شغف سكان الخليج يهدد حيوانات بالانقراض.. كيف أصبحت القطط الكبيرة حيوانات أليفة بالسعودية والإمارات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/12 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/12 الساعة 13:53 بتوقيت غرينتش
كيف أصبحت "القطط الكبيرة" حيوانات أليفة في السعودية والإمارات؟ - iStock

"بعض سكان الخليج الأثرياء يستطيعون امتلاك السيارة والقارب بسهولة، ولكن لا شيء يفوق امتلاك حيوان أليف غريب، وإذا كان بإمكانه شراؤه سيفعل، ولن يهتم بشأن وجود اتفاقيات دولية تمنع الاتجار بالحيوانات"-  جيل مولين، طبيبة بيطرية بريطانية عملت لفترة في الكويت لـBBC.

تعتبر تجارة الحيوانات المفترسة والغريبة صناعة بملايين الدولارات، فيما تعتبر "القطط الكبيرة" من أبرز الحيوانات التي تلقى رواجاً بين مُحبي اقتناء الحيوانات من السكان الأثرياء في دول الخليج ككل، حسب تقارير صحف أجنبية، في وقتٍ تواجه فيه بعض أنواع القطط الكبيرة خطراً حقيقياً بالانقراض.

ولمن يتذكر مشهد تجول المغني والممثل المصري محمد رمضان في شوارع دبي بينما يمسك نمراً أبيض، ومرة أخرى بصحبة فهد، مستعرضاً الإمساك بالحيوانات المفترسة مربوطة بالجنازير الحديدية على موسيقى أغنيته Number One، فهو مشهد متكرر في حياة بعض المشاهير والأثرياء في عدد من دول الخليج، حيث يقتني بعض سكانها الأثرياء حيوانات مفترسة، وأحياناً حيوانات مهددة بالانقراض  في منازلهم.

ورغم أن القوانين الدولية وقوانين دول الخليج تمنع حيازة وتجارة الحيوانات الخطرة داخل أراضيها، فإنها تجارة تلقى رواجاً، وتم رصد حالات دعاية لهذه التجارة غير الشرعية عبر حسابات بعض مشاهير الشبكات الاجتماعية، وعبر حسابات معروفة وفعالة على تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة.

حيوانات مهددة بالانقراض، وأحد الأسباب: "شغف سكان الخليج باقتنائها"

نشرت مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences العلمية الأمريكية دراسة في نهاية عام 2016، عن اتجاه الفهد الأملس السريع (Speedy Cheetah) نحو الانقراض، إذ لم يتبقَّ من أسرع الثدييات على الإطلاق سوى 7100 فهد في العالم، بعد أن كانت أعداد الفهود البرية تصل لحوالي 100 ألف في مطلع القرن العشرين.

يعود السبب الرئيسي إلى قلة أعدادها بهذا الشكل الخطير إلى وجود الفهد -وهو أحد أكبر الحيوانات آكلة اللحوم- خارج المحميات الطبيعية، ما يعرضه للصيد الجائر، فضلاً عن تغير جغرافيا المناطق البرية التي يعيش فيها.

لكن شبكة BBC البريطانية سلطت الضوء على سببٍ آخر وراء اتجاهه للانقراض، وهو الاتجار غير المشروع في الأشبال، التي يزداد الطلب عليها في دول الخليج بشكلٍ يهدد بقاءها في الطبيعة، وذلك بالتزامن مع توجيه دعوات للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) إلى تغيير تصنيف الفهد في قائمته الحمراء من "ضعيف" إلى "مهدد بالانقراض"، كما حُظرت التجارة الدولية في الفهود عام 1975.

وقد ذكر تقرير آخر لشبكة BBC، أن شبل القطط الكبيرة (الأسود، والنمور، والفهود) يمكن أن يصل سعره لـ10 آلاف دولار، لكنَّ المشكلة أن معظم محاولات تهريب أشبال القطط الكبيرة من البرية تنتهي بوفاتها.

ذكر صندوق حفظ الفهود (Cheetah Conservation Fund وهو مؤسسة بحثية في ناميبيا بجنوب غربي إفريقيا تهتم بدراسة حياة الفهود)، أنه في السنوات العشر بين 2006-2016، تم تهريب نحو 1200 شبل فهد من إفريقيا، لكن 85% منها ماتت في أثناء رحلة التهريب.

إذ تبدأ رحلة الفهد الصغير مثلاً من شمال كينيا أو من الصومال أو إثيوبيا؛ حيث يخوض الحيوان في أسابيعه الأولى رحلة شحن براً أو بحراً إلى دول الخليج، يُوضع خلالها في قفص ويعيش محبوساً مع فضلاته لأيام، وأحياناً لا يتوافر له طعام مناسب.

وإذا نجا في النهاية حيوان واحد فقط من كل 6 يتم تهريبها، فإنه يصل إلى مُلاكه الجدد ويخوض رحلة شاقة أخرى، حسب تصريحات مدير صندوق حماية الفهود، لوري ماركر، لـBBC في عام 2016.

بالنسبة لحيوانٍ تبلغ سرعته بين 80 و130 كيلومتراً في الساعة، فإن حبسه بمنزل -حتى لو كانت مساحته ضخمة- لن يكون مثل حياته في البرية، لكن أيضاً بعض الحيوانات تكون أسوأ حظاً من أخرى فقد تُحبس في حظائر "مناسبة لمجموعة من الدجاج"، لذلك فإن معظم تلك الفهود لا تعيش في الأسر لمدة عامين، كما يمكن أن تعاني من سوء التغذية أو الجفاف أو من فيروسات لا تتمتع الأشبال بمناعة ضدها.

تهريب الفهود لأفراد العائلة المالكة في السعودية!

مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال تحقيق نشرته صحيفة The Times البريطانية، إن أفراداً من العائلة الملكية السعودية وفاحشي الثراء بالمملكة يقفون وراء الزيادة الكبيرة في تهريب الفهود من إفريقيا، الذي بات يعتبر رمزاً للمكانة الاجتماعية المرموقة.

"أتلقى تقارير كل أسبوع تقريباً عن تهريب الفهود إلى السعودية؛ إذ يميل أفراد العائلة المالكة إلى امتلاك مجموعات من الحيوانات الغريبة، ويميل الأشخاص العاديون إلى تقليدهم؛ لأنها رمز للمكانة المهمة"- باتريشيا تريكوراتش، خبيرة الحياة البرية المستقلة التي تعمل في حماية الفهود منذ عقدين في تقرير نشر في مجلة Science Direct العلمية

إذ كان حوالي 60% من الفهود الـ3600 التي هُرِّبت بشكل غير قانوني من إفريقيا بين عامي 2010 و2019 كانت متجهة إلى السعودية، وعادة ما تكلف الفهود ما يزيد على 6700 دولار، وأسعار الأشبال والإناث هي الأعلى.

أشارت خبيرة الحياة البرية لمجلة Science Direct إلى أن العديد من "الفهود تُزال أسنانها ومخالبها بطريقة بربرية حتى لا تؤذي مربيها، ويموت الكثير منها قبل أن تبلغ سن عام"، مضيفةً أنها "تموت صغيرة، وهذا على الأرجح سبب استمرارهم في شراء المزيد منها". 

ورغم ذلك تُشير الصحيفة البريطانية إلى أنه، في أبريل/نيسان 2021، نزف شاب سعودي يبلغ من العمر 22 عاماً حتى الموت بعد أن هاجمه الأسد الذي يربيه، وأظهر مقطع فيديو حديث على تويتر فتاة تبلغ من العمر 10 أعوام تحاول جاهدة كبح جماحَ فهدٍ أليف.

ما دفع ذلك البعض للمطالبة بتشديد قوانين المملكة التي تفرض أساساً غرامات تصل إلى 30 مليون ريال (حوالي 8 ملايين دولار) والسجن عشر سنوات عقاباً على تربية "حيوانات غريبة".

في الإمارات: المواطنون يتجوَّلون بحيواناتهم المفترسة!

الإمارات أيضاً تشهد إقبالاً مماثلاً منذ سنوات، إذ لا يزال بعض سكان دبي يتباهون بالخروج بـ"قططهم الكبيرة" وحيواناتهم البرية إلى الشوارع، ويحدث أن تقع بعض الحوادث بهروب أحد الحيوانات رغم حظر إخراج أي نوع من الحيوانات البرية إلى بيئة عامة، رغم أن القانون الاتحادي (رقم 22 لعام 2016) بشأن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة يتضمن عقوبات رادعة لكل من حاز، أو باع، أو عرض أي حيوانات مفترسة، ويحصر هذه المساحة فقط على الجهات الرسمية.

بالمناسبة؛ فإن النمور والفهود التي يكثر الاستعراض بها تتصدر قائمة الحيوانات المفترسة، وفق موقع مجلة العلوم والطبيعة الأمريكية National Geographic

أحدث حوادث هروب الحيوانات المفترسة وقعت في إمارة دبي قبل أشهر، وبالتحديد في مايو/أيار 2021، وبينما كانت الشرطة تبحث عن حيوان بري هارب من صاحبه، كانت التشديدات والتحذيرات لمالكي الحيوانات من مخالفة القانون، الذي يقضي بالسجن مدة تصل إلى ستة أشهر، إضافة إلى عقوبات مالية شديدة، وفق موقع Arab News السعودي الناطق بالإنجليزية.

وعلى مدار سنوات، أُبلِغَ مراراً عن اصطحاب حيوانات مفترسة مع أصحابها في سيارتهم الفارهة. فوفق تقرير يعود لعام 2012 نشره موقع برنامج Emirates 24/7، فإن مشهد "فهود تتشمس في الفناء الخلفي لمنزل، أو الشمبانزي التي تمرح على الشاطئ، أو الأسود والنمور التي تظهر من نوافذ السيارات"، كلها مشاهد متكررة في شوارع الإمارات، وعادةً ما يقف الحشود لالتقاط الصور لهذا المشهد غير المتكرر في دولٍ أخرى، لكن لأن الحيوانات خارج بيئتها البرية يحدث أن تهرب من مالكيها الجدد مثيرةً فزع السكان.

وضرب التقرير مثالاً بفهدٍ عمره 5 أشهر شوهد وهو يتجول في منزل بواحة مدينة العين (إمارة أبوظبي) بعد هربه من صاحبه. وشهد العام نفسه الإبلاغ عن أسد ونمر يخرجان من نوافذ سيارات في مناسبتين مختلفتين بمنطقة "جميرا بيتش ريزيدنس" في دبي. وهذه المنطقة تحديداً ظلت مقر سكن أحد تجار الحيوانات المفترسة حتى 2021، كما ذكر التقرير لاحقاً.

هل يروّج مشاهير إنستغرام لتجارة غير مقننة؟

أشار التحقيق المنشور في مجلة The Times إلى أن بيع الفهود في السعودية راج مؤخراً عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وتيك توك، ويوتيوب، وهو ما زاد من فكرة رواج اقتناء الحيوانات المفترسة لدى المزيد من أثرياء المملكة.

وعلى الشاكلة نفسها، خلص تحقيق استقصائي مطول نشره موقع Bellingcat الذي يقع مقره بهولندا في مطلع عام 2021، إلى ازدهار تجارة الحيوانات على حسابات مشاهير إنستغرام في دبي رغم حظر القوانين لهذه التجارة، وفي خضم قيامهم بالتباهي بنمورهم وفهودهم وقرودهم، يقومون بتوفير فرصة لإعلانات مجانية للتجار غير الشرعيين، وقد تتبَّع التحقيق بعض الحسابات التي تبيع الحيوانات من القردة والبوم والطيور إلى النمور والأسود والفهود.

ومن الأمثلة التي ذكرها التحقيق الاستقصائي المعتمد على البحث مفتوح المصدر عبر الإنترنت، نموذج لنمرٍ أبيض (نمر بنغالي)، وهو أحد أكثر الحيوانات شعبية في سوق تجارة الحيوانات بدبي. مر هذا النمر برحلة ترويج طويلة عبر حسابات مشاهير إنستغرام.

فحسب موقع Bellingcat، كانت البداية في أغسطس/آب 2019، عندما نشرت إيشا جوبتا، وهي ممثلة وعارضة أفلام هندية ولديها خمسة ملايين متابع على إنستغرام، صورة لها وهي تحمل شبل نمر أبيض.  

في الشهر نفسه، نشر MoeMoneyOfficial، وهو مدير لوسائل التواصل الاجتماعي يساعد العديد من المشاهير، ولديه أكثر من 400 ألف متابع على إنستغرام، عدة قصص يظهر فيها شبل النمر.

ثم في 1 سبتمبر/أيلول 2019، قام MoVlogs، وهو مدوِّن فيديو يضم حسابه أكثر من 10 ملايين مشترك على يوتيوب، بتحميل مقطع فيديو بعنوان "السباحة مع صغار النمور"، ويظهر النمر الأبيض وشبل الأسد الأبيض في منزله.

تتبَّع التحقيق خطوط النمر في الصور الثلاث واتضح أنها للشبل نفسه، من اليسار إلى اليمين: الشبل الذي يحمله MoVlogs وEsha Gupta وMoeMoney.

وهذه الصورة من Bellingcat تُظهر العلامات والخطوط في رأس النمر بالصور الثلاث.

كان هناك شيء آخر مشترك، وهو وضع الجميع علامة "MBE.777" في منشوراتهم أو قصتهم أو وصفهم. MBE.777 اتضح أنه حساب على إنستغرام تم وضع إشارة إليه في العديد من منشورات وقصص المشاهير الأخرى التي تتضمن النمور والأسود والفهود.

مثل مغني الراب البريطاني فريدو (1.1 مليون متابع)، والسعودي ديلر (2.7 مليون متابع)، ومقدمة البرامج التلفزيونية المصرية سارة خليفة (738 ألف متابع)، الذين التقطوا جميعاً صوراً مع شبل نمر أبيض آخر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأشاروا إلى الحساب الذي اتضح أنه حساب لتاجر حيوانات غير شرعي.

مغني الراب البريطاني فريدو، والسعودي ديلر، ومقدمة البرامج التلفزيونية المصرية سارة خليفة مع النمر نفسه – Bellingcat

في الشهر نفسه، ذكرت صحيفة Birmingham Mail البريطانية أن الهارب البريطاني زاهد خان التقط صوراً مع شبل النمر في أثناء اختبائه بدبي، إذ كان قد حُكم عليه بالسجن في المملكة المتحدة بتهمة الاحتيال، لكنه هرب من الحكم إلى الإمارات، التي تلقت اتصالات بشأن تسليمه من سفارة المملكة المتحدة. 

ورغم أن خان لم يضع علامة على MBE.777 في منشوره، فإن ملامح الشبل تشير بوضوح إلى أنه كان الحيوان نفسه الذي ظهر في منشورات المشاهير الثلاثة الموضحة سابقاً، وفقاً للتحقيق.

توصل التحقيق إلى فرضية أن حساب MBE.777 وهو حساب مغلق لكن يتابعه 15 ألفاً، أنشئ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، ويعرض صوراً للعديد من الحيوانات، ويظهر عدد منها في غرف متشابهة الأثاث.

بتتبع خلفيات الصور وبعض الأشخاص التي يتابعها الحساب والأماكن التي يترددون عليها، وتتبع إعلانات إيجار وبيع الشقق، تبيَّن أن الشقة التي ينشر منها حساب MBE.777 تقع في منطقة "جميرا بيتش ريزيدنس" في دبي. وهذا الحساب روج له كثير من مشاهير إنستغرام الذين يعيشون أو يترددون بكثرة على دبي كما سلف الذكر.

 ما يعني أنه رغم القوانين الدولية والمحلية التي تضيق على الاتجار بالحيوانات الخطرة والمفترسة، فإنها لا تزال تلقى رواجاً، خصوصاً أنها تعتبر وسيلة للتباهي لأبناء الطبقة الثرية أو مشاهير الشبكات الاجتماعية، في وقتٍ تحذر فيه منظمات حماية الحيوان من اتجاهها نحو الانقراض بسبب الاتجار بها في رحلات تنتهي بموتهم أسرع بسنوات من أقرانهم في البرية.

تحميل المزيد