شهدت أسعار المواد الغذائية بالمغرب ارتفاعاً متتالياً خلال الشهر الجاري، ما زاد من حالة التذمر في صفوف المواطنين، خاصة أن هذه الارتفاعات التي وصفوها بـ"الصاروخية" تأتي في ظل حالة الإنهاك الاقتصادي التي تسببت فيها جائحة كورونا.
ووجد أصحاب محال البقالة أنفسهم في مواجهة مع المواطنين الغاضبين من ارتفاع الأسعار، ففي كل أسبوع تحدث زيادة في إحدى المواد الغذائية تترافق مع زيادات في المواد الأخرى، مما وضعهم في مأزق اقتصادي كبير.
زيادات في المواد الغذائية
يقول عبد الله، وهو صاحب محل بقالة في حي شعبي ضواحي الرباط، إن المواد الأساسية شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسابيع الأخيرة بدون سابق إنذار.
وأضاف أن كيس السميد (25 كيلو) ارتفع ثمنه بـ50 درهماً (حوالي 5 دولارات)، وكيس الطحين (25 كيلو) ارتفع ثمنه بـ50 درهماً أيضاً، أما قارورة 5 لترات من الزيت العادية فارتفع ثمنها بـ23 درهماً (دولارين ونصف)، والزيوت النباتية ارتفع ثمن قارورة 5 لترات بـ27 درهماً (3 دولارات)، وهو الارتفاع الذي شمل جميع العلامات التجارية.
وضمت الزيادات أيضا القطاني والزبدة والمعجنات والخبز، وذلك في غياب أي توضيح رسمي أو تفاعل من مجلس المنافسة، وهو هيئة تعنى بمراقبة الأسعار وشروط المنافسة في السوق المغربي.
وانعكست هذه الزيادات الكبيرة والمتزامنة لعدة مواد استهلاكية أساسية على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة منهم، والتي تضررت أساساً من تداعيات أزمة كورونا التي أفقدت العديد من المواطنين وظائفهم أو أضرت مداخيلهم القليلة أصلاً.
إنهاك الجيوب
تقول بشرى مكاوي، وهي ربة بيت وصانعة حلويات، إن هذه الزيادات بدأت منذ نهاية الشهر المنصرم، ولم تلق الاهتمام بسبب زخم الحملة الانتخابية وما تلاها من إعلان نتائج الانتخابات.
وأضافت لـ"عربي بوست": أنا "لا أفهم أسباب ارتفاع أسعار كل هذه المواد مرة واحدة، معظم المواد الأساسية ارتفع ثمنها، وأيضا لوازم الحلويات، ما يجعلنا مضطرين لرفع أثمنة الحلويات التي أصنعها".
ولفتت إلى أن الأسر ذات الدخل المحدود ستكون أكبر المتضررين، فأمام دخل ثابت وارتفاع كبير في الأسعار، ستعيش هذه الأسر الأشهر المقبلة حالة من التقشف والخصاص.
وتأتي هذه الزيادات في الوقت الذي تستعد فيه الأسر لعودة الدراسة والدخول المدرسي الأسبوع المقبل، مع ما يستلزمه من مصاريف تتعلق بالتسجيل في المدارس وشراء الكتب والدفاتر ولوازم الدراسة.
وتقول سامية، وهي موظفة في القطاع الخاص، إنها لم تكن تدقق كثيراً في الأسعار خلال شرائها لوازم البيت إلا أنها لاحظت في الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية بزيادات تتجاوز عشرين درهماً وأيضاً في أسعار الخضر والفواكه.
وأشارت إلى أن الطبقة الوسطى تضررت في السنوات الماضية بفعل عدد من القرارات، وسيزداد ضررها مع هذه الزيادات، أما الفئات الفقيرة التي بالكاد تدبر قوت يومها فإنها ستكون أمام وضع صعب.
ارتفاع في مواد غير غذائية
وأصبح موضوع الزيادات في الأسعار موضوع الساعة في المنتديات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، واستنكر المواطنون الزيادات التي وصفوها بالصاروخية، وانتقدوا الصمت الرسمي على هذا الوضع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها كثير من العائلات.
وتفاقم الوضع مع ارتفاع أسعار مواد أخرى غير غذائية مثل النقل الذي عرف ارتفاعاً خلال فترة جائحة كورونا؛ إذ اتجه أرباب النقل الطرقي للزيادة في أثمنة تذاكر الحافلات وسيارات الأجرة بسبب تقليص السلطات عدد ركابها.
فيما تقول الجامعة الوطنية لحماية المستهلك إن سوق مواد البناء عرف بدوره التهاباً صاروخياً في جميع السلع وبينها الزجاج الذي ارتفع سعره من 70 درهماً (حوالي 8 دولارات) للمتر المربع ٳلى 135 درهماً (15 دولاراً) وزيادة بنسبة 23% لمادة الألومنيوم و10% للسلع الأخرى.
واستنكرت الجامعة في بلاغ لها هذه الزيادات، خاصة أنها تأتي في وقت استثنائي يعرفه المغرب راجع للظروف المفروضة بجائحة كورونا والانتخابات البرلمانية والمحلية.
زيادات غير مبررة
وبينما يقول المسؤولون في جمعيات أرباب المخابز والحبوب إن أسباب الزيادات في ثمن الخبز والدقيق والمعجنات والقطاني ترجع إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، تدعو جمعيات حماية المستهلك السلطات إلى وقف هذه الزيادات وحماية جيوب المواطنين.
وندد حزب فيدرالية اليسار بالزيادات الصاروخية التي مست أسعار العديد من المواد الغذائية واستغلال فترة الانتخابات لتمريرها.
وأشارت الفيدرالية في بيان لها إلى أن "هذه الزيادات غير المبررة ضمت العديد من المواد الأساسية، وذلك أمام صمت الدولة وغياب أي مراقبة أو تدخل لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا".
وحمل محمد كيماوي، رئيس الاتحاد المغربي لجمعيات حماية المستهلكين، هذه الزيادات الأخيرة في الأسعار لمجلس المنافسة واللجنة الوزارية المعنية بمراقبة الأسعار، معتبراً في حديث مع "عربي بوست" أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل متزامن وباتفاق بين الشركات المنتجة، يستلزم فتح تحقيق ومحاسبة المخالفين لأن الأمر يتعلق بمواد أساسية وضرورية للمواطن.
أسئلة مطروحة
من جهته، قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، إنه على الرغم من أن الزيادات ضمت مواد غير مدعمة من الدولة وتخضع أسعارها لمبدأ العرض والطلب إلا أن أسئلة كثيرة تفرض نفسها.
وأوضح في حديث مع "عربي بوست" أن الأسئلة المطروحة تتعلق بتزامن وتوقيت هذه الزيادات التي حدثت في مرحلة انتقالية وانتخابية، حيث تم الاتفاق بين جميع موردي المواد الغذائية والصناعية والخدماتية على رفع الأسعار بدعوى ارتفاع الأسعار على الصعيد العالمي.
وأضاف أنه على الرغم من غلاء المواد الخام على المستوى العالمي إلا أن تأثيرها على أسعار المواد الاستهلاكية لا يكون بنفس الدرجة كما هو الحال في المغرب.
وقارن بين أسعار الزيت مثلاً بين المغرب وإسبانيا وقال، "رغم أن البلدين يحصلان على المواد الخام من السوق العالمية إلا أن سعر الزيت في المغرب مرتفع مقارنة مع إسبانيا".
غياب التوضيحات الرسمية
وقال الخراطي إن رياح الزيادة في الأسعار التي هبَّت على المغرب سببت أضراراً جسيمة للمستهلك المغربي وتدهورت قدرته الشرائية.
ولفت إلى أن الجامعة التي يرأسها راسلت مديرية الحكامة والمنافسة في وزارة المالية والتي تعنى بمراقبة الأسعار وطلبت منها التدخل وإعطاء توضيحات، إلا أنها لم تتوصل لأي جواب.
ونبه إلى أن غياب المعلومات وعدم التواصل مع المستهلك خلق حالة من القلق وعدم الاستقرار ما يهدد بحسبه السلم الاجتماعي والاقتصادي.
وتخوف من أنه "في غياب هيئة تدافع عن المستهلك وتحميه وتراقب السوق، ستصبح الزيادات في الأسعار مستمرة ومزمنة وإذا أصبحت مزمنة سيصعب علاجها".