محاباة لتركي آل الشيخ و إرضاء لأجنحة المخابرات المتصارعة.. قصة التغييرات الشكلية بالمتحدة للإعلام”

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/31 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/31 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تركي آل الشيخ ومحمد سعدي وحسن عبدالله

"ذهب زيد وجاء عمرو"، هكذا علق إعلاميون مصريون في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" على التغييرات الهيكلية التي أعلنت عنها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بين قياداتها، فضلاً عن إعلان تأسيس شركتين قابضتين، الأولى للصحف الخاصة والمواقع، والثانية للقنوات الفضائية ومحطات الراديو.

وكانت الشركة المتحدة قد أعلنت في مؤتمر صحفي عقدته السبت 29 مايو/أيار عن تغييرات في مجلس إدارتها، بتنزيل تامر مرسي من رئيس مجلس إدارة الشركة إلى عضو بالمجلس فقط، مع تعيين رجل البنوك حسن عبدالله رئيساً لمجلس الإدارة، وتعيين 4 أعضاء آخرين هم محمد سعدي رئيس شركة "ميديا هب" والمسؤول عن تنظيم موكب نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير إلى متحف الحضارات، بجانب عمرو الفقي رئيس شركة "POD" المتحكمة في سوق الإعلان المصري وتنظيم المؤتمرات الكبرى، وهي إحدى الشركات التابعة لـ"المتحدة للإعلام"، إلى جانب أشرف سالمان وزير الاستثمار الأسبق، والخبير الاقتصادي محمد سمير.

وكان "عربي بوست" نشر قبل أسبوع تقريراً أشار فيه إلى أن المؤتمر الصحفي الذي عقد سوف يشهد الإعلان عن التشكيل الجديد لمجلس إدارة الشركة المتحدة، في وقت اكتفت فيه المواقع الإخبارية الأخرى بتداول البيان الرسمي الذي وزعته الشركة بخصوص عقد المؤتمر الصحفي الذي ذكرت فيه أن الهدف منه عرض إنجازات الشركة وبيان خططها المستقبلية، مع فقرة هددت فيها من ينشرون الشائعات حولها بمقاضاتهم، وكان ذلك بعد انتشار شائعة إقالة تامر مرسي من منصبه.

وبحسب مصادر مطلعة، فقد رصدت "عربي بوست" ثلاثة مشاهد في كواليس المؤتمر الصحفي تعطي نظرة على حقيقة ما يحدث وعلام الاستفهام حول طبيعة التغييرات التي تمت ولصالح من وكيف حدثت، ومن بينها المشهد المميز للشركاة بين مجموعة MBC السعودية مع الشركة.

المشهد الأول: صراعات كبيرة بين مراكز القوى

علمت "عربي بوست" من مصدر مطلع داخل الشركة المتحدة، أن ما حدث في المؤتمر الصحفي والتشكيل الجديد لمجلس إدارة الشركة المتحدة، كان حصاد 4 أيام من المناقشات المستفيضة، والتي شهدت صراعات حادة بين ما أسماه "مراكز القوى" داخل المجموعة المملوكة لجهاز المخابرات العامة المصرية.

وأوضح المصدر أن الجناح الداعم لتامر مرسي كان يصارع من أجل استمراره في منصبه، على الأقل لفترة مؤقتة، معتبرين أن خروجه في هذا التوقيت وبهذا الشكل "مهين له ويؤثر على سمعة الشركة نفسها". 

بينما كان هناك جناح آخر في المقابل يصر على تنفيذ خطة الإحلال وإعادة تشكيل مجلس الإدارة بعناصر جديدة، خصوصاً بعد أن زادت المشاكل التي سببها تامر مرسي بشدة في الفترة الأخيرة.

وفي النهاية، استقر الأمر على التوصل إلى حل توافقي لإرضاء جميع الأطراف، فتم تعيين محمد سعدي القادم بقوة في سماء الإعلام المصري، وحسن عبدالله رئيساً لمجلس الإدارة، مع بقاء تامر مرسي عضواً بالمجلس.

المشهد الثاني: رئيس "المتحدة" الجديد.. وملفات الفساد المالي

بحسب ما ذكر إعلاميون مقربون من الشركة المتحدة لـ"عربي بوست"، فإن هناك علامات استفهام حول رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة الجديد، حسن عبدالله نفسه، وهو رجل بنوك منذ حوالي 40 عاماً، ليس فوق مستوى الشبهات. 

فقد اتهمه طارق عامر رئيس البنك المركزي المصري قبل عامين، وتحديداً عام 2019 بالفساد المالي، وتضمنت الاتهامات إهدار 9.2 مليار جنيه وارتكاب مخالفات، وصفها البنك المركزي بالجسيمة تمثلت إحداها في منح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليار جنيه. مخالفات حسن عبدالله لم تتوقف عند هذا الحد، بحسب تقرير قطاع الرقابة في البنك المركزي، لكنه أيضاً حصل ومسؤولين كبار بالبنك على أموال دون وجه حق، وصلت إلى 5.2 مليون دولار في عام 2018 فقط.

وأطاح طارق عامر، بحسن عبدالله، من البنك المركزي دون أن يتم مواجهته بأي تهم أو مخالفات مالية، وهو ما ظهر مؤخراً بعد أزمة مالية تتعلق بأحد أفراد أسرة "المحافظ"، والتي اتهم فيها طارق عامر محافظ البنك المركزي، حسن عبدالله بالوقوف وراء حملة ممنهجة لتشوية صورته أمام الرأي العام، بحسب مصدر مطلع، وبالتالي فإن هذه الاتهامات باتت للجميع تصفية حسابات بين الطرفين، من وجهة نظر مسؤول مصرفي بارز.

وأشار مسؤول كبير عمل لسنوات مع عبدالله في البنك العربي الإفريقي، إلى أن عامر أطلق هذه الاتهامات بسبب اعتقاده أن عبدالله وراء تسريب المعلومات التي أدانت زوجة عامر، داليا خورشيد، التي تشغل رئيس مجلس إدارة شركة إيجل كابيتال القابضة (التي تملك الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، بتهمة استغلال منصب زوجها في تسهيل أعمالها، وشركائها، والضغط على البنوك لعدم الحجز على "الشركة المصرية للهيدروكربون" التي تقدم لها شركة مسار المملوكة لخورشيد استشارات مالية بـ50 ألف دولار شهرياً.

وأضاف المسؤول البنكي أن اتهامات طارق عامر لحسن عبدالله تصرف انتقامي، بدليل أن أياً من هذه الاتهامات لو كانت صحيحة، لكان عبدالله الآن في السجن، لكنه بدلاً من ذلك عمل مساعداً أول لطارق عامر نفسه في البنك المركزي، فكيف يأمن رئيس "بنك البنوك" المصري على تعيين شخص فاسد ولص في منصب قيادي بالبنك المركزي الذي يشرف على كل البنوك العاملة في مصر؟!

استغل مرسي الدفعة المعنوية الهائلة التي اكتسبها من علاقاته القوية السابقة بمسؤولين في المخابرات العامة، ليقصي داليا خورشيد عن المشهد تماماً، وينفرد بصدارة المجموعة التي عادت للتوسع مجدداً.

وكان "عربي بوست" علم من مصادره في إعلام المصريين أن ملف المخالفات المالية لتامر مرسي ورجاله في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يجري التحقيق فيه حالياً بالفعل، لكنه تحقيق داخلي مع تامر مرسي وحسام شوقي مدير الإنتاج الدرامي في الشركة، وأحمد وجيه المدير المالي، وعدد آخر من المسؤولين الأقل شأناً، لكن هناك تعليمات بعدم ذكر أي تفاصيل عن هذه التحقيقات لوسائل الإعلام منعاً لاثارة البلبلة حول مجموعة إعلام المصريين التابعة لجهاز المخابرات العامة.

وقالت المصادر إن التحقيقات تتركز على ملف الفساد المالي تحديداً، بعدما تبين وجود أوجه صرف غير منطقية في بعض المسلسلات، سواء التي عرضت في رمضان الماضي أو التي لم تعرض بعد

المشهد الثالث: مشاركة آل الشيخ في الإنتاج الدرامي المصري

تزامن مع إعلان التغييرات الجديدة في مجلس إدارة الشركة المتحدة للإعلام، أخبار نقلها المذيع عمرو أديب المقرب من الأجهزة الأمنية، عن خطط لشراكة إنتاجية بين الشركة وتركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية لإنتاج 60 مسلسلاً، و15 مسرحية بخلاف الحفلات الغنائية، وهو ما نفاه آل الشيخ نفسه في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

لكن مصدراً قريب الصلة من الشركة المتحدة للإعلام، أكد أن ما ذكره أديب في برنامجه ليس بعيداً عن الحقيقة، لكن آل الشيخ بادر بنفي الخبر سريعاً لأنه لم يكن متفقاً على إعلانه في الوقت الحالي، حتى لا يجري ربطه مع إبعاد تامر مرسي من رئاسة مجلس إدارة الشركة المتحدة للإعلام.

يذكر أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المصرية، أعلنت يوم الأحد 30 مايو/أيار، عن توقيعها مذكرات تفاهم مع الشركة العربية ومجموعة "إم بي سي" السعودية. أول محاور المذكرة يتعلق بمحاربة القرصنة.

ويتناول المحور الثاني من مذكرة التفاهم مع "إم بي سي" التعاون في إنتاج أعمال كبيرة ومشتركة، بحسب ما صرح به مساعد رئيس "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، حسام صالح. أما المحور الثالث من مذكرة التفاهم مع المجموعة السعودية، فيتعلق بشراء حقوق استغلال الإنتاج في "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، إذ إن جزءاً من إنتاج الشركة المتحدة ستحصل عليه مجموعة "إم بي سي"، كما ستحصل على حقوق توزيعه خارج مصر.

علاقة غير ودية بين آل الشيخ ومرسي

وكان المستشار السعودي المثير للجدل يرتبط بعلاقة تنافسية غير ودية مع مرسي طوال السنوات التي عمل فيها الأخير في الشركة المتحدة، بدأت مع غضب تركي من الموقف الذي وصفه بـ"المتعنت" من مجموعة إعلام المصريين ضد قناة بيراميدز التي أنشأها في مصر عقب امتلاكه النادي الذي يحمل نفس الاسم.

فقد رفضت شركة "برزنتيشن" التابعة للمجموعة والتي تحتكر البث التلفزيوني لمباريات الدوري المصري بيع حق البث لقناة آل الشيخ، وهو ما دعاه للشكوى إلى عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، الذي أمر وقتها بإرضاء صديقه السعودي فكان القرار بإبعاد محمد كامل مؤسس شركة برزنتيشن عن رئاسة مجلس إدارتها الذي كان يحتفظ به بموجب العقد الموقع بينه وبين إعلام المصريين التي كانت قد اشترت 51% من أسهم الشركة في وقت سابق.

كما تم منح قناة بيراميدز حق بث مباريات فريقها كاملة بجانب عدد من مباريات الأهلي والزمالك، كما عاتب آل الشيخ تامر مرسي بشكل علني لأن معلقي المباريات في قنوات أون سبورت والمذيعين يصرون على تسمية نادي بيراميدز باسمه القديم "الأسيوطي" قبل أن يشتريه المستشار السعودي ويغير اسمه، وهو ما رآه آل الشيخ محاولة لمضايقته والتقليل من شأن النادي.

وأضاف المصدر أن أقرب الأدلة على وجود خلاف حاد بين آل الشيخ وتامر مرسي، ما فعله المستشار السعودي قبل شهرين فقط، وتحديداً في مارس/آذار من العام الحالي، حين دعا المنتجين العرب إلى اجتماع قال إنه يهدف إلى "تطوير الصناعة ودعم الإنتاج الفني"، ومناقشة ما يتعرض له المنتجون العرب من معوقات وصعوبات، ما لا يخدم تطور الصناعة والترفيه، في إشارة ضمنية لاحتكار شركة سينرجي للإنتاج الدرامي في مصر.

هذا الاجتماع أزعج مرسي، خصوصاً بعدما هرول عدد من شركات الإنتاج المصرية التي حرمها مرسي من العمل طوال السنوات الماضية إلى تلبية دعوة المستشار السعودي، ومنها شركة "العدل جروب" والصباحي وغيرهما، الأمر الذي اعتبره تامر مرسي إعلان حرب عليه شخصياً، قبل أن يبادر آل الشيخ بطمأنته في تصريحات نقلتها وسائل إعلام ومواقع إخبارية عربية قال فيها إنه سعيد بوجود منتج عربي مثل تامر مرسي، وإنه شخصياً يتمنى التعاون معه.

وختم المصدر بالقول، إن مشاركة تركي آل الشيخ في الإنتاج الدرامي المصري، رغبة قديمة لدى المستشار السعودي الذي اكتسب شعبية جارفة في العالم العربي بعد حصوله على الرئاسة الفخرية للنادي الأهلي، ثم زادت شعبيته بعد خلافاته العلنية مع مجلس إدارة النادي الأشهر في الوطن العربي.

وأضاف أن هناك ما يشبه الاتفاق بين آل الشيخ وقيادات المخابرات العامة على مشاركته في الإنتاج الدرامي، باعتبار أن هذا الأمر يحقق مصلحة جميع الأطراف، فمن ناحية آل الشيخ هو يدرك جيداً أن تطور شعبيته مرتبط بأن يكون له تواجد مؤثر في مصر أياً كان المجال الذي يشارك فيه، وأن الدراما هي فرصته لتحقيق هذا التواجد في الفترة المقبلة بعد المشاكل العديدة التي تجعل عودته للرياضة المصرية مستحيلة، أما من ناحية المخابرات المصرية فقياداتها يرحبون بضخ استثمار سعودي في الإنتاج الدرامي المصري، لوقف نزيف الخسائر التي منيت بها الشركة المتحدة طوال السنوات الماضية بسبب الإنفاق الضخم على إنتاج مسلسلات ثم الفشل في تسويقها.

تغييرات في الشكل فقط

"تغييرات في الشكل دون المضمون تكشف عدم وجود نية لدى قيادات المخابرات لتصحيح المسار"، هكذا علق إعلامي مصري مخضرم على التغييرات التي أعلنت عنها الشركة المتحدة، مضيفاً أن قيادات الشركة من المخابرات هم -حسب قوله- من يديرون الشركة المتحدة ويتحكمون في كل شيء، بينما القيادات المدنية مثل تامر مرسي وقبله أسامة الشيخ وحالياً حسن عبدالله هم مجرد أدوات تنفيذية لا أكثر ولا أقل، على حد تعبيره.

وفند الإعلامي -الذي رفض التصريح باسمه- في حديثه لـ"عربي بوست"، رأيه الصادم بالقول إن الشركة لو كان لديها نية حقيقية لتصحيح المسار، لكان الأجدر بها إعلان كل مخالفات الفترة التي تولى فيها تامر مرسي رئاسة مجلس إدارتها، لكنهم بدلاً من ذلك -والكلام لا يزال للإعلامي- خرجوا ببيانات تهليل للإنجازات المتعددة التي قامت بها الشركة، دون أن يكلفوا أنفسهم حتى عبء احترام عقل المتلقين لهذه البيانات.

وأضاف أنه إذا كانت الشركة حققت أرباحاً ونفذت كل المطلوب منها طوال السنوات الماضية، فلماذا تم تغيير تامر مرسي؟ وهل هكذا تكافئ الشركة الناجحين بإقالتهم أو تنزيل درجتهم؟ ناهيك عن أن كل الإنجازات التي ذكرها حسام صالح المتحدث باسم الشركة في المؤتمر الصحفي لا يشعر بها أحد خارج مقر الشركة وخارج نطاق العاملين بها.

تحميل المزيد