التقارب مع السعودية وتركيا، والتفاوض مع صندوق النقد.. تفاصيل أولويات الحكومة اللبنانية الجديدة

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/13 الساعة 11:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/13 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي

ربما كانت مهمة تشكيل الحكومة اللبنانية في غاية الصعوبة بعد مخاض عسير استمر قرابة 13 شهراً، لكن هذا لا يعني أن مهمة الحكومة لانتشال لبنان من الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه ستكون أقل صعوبة.

ولدت الحكومة اللبنانية نهاية الأسبوع الماضي برئاسة نجيب ميقاتي، بتوافق سياسي بين الأطراف المعنية، أهمّها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحر)، بعد أن امتنع عن التوقيع طوال هذه الفترة حتى حصل على مراده، وبدا ذلك جليّاً حين صرّح بعد التأليف: "ما كان يجب أن نأخذه أخذناه"، نافياً حصوله على الثلث الضامن أو المعطّل.

تأتي هذه الحكومة في خضمّ الانهيار الاقتصادي والاجتماعي مع اقتراب إقرار البطاقة التمويلية التي ستقرّ بعد رفع الدعم، حيث ينتظر القرار من الحكومة الجديدة على المفترق.

لذا، على هذه الحكومة مسؤوليات عديدة وتحدّيات يجب حجبها عن الصراعات السياسية الداخلية حتى يمكن النهوض مجدداً بلبنان، وإنقاذ الوضع قبل فوات الأوان. فما هي أولويات الحكومة وما هي الملفات التي ستعمل عليها وكيف؟

ماذا يقول محيط ميقاتي؟

ترى مصادر مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ"عربي بوست" أن الملفات التي سيجري تباعاً العمل عليها في هذه الحكومة هي ضبط سعر صرف الليرة ضمن سقف يتراوح بين 10 و13 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأمريكي، وهو سقف قابل للانخفاض إلى حدود 8 آلاف ليرة لبنانية فور إنجاز برنامج التفاوض مع صندوق النقد.

يأتي هذا في ظل وجود تعليمات أمريكية أعطيت للمعنيين في صندوق النقد بتسريع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية ضمن سقف لا يتعدى نهاية العام الحالي.

وترتبط خطة تحسين صرف الليرة مع خطة رفع الدعم نهائياً، وهو ما يستلزم ضبط قيمة العملة المحلية، ووضع آلية لتوزيع البطاقة التمويلية الممولة من البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.

وتأتي النقطة الأساسية في عمل الحكومة أيضاً في قطاع الطاقة عبر إنجاز خطة مع شركات أمريكية وأوروبية لتطوير معامل الكهرباء، وفي قطاع الاتصالات عبر ربطه ببرامج الخصخصة، وفق شروط صندوق النقد الدولي.

ومن بين أولويات عمل الحكومة- طبقاً للمصدر المقرب من ميقاتي- الاستحقاق الذي ينتظره اللبنانيون والمجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، والمتعلق بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعد أقصاه 20 مايو/أيار 2022.

تقنياً تؤكد مصادر ميقاتي لـ"عربي بوست" أنه بدأ العمل من أجل وضع الخطوات الأولى للخطة الحكومية وأن أولويته في جعل فريق العمل الحكومي واحداً ومتجانساً ومتعاوناً لوضع المشاريع التي يولي الأولية لها.

وأنه سينكب مع فريق مصغر حكومي لإعداد البيان الوزاري الذي سيحدد شكل المرحلة المقبلة، وصولاً إلى نيل ثقة المجلس النيابي، والسعي لتحصيل أكبر نسبة أصوات ممكنة في جلسة الثقة، تأكيداً على الدعم السياسي المطلق لحكومته والقرارات التي ستصدر عنها.

توسيع الدعم الخارجي

خارجياً يكشف المصدر أن ميقاتي يعول على فرنسا ومصر وقطر للعب دور لجذب الدعم الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً، إذ سيسعى ميقاتي لترتيب لقاء قريب مع القيادة السعودية.

كما أن ميقاتي حريص على استثمار علاقاته لدعم حكومته من دول أخرى أوروبية وإقليمية مثل تركيا التي تربطه بها علاقات جيدة، وذلك لحشد دعم للحكومة في استحقاقاتها الصعبة.

الحكومة السّابقة، أي حكومة حسّان دياب، لم تحظَ بغطاء أو دعم دولي أو عربي وتحديداً من المملكة العربية السعودية، بل كانت مرفوضة من قبل المجتمع الدولي، لذا لم تحصل على المساعدات المالية ولا دعم معنوي.

في هذا السياق، تعتبر الصحفية الاقتصادية سابين عويس لـ"عربي بوست" أنّ المجتمع الدولي رفع الفيتو عن حكومة نجيب ميقاتي عبر تسوية فرنسية-إيرانية ومباركة أمريكية وغض نظر خليجي؛ ما سهّل عملية التأليف.

كما يؤكّد الصحفي والمحلّل السياسي جوني منيّر لـ"عربي بوست" على ذلك، فقال إنّ هناك اختلافاً في أقوال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حين رفض قدوم الرئيس الفرنسي إلى بيروت، واليوم أبرم تسوية معه من أجل التمكّن من العبور إلى حكومة جديدة.

أما وقد اختلطت الأوراق في المنطقة وبعد توافق دولي على تشكيل الحكومة، كان يجب وضع حدّ لتعنّت رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، وإقناعه بعدم الاستمرار بالتعطيل بغية الحصول على الثلث الضامن، لذا أشار منير إلى أنّه قبل أسبوع من ولادة الحكومة اتّصل أمين عام حزب الله حسن نصر الله هاتفيّاً بباسيل في مكالمة بلغت ساعة من الوقت ليطلعه على ضرورة تسهيل التأليف والموافقة عليه.

كما أوضحت عويس أنّ القبول الدولي يتمثّل أيضاً بالسماح للبنان باستجرار الغاز المصري عبر سوريا وغض البصر عن قانون قيصر، بالإضافة إلى التعامل بشكل سلمي مع استقدام الباخرة الإيرانية وعدم حدوث أي استفزاز من قبل الطرفيْن.

الاتحاد الأوروبي عقوبات لبنان
نجيب ميقاتي المُكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، والرئيس ميشال عون – رويترز

التحدّيات الاقتصادية

يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية تعتبر الأسوأ في تاريخه، إذ فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 1000% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، إضافة إلى أنّ أكثر من 50% من العائلات اللبنانية أصبحت تحت خطّ الفقر، وأسعار السلع الغذائية أصبحت باهظة بسبب رفع الدّعم عنها. وبالتّالي، هذه الحكومة مطالبة بوضع خطّط متعدّدة لإيجاد الحلول اللازمة.

أول استحقاقات هذه الحكومة، بحسب عويس، هو التوجّه نحو رفع الدّعم بشكل كلّي عن المحروقات، مشيرة إلى أنّ هذا القرار سيكون ثقيلاً على اللبنانيين وموجعاً، لذا هناك تحدّ أمام الحكومة حول سرعة اللجوء لصندوق النقد الدولي من أجل تأمين حوالي ملياري دولار تساعد في إقرار البطاقة التمويلية للأسر الأكثر فقراً.

أمّا الاستحقاق الثاني، فتعتبر عويس أنّ على هذه الحكومة أن تعيد ثقة اللبنانيين فيها، لأنه منذ انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، تتعامل هذه السلطة مع الناس على أن شيئاً لم يكن، لذا تعب اللبنانيون من الوعود الفارغة و"إبرة المورفين".

ثالثاً، يجب أن يكون سعر صرف الدولار موحّداً، أي إلغاء السوق السوداء وإصدار منصّة رسمية من قبل الدولة اللبنانية بالتعاون مع مصرف لبنان توحّد السعر في كل القطاعات، من المصارف إلى المواد المستوردة والأدوية وما شابه ذلك.

 هذا، برأي عويس سيساهم في الاستقرار النقدي ويمنح الناس بعضاً من الراحة إلى حين إيجاد حلّ نهائي لانهيار الليرة اللبنانية.

رابعاً، ومن أهم البنود التي يجب أن تكون على جدول أعمال هذه الحكومة، التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا لا يحدث إلاّ إذا باشرت الحكومة الجديدة بالعمل الجدّي خصوصاً بعد رفض الحكومة السّابقة، أي حكومة حزب الله، التفاوض معه.

وأخيراً وليس آخراً، نوّهت عويس إلى ضرورة العمل على استجرار الغاز من مصر من أجل حلّ مشكلة الكهرباء، موضحةً أنّ الحكومة المصريّة أصرّت على التعامل مع الحكومة اللبنانية لا رئيسها (أي لا هبات بعد اليوم للعهد) كي تتمّ عملية الاستيراد.

حزب الله نحو التفاوض

بعد رفضه العام الماضي التفاوض مع صندوق النقد الدولي؛ ما أدّى إلى دخول لبنان في النفق المظلم المالي والاقتصادي والمعيشي، يعود حزب الله هذه المرّة في الحكومة مسميّاً وزير المالية يوسف الخليل، وهو مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، ما يعني أنّ الحزب سيفتح الطريق أمام التفاوض.

وهنا، تقول سابين عويس إنّ الانسجام بين وزير المالية الجديد يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيسهّل وضع خطّة مالية جديدة تعمل على إعادة هيكلة القطاع المالي والمصارف شرط ألا يكون رئيس الجمهورية ميشال عون معطّلاً لذلك، كما أنّها ستسهّل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وما يدفع حزب الله بقبول التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بحسب جوني منيّر، هو أنّ حتى بيئة حزب الله وصلت إلى آخرها مع هذه الأزمة، كما يعتقد أنّ لبنان اليوم مجبور على السير قدماً بهذه الخطوة؛ لأن الكلّ لم يعد يحتمل الكم الهائل من الضغوط.

واستذكرت عويس أنّ شروط صندوق النقد الدولي سابقاً، أي رفع الضرائب والدعم، وصل إليها لبنان دون تعب أو جهد؛ ففي حال اتخذت الحكومة اللبنانية هذا القرار منذ عام، لكان اللبنانيون حصلوا على شيء في المقابل.

الانتخابات النيابية

أشهر عديدة تفصل اللبنانيين عن الانتخابات النيابية التي تقرّر موعدها في 8 مايو/أيّار 2022 والتي يرى فيها اللبنانيون فرصة من أجل التغيير والمحاسبة.

الانتخابات النيابية من أهم البنود في جدول أعمال الحكومة الجديدة، فيقول المحلل السياسي جوني منيّر، إنّ هذه الحكومة ستشرف على إجراء الانتخابات في موعدها دون مشاكل كبيرة بسبب التوافق الدولي الإقليمي على ضرورة إجراء هذه الانتخابات. لذا، سترى هذه الحكومة نفسها مجبرة على إجرائها وتتغاضى عن الصراعات الدّاخلية الكبيرة.

أمّا على القانون، فيشدّد منيّر على أنّ القانون النسبي الحالي لن يتغيّر وإلاّ لن تجري الانتخابات لأن هذا القانون يخدم حزب الله، وفي حال تغيّر يقوم حزب الله بإلغائها.

ولفت منيّر الانتباه إلى أنّه قد يكون هناك اتفاق مشابه لاتفاق الدوحة عام 2008 يمنح التوازن للقوى السياسية أو أنّ هناك تسوية ما جرت بين فرنسا وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية، بالإضافة إلى أن دول الخليج العربي، تعيد تعديل ميزان القوى بين الفرقاء السياسيين.

أزمة الوقود لبنان أطباء
أزمة الوقود تتفاقم في لبنان – رويترز

مصير سلامة وملف التدقيق الجنائي

في ملف التدقيق الجنائي الذي شهد صراعاً بين قوى مؤيدة وأخرى معارضة، يرى المحلل الاقتصادي علي نور الدين، أنه ستطفو على السطح إشكاليّتان تحددان مصير هذه الحكومة وإمكانية سيرها في مسار متكامل من المعالجات، مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومستقبل عمليّة التدقيق الجنائي.

فالفريق الحاكم آثر طوال الفترة الماضية غض النظر عن مسألة مصير سلامة بوجود الفراغ في السلطة التنفيذيّة، لعلمه أن أي إقالة لحاكم المصرف في تلك المرحلة ستعني إحالة صلاحياته لنائبه الأوّل، الذي يمثّل رئيس مجلس النواب نبيه بري مرجعيّته السياسية الأولى.

وبعد تشكيل الحكومة، من الطبيعي أن يعيد فريق رئيس الجمهورية تحريك هذا الملف، وبالأخص بعد أن أصبح حاكم مصرف لبنان ملاحقاً بتهم تبييض الأموال والاختلاس والكسب غير المشروع في سبع عواصم حتّى اللحظة.

ويرى نورالدين أنه يبدو أن ميقاتي لم يحسم خياراته في هذين الموضوعين، فيما يبدو أن موقفه سيتأثّر حكماً بقربه الشخصي من حاكم مصرف لبنان، والذي انعكس بانسجام مواقف نواب كتلته في المجلس النيابي مع معظم مقاربات الحاكم الماليّة والنقديّة. كما من المتوقّع أن يتأثّر موقف ميقاتي من ارتباط تكليفه منذ الأساس بتوافقه مع الحريري، المعروف بدوره بقربه من حاكم المصرف المركزي، ومن انسجامه الشديد مع توجهاته المالية والنقديّة في جميع المراحل. 

وزير لـ"عربي بوست": أزمة النفايات أولوية

يؤكد وزير البيئة، ناصر ياسين لـ"عربي بوست"، أنه يجب تخطّي جميع التحديات التي تواجه الحكومة الحالية وعلينا العمل بشكل سريع في الأيام المقبلة للخروج من النفق المظلم.

ولفت ياسين إلى أنّ الإصلاحات تأخرت لأكثر من سنة ولم يعد بإمكاننا تأجيلها، ويجب أن تؤخذ الإصلاحات بطريقة جدية وشفافة وهي لم تعد ترفاً. وحول رفع الدعم، قال ياسين إنّ هذه العملية تمّت بطريقة غير منظّمة وعشوائية. والأولويات كثيرة، ويجب التعاطي معها بشكل مباشر، لأنها تؤثر على مصالح الناس.

يؤكد ياسين أن تولّيه وزارة البيئة يوجب عليه التعامل مع ثلاثة ملفات أساسية، كملف النفايات التي تعتبر أبرز الملفات التي تهدد الأمن البيئي في البلاد، والتحضير لخطط فعالة لحل متكامل ومستدام يبنى على إعادة التدوير‏ ‏ومن ثم التخلص النهائي.

بالإضافة لملفات كالتلوّث الذي يعانيه نهر الليطاني، وإنقاذ النهر وهو تحدٍّ استراتيجي لثروة البلاد النهرية، خصوصاً بوجود قوانين ومساعدات في هذا المجال. وتحسين نوعية مياه الشرب، والعمل لجعل المياه ذات جودة عالية، بالإضافة لضرورة حماية الأحراج والغابات ووضع خطط مواجهة مواسم التحطيب ومواسم الحرائق ومشاريع عديدة أخرى متعلّقة بحماية البيئة وتنظيم الصيد وغيرها.

الفرق بين الحكومتين

يعتقد اللبنانيون أنّ الحكومة الجديدة، أي حكومة نجيب ميقاتي، هي نسخة طبق الأصل عن حكومة حسّان دياب، وبالتّالي لن تجدي نفعاً. ففي رأيهم هي عبارة عن محاصصة حصلت بين القوى السياسية من أجل تقاسم قالب الجبنة.

صحيح أنّ هذه الحكومة هي حكومة محاصصة، ولكن يوضّح المحلّل منيّر أن هناك اختلافين أساسيّين لهذه الحكومة. أوّلهما يتمثّل برضا المجتمع الدولي الذي غاب بشكل أساسي عن حكومة دياب؛ وهذا ما منعه من الزيارات الدولية والخليجية، بحسب منيّر.

أمّا الفارق الثاني بحسب المتحدّث، فيتجسّد بالتركيبة التي تختلف بشكل كلّي عن الحكومة التي سبقتها، إذ إنّ الطابع الحزبي أو اللون الواحد "قليل الدّسم"، فحكومة دياب كان اللون الواحد جليّاً بها؛ فالجميع كان يعلم أنّها حكومة حزب الله.

وعن حصول رئيس الجمهورية على الثلث الضّامن، تعتبر الصحافية عويس أنّ ذلك حقيقي ولكن المختلف اليوم أن هذا الثلث "مخفي" وليس لفريق رئيس الجمهورية نفسه إنّما لمن تمّت تسميتهم "ملوك"، وهم فريق حزب الطاشناق الأرمني حليف تيار رئيس الجمهورية.

تحميل المزيد