انقلاب تونس 87: عندما استند بن علي على قانون وشهادة طبية لإزاحة بورقيبة

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/26 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/31 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس زهاء 3 عقود منذ استقلالها وحتى انقلاب تونس 87 - Creative Commons

الأحداث السياسية في تونس مشتعلة، فمن ناحية؛ إذ أعلن الرئيس قيس سعيد عن إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتوليه السلطة التنفيذية، كما جمد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن كل أعضائه، على أن يتولى النيابة العمومية بنفسه، بالاعتماد على المادة الـ80 من القانون. هذا الإعلان أدانه رئيس البرلمان التونسي، وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، وحتى الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، ووصفاه بـ"الانقلاب على الدستور".

وبعيداً عن التوصيف الصحيح لما جرى ليل الأحد 25 يوليو/تمّوز 2021، فإن تاريخ تونس شهد محاولات انقلاب، وانقلاباً من قبل؛ إذ إن تونس التي انطلقت منها شرارة "الربيع العربي" وأولى ثوراته مرت- كغيرها من الدول العربية- بمحاولات انقلاب، وقد نجحت إحداها في تحقيق هدفها قبل 34 عاماً، إذ استند انقلاب تونس 1987 على مادة قانونية وتقرير طبي ليصبح الوزير الأول حينها زين العابدين بن علي؛ رئيساً للبلاد، ويجد مخرجاً تشريعياً لتنحية الحبيب بورقيبة الذي حكم البلاد زهاء 3 عقود منذ استقلالها (عام 1956). 

انقلاب تونس 87.. خوف بن علي من الإقالة دفعه للانقلاب

انقلاب 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 أو "التغيير" كما وصفه الحبيب عمار الوزير والسفير السابق لتونس، والرجل الثاني في محاولة "التغيير" هذه، خطط لها مع بن علي منذ ليلة 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه؛ وذلك عندما أخبرت ابنة أخت بورقيبة، سعيدة ساسي، بن علي أن خالها يعتزم إقالته.

إذ قال الحبيب عمار الذي أشرف على عملية تطويق قصر قرطاج وعزل بورقيبة، إن بن علي عزم على الاستقالة لحفظ ماء وجهه، لكنه نصحه بالتريث والتفكير في حلٍّ بديل، الذي كان الإطاحة ببورقيبة، وجرى التنسيق مع مسؤولين ووزراء لتولي حقائب وزارية في التشكيل اللاحق للانقلاب.

الانقلاب جرى بتطويق القصر الرئاسي بقرطاج واستبدال عناصر الأمن الرئاسي بعناصر من وحدة القوّات الخاصة بالحرس الوطني، وأكد الحبيب عمار أن بورقيبة قضى ليلته نائماً في قصره، حيث لم تقتحم القوات القصر، لكن في اليوم التالي دخل بن علي القصر رئيساً جديداً لتونس واستمر لـ24 عاماً لاحقة، ليكون الحبيب عمار أول من يناديه بـ"سيدي الرئيس". أما الخطة "باء" لمحاولة الانقلاب هذه فكانت انتحار كليهما، حسب شهادة الحبيب عمار أيضاً.

فترة التخطيط التي امتدت لأسبوعين شملت أيضاً اختيار بن علي؛ الوزير الأول الذي كان قلقاً بشأن الإطاحة المفاجئة به، خليفة له في منصبه الذي يتركه بعد أن يصبح رئيساً للبلاد، وقد وقع الاختيار على آمر (قائد) الحرس الوطني حينها؛ الهادي البكوش. 

البكوش، ساعد بن علي والحبيب عمار في خطط الإطاحة ببورقيبة، كما كتب بيان الانقلاب الذي قرئ في الإذاعات التونسية يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، ليعلن رسمياً الوزير الأول في أول حكومة يشكلها بن علي.

خطة البكوش كانت بتشكيل حكومة يكون هو رئيسها ووضع مجلس رئاسي من حوالي سبعة جنرالات لإدارة البلاد لمدة ستة أشهر، لكن هذا المقترح رفضه بن علي والحبيب، ووضع مقترح نهائي اتفق عليه جميع الأطراف في 28 أكتوبر/تشرين الأول.

حسب شهادة البكوش لبرنامج "شاهد على العصر" الذي بثّته "الجزيرة" عقب الإطاحة ببن علي أيضاً بعد ثورة 2011، فإن تنفيذ الخطة بدأ من ظهر الجمعة 6 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث اجتمع بن علي مع محافظي الأمن والحرس بعد الصلاة، أعقبه اجتماعات مع ضباط الأمن والجيش، فضلاً عن التنسيق بشأن التقرير الطبي عن صحة بورقيبة، بينما أعد بن عمار الحرس الوطني للتوجه في منتصف الليل إلى قصر قرطاج لمحاصرته.

انقلاب دستوري- طبي


استندت الحركة التي تولى على إثرها بن علي حكم البلاد إلى الفصل 57 من الدستور الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حالة عجز أو وفاة رئيس الجمهورية؛ لذا كان ضرورياً وجود ما يثبت عجز الرئيس، وهو ما جهز له بن علي مع وزيرة الصحة سعاد اليعقوبي؛ إذ أعد تقريراً طبياً لإثبات العجز الصحي لبورقيبة.

واعتمد بن علي على تقرير طبي أصدره سبعة أطباء، فجر يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، يؤكد عجز الرئيس بورقيبة (البالغ من العمر حينها زهاء 87 عاماً) عن القيام بالمهام المنوطة به كونه "غير قادر على الحكم بسبب الخرف".

هذه المادة من القانون مع التقرير الطبي والخطة الأمنية المحكمة لحصار القصر كانت كافية لإحكام بن علي قبضته على كرسي الرئاسة، ليس فقط لعام 1987 بل لـ24 عاماً لاحقة، إذ كان من المفترض أن يتقاعد في عام 2004، لكنه حصل على حق إعادة ترشيح نفسه لولاية رئاسية رابعة عبر تعديل دستوري استفتي عليه بالعام 2002.

التقرير الطبي الذي كان ورقة الدعم الأساسية لضمان حدوث الانقلاب، شُكك في صحته لكن بعد سنوات على وفاة بورقيبة نفسه (6 أبريل/نيسان2000 عن عمر ناهز 97 عاماً) وخلع بن علي، إذ صرح الوزير ومدير الديوان الرئاسي في عهد بورقيبة وأيضاً طبيبه الخاص، بأن بورقيبة كان يمارس عمله بشكلٍ طبيعي وبصحة جيدة حتى منتصف نهار 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1987.

إذ كان آخر أعماله حينها توقيعه على جوائز ستقدمها وزارة الثقافة بمناسبة يوم السينما أو المسرح، تبعته مأدبة عشاء تحدث خلالها عن الحروب الصليبية حتى قبيل منتصف الليل.

حسب رواية الشاذلي المسجلة صوتاً وصورة كانت الأمور تبدو طبيعية، قبل أن يفاجأ باتصالات تخبره القبض على وزراء مقربين من بورقيبة، ثم إذاعة "بيان 7 نوفمبر"، وحينما حاول التوجه للقصر الرئاسي مُنع من الدخول.

كما قدم الطبيب النفسي عز الدين قديش شهادة نقلتها الصحف التونسية في عام 2017 عن ليلة الانقلاب، أكد فيها أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الداخلية عبدالله قلال في الساعة الـ1 من مساء ليلة 7 نوفمبر/تشرين الثاني يخبره بضرورة الاتجاه إلى مقر الوزارة، وهناك التقى بأطباء آخرين بينهم وزيرة الصحة، وجرى سؤالهم عن الوضع الصحي لبورقيبة، وضرورة التوقيع على تقرير طبي يثبت عجزه، أكد "قديش" رفضه التوقيع قبل الالتقاء ببورقيبة لكن لم تتم الاستجابة لطلبه بحجة حصار القصر.

وماذا عن وضع تونس في عصر بورقيبة؟

سياسة بورقيبة الداخلية كانت تعسفية، خصوصاً مع محاولات الانقلاب؛ إذ حكم على عدد من المعارضين السياسيين بالإعدام، وأوقف نشاط الحزب الشيوعي نهائياً، بعد محاولة الانقلاب التي تعرض لها عام 1962، وحارب فيما بعد الإسلاميين (حركة الاتجاه الإسلامي وحركة النهضة لاحقاً)، كما كانت هناك رقابة صارمة على الإعلام، وعُطلت الصحف المعارضة والمستقلة.

فضلاً عن خروج تظاهرات واحتجاجات ضد الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً مع دخول مشروع الزيادة في أسعار العجين ومشتقاته حيز التنفيذ يوم 1 يناير/كانون الثاني 1984، وهي تظاهرات تعامل معها الجهاز الأمني بصرامة أوقعت قتلى وجرحى.

بالإضافة لمحاربة التيار الإسلامي، شهدت تونس خلال فترة حكمه قرارات معادية لشعائر إسلامية كما استفاض القائد بحركة النهضة؛ عبدالفتاح مورو، في الشرح في سلسلة لقاءات تلفزيونية عبر برنامج "شاهد على العصر" على قناة "الجزيرة". 

بدايةً من إغلاق جامع الزيتونة الذي كان منارة إسلامية منذ تأسيسه عام 79 هجرية على يد حسان بن النعمان، وإعلان منع الصوم في رمضان سنة 1962 بحجة تقليل الإنتاجية في العمل، ثم الدعوة إلى ترك الحجاب التونسي التقليدي المعروف بـ"السفساري"، وهو غطاء يغطي من الرأس حتى الكعب.

تحميل المزيد