جاءت خطوة النظام العسكري الحاكم في السودان، بوضع يده على أموال وأصول تتبع لحركة حماس على أراضيه، ضمن حلقة من حلقات الضغط التي بدأت فصولها منذ العام الماضي، حينما شدد النظام من قبضته وسلطته الأمنية على الطلاب الفلسطينيين المقيمين في السودان، والتي طالت أيضاً قيادات محسوبة على حركة حماس جرى اعتقال بعضهم وترحيل آخرين.
ورغم نفي حركة حماس ضلوعها بأي نشاطات خارجية انطلاقاً من السودان، ونفيها التام لوجود أي استثمارات لها في الأراضي السودانية، فإن ذلك لا ينفي دخول العلاقة بين الحركة والنظام الحالي في السودان في نفق من التوتر منذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير قبل عامين من الآن.
حملة أمنية لم تتوقف
خلال هذه الفترة تعرضت حركة حماس لسلسلة مضايقات من قِبل السلطات في السودان، شملت اعتقال وترحيل وسحب الإقامات والجنسيات من رموز الحركة.
وكشف مصدر قيادي في حركة حماس كان يقيم في السودان لـ"عربي بوست" أن "الحملة الأمنية التي بدأها النظام لم تتوقف منذ منتصف العام الماضي، إذ تتعرض الحركة داخل السودان لملاحقة ومطاردة على مدار الساعة، فقد جرى التحقيق مع المئات من أبناء الجاليات الفلسطينية، ولا يزال نحو 50 فلسطينياً في قبضة السلطات منذ 6 أشهر".
وأضاف أن ما يتم تداوله حول الأرصدة التي تم الاستيلاء عليها والتي تتبع الحركة هو عارٍ عن الصحة، "ما جرى هو وضع يد الدولة على مشاريع الإسكان التي كان يديرها مستثمرون فلسطينيون أو النازحون السوريون، والتي قام نظام الرئيس البشير بمنحها كامتيازات لأبناء الجالية الفلسطينية، كتوفير الأرض بشكل مجاني لإقامة هذه المشاريع، كبناء أبراج سكنية ومصانع للمواد الغذائية والزراعية، بما يخدم الدولة ويوفر فرص عمل لأبناء السودان والطلبة الفلسطينيين والسوريين".
وتابع أن النظام الحالي يعتبر أن هذه الاستثمارات يجب أن تعود للدولة، باعتبار أن الرئيس البشير تصرف بمقدرات الدولة بغير وجه حق، ولكن نحن نؤكد أنه ليس للحركة أي نشاط استثماري باسمها أو أي من قيادتها يعمل أو يدير هذه المشاريع، كما أننا نجري اتصالات على أعلى المستويات لإعادة هذه الأموال والعقارات لأصحابها، تفادياً لأي خسائر قد تلحق بأصحاب هذه الاستثمارات الذين ليس لهم أي علاقة أو صلة بحركة حماس.
وكان النظام في السودان أسس ما يعرف بـ"لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ واسترداد الأموال العامة، والتي تشكلت عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في نيسان/أبريل 2019، ويتركز نشاط اللجنة في حصر كل عمليات الاختلاس والتهرب الضريبي واستغلال النفوذ التي بدأت في حقبة الرئيس السابق عمر البشير، وجاء قرار اللجنة بمصادرة الاستثمارات التابعة لحماس، الخميس 23 من الشهر الجاري.
تضخيم مُبالغ فيه
الصحفي الفلسطيني المقيم في السودان بكر عبد الوهاب قال لـ"عربي بوست" إن هذه اللجنة "معروف عنها تضخيم الأرقام التي تصدر عنها، على حد تعبيره.
وأضاف أنه لا يمكن تصور وجود نشاط استثماري لحماس بهذا القدر الكبير في السودان، ولكن من المهم الإشارة إلى أن السودان بات يعتبر محطة رئيسية للمستثمرين والمقاولين من غزة، الذين وجدوا ملاذاً ومناخاً استثمارياً جيداً في السودان كانخفاض مستوى ضريبتي الدخل والقيمة المضافة.
وأوضح أن "ما لاحظناه في السنوات العشر الأخيرة أن هنالك العديد من الشركات الفلسطينية التي أغلقت في غزة وافتتحت مكاتب لها في السودان، ومنها شركات حسان والعابد للإنشاءات وشركة الرواد العقارية، وهذه مشاريع خدماتية يديرها رأس مال سوداني وفلسطيني مشترك، وحققت تنافساً كبيراً في التفوق على مشاريع الدولة أو التي يديرها الجيش".
ونوه بأنه "جرى حصر كل الأملاك التي يمتلكها الفلسطينيون، وتحديداً أولئك القادمين من غزة ومن سوريا والمؤسسات والشركات التي يعملون بها ووضع اليد عليها، من خلال لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 واسترداد الأموال العامة، وشملت قائمة الاحتجاز مشاريع أخرى كوضع اليد على العقارات لمن مضى على مغادرته السودان 24 شهراً من أبناء الجالية الفلسطينية بالتحديد دون بقية الأجانب".
التأثير على مستقبل الجالية الفلسطينية
لطالما مثل السودان إحدى المحطات التي احتضنت الفلسطينيين، ووفرت لهم امتيازات كبيرة سواء في تسهيل الإقامة والدخول والخروج الآمن وتوفير المنح الدراسية لمئات الطلبة سنوياً، ووفقاً للعديد من المصادر يقيم نحو 6 آلاف فلسطيني في السودان، يتلقون تعليمهم ورعاية صحية مجانية منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير، ولكن هذه الامتيازات تقلصت بصورة كبيرة منذ الإطاحة بنظام الرئيس البشير.
ويخشى هؤلاء الفلسطينيون من أن تزداد وتيرة القبضة الأمنية لتطال الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها تمهيداً لترحيلهم، خصوصاً في ظل شكوى بعض الطلبة من رفض السلطات تجديد إقامتهم ومنحهم الدراسية.
وأشار بعض الطلبة الفلسطينيين الذين رفضت السلطات السودانية تجديد إقامتهم للعام الثاني على التوالي، واضطر بعضهم للعودة إلى غزة لاستكمال مشوارهم التعليمي لـ "عربي بوست"، إلى أن الذريعة التي تروجها وزارة الداخلية السودانية هي عدم اكتمال أوراقهم الثبوتية، وأن الدولة أوقفت تجديد الإقامات إلى حين تسوية أوضاع الأجانب المقيمين في أراضيها.
على صعيد آخر يُنظر لخطوة السودان تجاه حركة حماس بقلق لما ستحمله من تداعيات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين، فالسودان الذي كان يعتبر إحدى الطرق الأساسية لإيصال السلاح إلى حماس في غزة عبر إيران منذ سنوات طويلة، بات الآن في ظل نظام الحكم العسكري محطة لأنشطة الموساد بعد إبرامها لاتفاق التطبيع مع إسرائيل.
الباحث المختص في الشؤون الإفريقية خيري عمرو قال لـ"عربي بوست" إن ما يجري في السودان يمكن وصفه بأنه توجه لدى أحزاب السلطة الحاليين لإزالة كل آثار نظام الرئيس عمر البشير، وهو ما يطلق عليه إزالة التمكين، وما جرى استهدافه ومصادرته من استثمارات لحركة حماس شملت أيضاً استثمارات الجالية السورية والحزب الوطني التابع للبشير.
وتابع المتحدث: "الدور الإسرائيلي في هذه القضية لا يمكن إنكاره، فمشروع التطبيع يتطلب من السودان تعاوناً أمنياً مباشراً وغير مباشر مع إسرائيل لإزالة ما يمكن وصفها بالتهديدات المحتملة وتجفيف مصادر تمويلها وأنشطتها، وحماس جزء من هذه التهديدات باعتبارها حركة إسلامية".