتاب أعمدة الحكمة السبعة، ووُزعت 100 نسخة لجمع الدعم المالي. وحصل شو على نسخة لإبداء الرأي الأدبي في كتابة لورنس، بجانب نصحه بحذف الفصل الأول، وقد حذف كذلك العديد من التعليقات التي يحتمل أن تكون تشهيرية.
"أشعر بالخجل"
كان لورنس كتب في الفصل المحذوف: "بالنسبة لعملي على الجبهة العربية، لقد عزمت على قبول أي شيء. استنهضت الحكومة العرب للقتال من أجلنا بوعود قاطعة بالحكم الذاتي بعد ذلك".
يستدرك قائلاً: "يؤمن العرب بالأشخاص لا بالمؤسسات. وقد رأوا فيّ وكيلاً حراً للحكومة البريطانية، وطلبوا مني إقراراً بهذه الوعود المكتوبة. ولذلك كان علي أن أنضم إلى المؤامرة، وأن أطمئن الرجال بأنهم سيحصلون على مكافأتهم، لما في كلماتي من قيمة".
وتابع: "في شراكتنا التي استمرت لعامين تحت النار، صاروا معتادين على تصديقي والاعتقاد بأن الحكومة صادقة، مثلي. وأملاً في هذا، اضطلعوا بأمور جيدة، ولكن بالطبع بدلاً من أن أفخر بما فعلناه معاً، كنت أشعر بالخجل بصورة دائمة ومريرة".
غموض لورنس
تعليقاً على ذلك، يقول ميتشل، الاختصاصي الكبير في معرض بيتر هارينغتون للكتب النادرة: "تعقد هذا كله بسبب طبيعة شخصية لورنس. إن عنوان واحدة من سيره الذاتية المتعددة هو "العودة إلى الأضواء" (Backing into the Limelight)".
أضاف: "تجنب الشهرة لكنه أيضاً كان يتوق إلى الاهتمام. لن يقول صراحة: "لقد خنت العرب"، لكنه (اعتراف) ضمني هنا. في استهلال النسخة التجارية من أعمدة الحكمة السبعة، قدم أسبابه وراء حذفه قائلاً: "أفضل نقادي [شو] أبلغني أنه أقل من البقية"".
كما لفت إلى أن "الفصل الأول المحذوف يلخص غموض لورنس فيما يتعلق بمشروع سرد قصة الثورة العربية بأكمله. اعتقد أنها قصة يجب سردها، لكنه لا يستطيع سردها، برغم مشاركته الوثيقة".