حاول أحد المستوطنين الإسرائيليين سلب منزل عائلة فلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، بحجة أنه إن لم يفعل فسوف يسرقه أحد غيره وأنهم- العائلة الفلسطينية- لن يعودوا لمنزلهم في كلتا الحالتين. هكذا، انتشرت قصة أهالي حي الشيخ جراح المهددين بالطرد من منازلهم وحيهم لإقامة مستوطنة إسرائيلية.
لطالما كان حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية حياً فلسطينياً، سكنته هذه العوائل لعقود طويلة، إلا أن عمليات التهجير القسري وبناء المستوطنات لم تتوقف منذ النكبة. وحاول أهالي حي الشيخ جراح بأضعف ما يملكون أن يقفوا أمام أمام منازلهم رافضين إخلاءها، يصورون إصرار المستوطنين على "سرقة" منازلهم، وهو ما حاز تضماناً عالمياً وعربياً.
في المقابل، واجهت قوات الأمن الإسرائيلي رفض أهالي حي الشيخ جراح والمقدسيين ترك منازلهم وحيهم بالعنف، إذ أطلقت عليهم الرصاص المطاطي وقنابل الغاز والصوت، ما أدى لجرح نحو 200 من الفلسطينيين، وفق خدمة الطوارئ الفلسطينية.
وفقًا للقانون الدولي، فإن عمليات إخلاء الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وبناء المستوطنات عليها غير شرعية وغير قانونية، ورغم تلك الحقائق إلا أن بعض وسائل الإعلام العالمية كان لها رأيّ آخر، ما بين الصمت والتجاهل أو التغطية غير الدقيقة والمنحازة ضد الفلسطينيين؛ مثل تغطية صحيفة الـ The New York Times.
افتتح باتريك كينجسلي مقاله في صحيفة The New York Times الأمريكية بأن "جهود" "إجلاء" ست عوائل "عربية" من حي "متنازع عليه" لفتت أنظار العالم. المشكلة في تلك النبرة أنها تحجب الحقائق.
فكلمة الإجلاء وسياق استخدامها تصور الوضع للقارئ وكأن هذه العوائل لم تدفع إيجار منازلها ولذلك تحاول قوات الأمن الإسرائيلي إخراجها من منازلها بالقانون. وهو ما ينافي الحقيقة. الحقيقة أنهم عوائل فلسطينية الأصل يجبرهم الأمن الإسرائيلي بالقوة والعنف على إخلاء منازلهم وتركها للمستوطنين الإسرائليين.
كما يصور الكاتب أن أراضي الحي متنازع على ملكيتها وأن هناك صراعاً قضائياً على الملكية مستمر منذ عشر سنوات. فكيف يكون لمحتل ومستوطن، لكنته أمريكية بامتياز، الحق في ملكية أرض فلسطينية؟!
بالانحياز نفسه، غطت شبكتا BBC وCNN ما حدث على أنه اشتباكات وأعمال شغب تحاول شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية قمعها. إذ تجاهلت CNN حقيقة أن قوات الأمن الإسرائيلي هي من بدأت باستخدام العنف تجاه المصلين والمتظاهرين السلميين في أنحاء المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.
كما تجاهلت في مقالها لتغطية الحدث أن ما يحدث جزء من خطة تسعى لتهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم وبناء مستوطنات إسرائيلية، غير شرعية بموجب القانون الدولي، وتصور ما يحدث على أنه نزاع وتوتر متصاعد وارد الحدوث في أي دولة حول العالم.
أيضاً، غطت صحيفة The Washington Post ما حدث على أنه أعمال شغب واشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الشرطة على إثر "إجلاء" العوائل "العربية". إذ يبدأ المقال برواية الأحداث من جانب قوات مكافحة الشغب الإسرائيلية على لسان أحد الضباط الذي يقول إن الاشتباكات بدأت حين بدأ جموع المصلين بإلقاء بعض الأشياء عليهم، مبرراً بذلك اقتحام الشرطة للمسجد الأقصي والاعتداء على المصلين بالسلاح وقنابل الصوت وغيرها لتفريقهم.
يوحي المقال للقارئ بأن استخدام الشرطة للعنف مبرر، وأن الطرفين متكافئان في القوة. اعتداء الأمن الإسرائيلي على المصلين والمتظاهرين الذي تم تصويره ونقله بشكل مباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي يظهر غير ذلك.
تعيد بعض وسائل الإعلام الأجنبية صياغة القضية الفلسطينية بانحيازٍ واضح لصالح إسرائيل والمستوطنين، رغم أن هذه العناوين والتغطيات الإعلامية لا تعبر عن حقيقة الوضع تاريخياً ولا يقرها القانون الدولي.
التغطية المنحازة ليست مصادفة. لطالما كانت إسرائيل مدركة لأهمية تشكيل الرأي العام العربي والعالمي تجاه القضية الفلسطينية، لتسهيل عمليات الاستيطان وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وهو ما تروج له إسرائيل على أنه "توسيع دائرة السلام"، إذ اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تغريدة كتبها عبر حسابه على تويتر أن "الشارع العربي ودعايته المنحازة هو أكبر عقبة" أمامها. لكن الانحياز الذي تحدث عنه نتنياهو كان لصالح إسرائيل.