على هامش تشكيل الحكومة المغربية الجديدة تجدد الصراع بين حزبي "التجمع الوطني للأحرار"، و"الأصالة والمعاصرة" حول من له الأحقية برئاسة وتسيير الأغلبية الحكومية المتكونة من ثلاثة أحزاب، بإضافة إلى حزب الاستقلال.
ورغم محاولات الحزبين إخفاء هذا الصراع، والظهور لدى الرأي العام بمظهر الحزبين الشريكين والمتحالفين، فإن "حق" كل من رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش بقيادة الأغلبية، يصطدم بطموح عبد اللطيف وهبي، أمين عام الأصالة والمعاصرة لعب هذا الدور.
ضغط رئيس الحكومة
كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن رئيس الحكومة المعين والمكلف بتشكيل الحكومة عزيز أخنوش مارس ضغوطاً كبيرة على حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة من أجل حسم مسألة قيادة الأغلبية الحكومية.
وقالت إن أخنوش أكد لقيادة حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال أن الأغلبية الحالية تحتاج انسجاماً كبيراً، كما أن الحكومة مطوقة بواجب التضامن الحكومي، وهو ما يقتضي وجود قادة الحزبين الآخرين في الحكومة من أجل تفادي المشاكل مستقبلاً.
وتابعت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن أخنوش لم يجد أي اعتراض من حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، الذين أكدا لرئيس الحكومة أنه بالقانون والأعراف والاتفاق فإنه هو الرئيس الوحيد للأغلبية الحكومية.
وأوضحت أن هذه التطمينات لم تفلح في إقناع عزيز أخنوش، الذي طلب ضمانات أكثر من حزب الأصالة والمعاصرة، ومن أمينه العام عبد اللطيف وهبي.
وسجلت المصادر أن أبرز هذه الضمانات التي يريدها عزيز أخنوش هي دخول أمين عام الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي إلى الحكومة، رفقة رئيسة المجلس الوطني للحزب فاطمة الزهراء المنصوري.
ولم تتوقف محاولات أخنوش لإقناع وهبي والمنصوري بالعضوية في الحكومة، بل لجأ كحلّ أوّلي إلى قيادات سابقة في الأصالة والمعاصرة، ثم في مرحلة ثانية، طلب وساطة حزب الاستقلال لتحقيق هذا الهدف.
وتابعت أن أخنوش يشدد في تواصله مع الجهات المكلفة بتشكيل الحكومة في الديوان الملكي على ضرورة الضغط على قيادة الأصالة والمعاصرة، من أجل قبول عرضه فهو يريد فاطمة الزهراء المنصوري في حكومته، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، لكنها رفضت لحد الآن عروض رئيس الحكومة المكلف.
ضمانة أخرى يريدها الرئيس، تضيف المصادر، تتمثل في عدم وجود معارضة من داخل الحكومة، أو من داخل أحزاب الأغلبية الحكومية.
مخاوف أخنوش
هذه الرواية تفندها قيادات حزب التجمع الوطني للأحرار، التي أكدت أن الرئيس المكلف عزيز أخنوش، هو من يضع شروطاً ضد دخول قادة الأصالة والمعاصرة لدخول الحكومة.
وتابعت مصادر "عربي بوست" أن أول شروط رئيس الحكومة المكلف كان "فيتو" ضد تولِّي عبد اللطيف وهبي أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة أي منصب حكومي.
وأوضحت رغبة الرئيس في تفادي مشاكل من داخل الحكومة هي التي تحكمت في هذا الموقف، إضافة إلى أن وهبي دائم التصريح بأنه لا يريد دخول الحكومة، وبالتالي التقت الإرادتان على تحقيق هذا الهدف.
هذا ويصرح عبد اللطيف وهبي، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، في كل خرجاته الإعلامية قبل الانتخابات وبعدها، بأنه غير معنيّ بدخول الحكومة أو الحصول على حقيبة وزارية.
أما الشرط الثاني، بحسب قيادات "التجمع"، فكان توزيع الوزراء التكنوقراط بالتساوي على الأحزاب الثلاثة، ورفضه "صباغتهم" بألوان حزب التجمع الوطني للأحرار فقط.
وسجلت أن أخنوش متخوف من تحمّل حزبه وحده كلفة الوزراء التكنوقراط في الحكومة المقبلة، وقيام الديوان الملكي باختيار وزراء غير حزبيين، وإجبار حزب رئيس الحكومة على منحهم ألوانه، لذلك دعا حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة لاقتسام لائحة الوزراء غير المنتمين المقبلين في الحكومة.
يُذكر أن عزيز أخنوش وعدداً من وجميع وزراء التجمع الوطني للأحرار في آخر حكومة مغربية كانوا تكنوقراط، وبدون انتماء حزبي، قبل أن يدخلوا الحكومة بلون التجمع.
أما الشرط الثالث، فتقول المصادر، إنه التضامن الحقيقي بين الأحزاب الثلاثة، وتعهد من حزب الأصالة والمعاصرة بعدم ممارسة المعارضة من داخل الحكومة، وعرقلة عمل وزرائها.
هذا الشرط، بحسب مصادر "عربي بوست"، يربط بين روايتي "التجمع" و"الأصالة"، لأن عزيز أخنوش لا يريد معارضة من داخل الحكومة، كما لا يريدها من داخل الأغلبية الحكومية، وبالتالي، الحل الوحيد الذي يملكه هو إدخال وهبي والمنصوري إلى الحكومة.
رئيس الحكومة المعين، رغم كل هذه السنوات في السياسة، فإنه لا يمتلك الدهاء والجرأة والتاريخ السياسي الطويل الذي يمتلكه عبد اللطيف وهبي، وقدراته وعلاقاته، لذلك هو خائف منه، وفقاً للمصادر.
أخنوش يريد وهبي والمنصوري في الحكومة حتى يكونا أمام عينيه، وتحت إمرته، حتى يضمن سيراً عادياً وسليماً للحكومة، بعيداً عن الإعطاب من الداخل.
وبالنظر إلى تاريخ الرجلين فوهبي كان مناضلاً يسارياً أيام الجامعة، ومسؤولاً في حزب يساري لأكثر من 20 سنة، وهي خبرات لا يملكها أخنوش الذي دخل السياسة وزيراً للفلاحة في حكومة 2007.
إشارة "القصر"
رغبة أخنوش تصطدم بعناد وهبي، الذي يرى نفسه أكبر من أن يعمل تحت رئيس الحكومة المعين والمكلف، بهذه العبارات علق قيادي كبير في الأصالة والمعاصرة.
وأضاف في تصريح من مصدر لـ"عربي بوست" أن عبد اللطيف وهبي ليس متكبراً على رئيس الحكومة، كما يتم تصوير الأمر، لكن الحقيقة تقول إن رئيس حكومتنا الحالي ضعيف سياسياً، على حد وصفه.
وتابع المصدر أن هذا الموضوع سيلقي بضلاله على سير الحكومة سواء كان وهبي داخلها أم خارجها، فرئيس الحكومة يريد وزراء وقادة حزبيين أقل حضوراً ذهنياً ونفسياً وأقل كاريزما منه، وهذا لا يمكن.
وشدد على أن إصرار أخنوش على دخول وهبي للحكومة، مرده أن هناك تنافساً بين الشخصيتين على قيادة الأغلبية، أخنوش يريد أن يظهر وهبي بمظهر الشخص الذي لا يثبت على تصريح أو موقف، ووهبي واع بهذا الأمر.
وأكد أن رغبة أخنوش وعناد وهبي رهينان بإشارة واحدة من الديوان الملكي، تعلن أسماء وزراء الحكومة المقبلة، وموقع عبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري داخلها.
ويسود توقع كبير في الأوساط الإعلامية المغربية، بأن ترى الحكومة المغربية النور خلال الساعات 48 القادمة.
صراع قبل إشارة "القصر"
مستوى آخر تكشفه مصادر "عربي بوست" هو أن صراع أخنوش ووهبي امتداد لاختلافات رجال القصر، فكلا الرجلين محسوب على القصر وكلاهما من رجاله المقربين.
وهبي محسوب المستشار على فؤاد عالي الهمة، المشرف على تدبير الشؤون السياسية في الديوان الملكي، فيما يمثل أخنوش نموذج رجال الاقتصاد المقربين جداً من الملك.
وأكد أن رغبة أخنوش وعناد وهبي رهينان بإشارة واحدة من الديوان الملكي، تعلن أسماء وزراء الحكومة المقبلة، وموقع عبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري داخلها.
ويسود توقّع كبير في الأوساط الإعلامية المغربية بأن ترى الحكومة المغربية النور خلال الساعات 48 القادمة.
وبحسب مراقبين، فالرجلان لم يكونا يوماً ما قريبين من بعضهما، لطبيعة اهتماماتهما المختلفة، وهبي سياسي بماضٍ نضالي طويل، ومحامٍ في حزب كان حتى وقت قريب يسمى حزب الملك، وأخنوش صحيح أنه صديق الملك، لكن لا أحد في المغرب كان يراه رئيساً للحكومة.
وتسارع التقاطع بين الرجلين خلال السنتين الأخيرتين، حين برز أخنوش كمرشح فوق العادة لرئاسة الحكومة، وهو ما دفع وهبي الذي أصبح خلالها أميناً عاماً للحزب للهجوم عليه، وصولاً إلى وصف الحملة الانتخابية لسنة 2021 بعملية "شراء" للفصل 47 من الدستور، وهو الفصل الذي يحدد شروط تعيين الملك لرئيس الحكومة.