مع انقضاء اليومين الأولين على حادثة هروب ستة من أسرى سجن جلبوع العسكري شمال فلسطين المحتلة، تعيش دولة الاحتلال حالة من الاستنفار الأمني، في محاولة الوصول إلى معلومات عن مسار تحرك الأسرى، الذي يزداد الغموض حول مصيرهم مع انقضاء كل ساعة لا تستطيع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الوصول إليهم.
القلق الذي تعيشه إسرائيل هو تزامُن هذا الحدث مع بدء الاحتفالات برأس السنة اليهودية، ما دفع بالشرطة الإسرائيلية إلى فرض قيود أمنية على الكنس اليهودية ومناطق الترفيه والحدائق والمتنزهات العامة في مراكز المدن شمال فلسطين المحتلة؛ خشيةً من هجمات قد ينفذها هؤلاء الأسرى.
آخر التحديثات التي أعلن عنها من قبل جهاز الشرطة الإسرائيلية هو تقليص عدد حواجز التفتيش من 200 حاجز في عموم البلاد إلى 80 حاجزاً، تركزت معظمها في مناطق شمال فلسطين المحتلة، مع إبقاء القيود الأمنية على مداخل المدن، هذا بالإضافة إلى تعزيز قوات من حرس الحدود مع حدود المملكة الأردنية ومناطق غلاف غزة؛ خوفاً من عملية تسلل قد يلجأ إليها الأسرى الهاربون إلى هذه المناطق.
اتصالات لتشتيت البحث
هذا وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن جهاز الشاباك تلقى اليوم أكثر من 250 اتصالاً من مجهولين من شرائح تتبع لشركتي سيلكوم وأورانج الإسرائيليتين، قدموا معلومات مضللة عن أماكن تواجد الأسرى، وأثناء عملية المتابعة لم يكتشفوا شيئاً، ما قد يشير إلى أن جهداً قد يموّل عبر الفصائل يبذل من داخل الضفة الغربية أو قطاع غزة لتشتيت الانتباه حول عملية البحث والمطاردة.
ومنذ اليوم الأول لعملية الهروب من المعتقل، دعت الفصائل الفلسطينية المواطنين وأصحاب المحال التجارية في الضفة الغربية إلى تعطيل كاميرات المراقبة وإعادة توجيهها بعيداً عن الشوارع الرئيسية، وإتلاف التسجيلات الأخيرة، والتوجه نحو نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي لتحطيم كاميرات المراقبة على الشوارع الالتفافية والطرق الاستيطانية الخاضعة لسيطرة الجيش.
ولاقت هذه الدعوات استجابة لدى الشارع الذي بدأ بتعطيل الكاميرات وتحطيمها تحديدا في مدينة جنين.
ومع مرور الوقت بدأت قضية هروب الأسرى من المعتقل تأخذ زخماً سياسياً داخل الشارع الفلسطيني، إذ تظاهر آلاف المواطنين في قطاع غزة في مسيرة دعت إليها حركة الجهاد الإسلامي، أطلقت من خلالها الحركة عدة رسائل سياسية أبرزها تحذير إسرائيل من أن أي مس بحياة الأسرى الهاربين؛ سيقابل برد عسكري من قبل الفصائل، كما أصدر المجلس الثوري لحركة فتح بياناً أكد من خلاله التأييد الكامل لما قام به الأسرى في سجن جلبوع، وحمل البيان إسرائيل المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى.
حصر مناطق البحث
في خضم عمليات البحث الجارية، اقتحمت قوة من شرطة الاحتلال في حدود الساعة السادسة من مساء الثلاثاء بلدة الناعورة الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة جنين، وقامت بعمليات تفتيش لعدد من منازل المواطنين أسفرت عن اعتقال ثلاثة أشخاص يشتبه بأنهم ساعدوا الأسرى الهاربين على عملية الهروب.
ذكر مصدر صحفي من منطقة المثلث في الداخل المحتل -أخفى هويته لـ"عربي بوست"- أن أمس الثلاثاء شهد تركيزاً في عمليات البحث والمطاردة عن الأسرى في المدن والبلدات العربية في منطقة المثلث، وتحديداً قرى الناعورة وطمرة الزعبية، من خلال تواجد لقوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية تساندها عناصر من جهاز الشاباك.
وأضاف أنه جرى معاينة كاميرات المراقبة على مداخل المساجد والمحال التجارية والمطاعم، إضافة إلى استجواب المواطنين والتحقيق معهم وأخذ إفادات عن أي أشخاص مجهولين دخلوا المنطقة أو طلبوا استعانة برقم هاتف لإجراء مكالمة.
ما يمكن الإشارة إليه أن التقديرات الإسرائيلية تراجعت منذ يوم الإثنين بشأن نجاح الأسرى الهاربين في اجتياز أي من الحدود خارج فلسطين المحتلة، فوفقاً لما نشره موقع "والا" يوم الثلاثاء عن مصدر في الجيش قوله إن الأسرى لم يجتازوا الحدود مع الأردن أو سوريا، هم لا يزالون داخل الأراضي الإسرائيلية.
ما يزيد من تعقيدات عمليات البحث هو عدم امتلاك الجيش أو الشرطة أي دليل حول مكان تواجد الأسرى، فعملية المطاردة ازدادت تعقيداً في ظل تأكيد الكثير من الأوساط الإسرائيلية أن الأسرى انقسموا إلى مجموعتين، وقد يكونان اتخذا مسارين مختلفين.
مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في شبكة الهدهد الإخبارية، قال لـ"عربي بوست" إن التقدير لدى جهاز الشاباك والشرطة الإسرائيلية في اليوم الثاني لعملية الهروب هو حصر عمليات البحث ضمن نقطتين جغرافيتين، وهما مناطق الخط الأخضر ومدينة جنين، ومن شأن ذلك تركيز البحث على إحدى المجموعتين ما يسهل الوصول إلى باقي الأسرى.
ويعد انقضاء اليومين الأولين دون الوصول إلى أي معلومة عن الأسرى بمثابة انتصار لهم في عملية الهروب، من خلال منحهم مناورة ووقتاً أطول للتخفي أو تغيير أماكن تواجدهم، في المقابل تعد كل ساعة تنقضي دون وصول الأجهزة الأمنية إلى أي معلومة عن الأسرى بمثابة إخفاق وحالة استنزاف لقوات الجيش والشرطة والشاباك، التي قد تصل إلى نتيجة نهائية بإغلاق الملف في حال فشل عمليات البحث والمطاردة.
استنفار أمني
ويشارك في عمليات البحث والمطاردة كل الوحدات التابعة للمؤسسة الأمنية والشرطية في إسرائيل، حيث تنتشر قرابة 700 دورية للشرطة في جميع أنحاء إسرائيل، يساندها نشاط استخباري وأمني يقوده الشاباك أرضاً وجواً، إضافة إلى وحدات المستعربين التي يتركز نشاطها داخل مدن وقرى الضفة الغربية يعملون كعملاء للجيش، علاوةً على نشر الجيش سريتين تابعتين له على مداخل معبر "الجلمة" شمال مدينة جنين.
محمد حسام الخبير والمختص في الشؤون الأمنية قال لـ"عربي بوست" إن "المتتبع لتصريحات مسؤولي الشرطة والجيش يلاحظ أن عملية البحث والمطاردة ستكون معقدة بشكل كبير، فهم لا يتعاملون مع سجناء تقليديين يمكن أن يرتكبوا أي خطأ يؤدي إلى الكشف عن أماكن تواجدهم، كما أن هؤلاء الأسرى ذوي خلفية عسكرية، وأمضوا سنوات طويلة في الأسر، وبذلك يدركون الثقافة الإسرائيلية وبالإمكان التخفي لفترات طويلة داخل المجتمع دون أن يصل إليهم أحد".
وأضاف المتحدث: "لا تزال عملية البحث والمطاردة في مرحلتها الأولى، وهي تستمر حتى 72 ساعة، ويتركز نشاطها في البحث الميداني بصورة أكبر منه الاستخباري للوصول إلى الهدف بأقصر فترة ممكنة، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي يتركز نشاطها في البحث عن أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الأشخاص المستهدفين".
المتتبع لطبيعة التعامل الإسرائيلي مع عملية هروب الأسرى يلاحظ أن فشلاً أمنياً واستخباراتياً وقعت به إسرائيل ساعد الأسرى على عملية الهروب، وهو ما دفع بوزارة الداخلية، الثلاثاء، إلى إجراء تحقيق مع 14 من حراس المعتقل، تم استجوابهم لمعرفة الظروف التي أدت إلى وقوع هذا الحدث.
سبق ذلك أن أصدرت محكمة إسرائيلية، الإثنين الماضي، قراراً بحظر النشر في قضية الهروب لمدة شهر حتى تاريخ 6 من أكتوبر/تشرين الأول القادم، ما يدلل على عمق الأزمة التي تسببت بها عملية الهروب.
عصمت منصور، الأسير المحرر والخبير في الشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "افتراض حدوث اختراق أمني داخل المعتقل لا يبدو وارداً في قضية هروب من أكثر المعتقلات الإسرائيلية تحصيناً، كمعتقل جلبوع، ولكن العلاقة التي تربط الأسرى القدامى بالسجانين يمكن أن تتطور مع مرور الوقت، وبذلك قد يستغل الأسير هذه العلاقة لتمرير بعض المواد كالهواتف أو طلب الانتقال من غرفة داخل السجن إلى أخرى، كما جرى مع زكريا الزبيدي مقابل رشوة مالية".