يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول بواسطة الحكومة العراقية قطع طريق السلاح الإيراني لكل من حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله الحوثي اليمنية عبر منع التواصل البري مع إيران بواسطة حفر خندق ترابي على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
وكانت السلطات العراقية أعلنت منذ أيام المباشرة باستكمال إنشاء المانع على الحدود العراقية السورية. وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية فإن الهدف منه هو ضبط الحدود مع سوريا "للحد من تسلل الإرهابيين من مناطق شمال شرقي سوريا"، والمقصود هنا عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لكن مصادر مطلعة في الحكومة العراقية أشارت لـ"عربي بوست" إلى أنه ليس الهدف الوحيد، بل هناك هدف آخر أساسي يتعلق بقطع طريق الإمدادات بالأسلحة والعتاد من إيران إلى الفصائل الشيعية في الشرق الأوسط.
استهداف داعش وضبط الوضع الأمني
قال عضو اللجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي كاطع الركابي لـ"عربي بوست"، إن بناء هذا الخندق هو بمثابة "صفحة مهمة للوضع الأمني بالبلاد".
وأشار إلى أن الجهات الأمنية كانت مهتمة بهذا الأمر منذ سنوات، خصوصاً أن الشريط الحدودي كان ممراً مهماً للدخول وخروج عناصر تنظيم القاعدة وداعش.
وبشأن الغاية من بناء الخندق، أوضح الركابي أن "الغاية الأساسية من بناء الخندق الترابي هو منع وشلل حركة نقل المجاميع الإرهابية على الشريط الحدودي".
مشكلة في التمويل وتدخل أمريكي
وأضاف الركابي أن العمل ببناء الخندق بدأ منذ فترة قصيرة، إلا أن هناك غموضاً حول الأموال المخصصة للبناء، إذ كان من المحتمل أن يتم رصد مبلغ قدرة 10 مليارات دينار، وفق قانون الموازنة العامة لعام 2021، إلا أن التغييرات الأخيرة على مسودة القانون حالت دون ذلك.
وذكر الركابي أن هناك دعماً من التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لإنجاز بناء الخندق بوقت قياسي، موضحاً أن الخندق يتضمن أبراجاً وكاميرات مراقبة على مسافات معينة لتأمين الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
وأبلغت السفارة الأمريكية بالعاصمة بغداد الحكومة العراقية أنها ستقدم منحة تقدر بخمسة ملايين دولار لتطوير الخندق على الشريط الحدودي، بحسب مسؤول بمكتب رئيس الوزراء العراقي.
يذكر أن التكلفة الاجمالية للمشروع تقدر بـ13 مليون دولار أمريكي.
وقال مسؤول غير مخول له بالتصريح لـ"عربي بوست"، إن سفير واشنطن ماثيو تولر أبلغ الحكومة العراقية بأنها تدعم وتؤيد بناء خندق ترابي في الجزء الغربي من الشريط الحدودي بين مدينة الأنبار العراقية ومدينة دير الزور السورية لمنع تسلسل وانتقال المجاميع الإرهابية والفصائل المسلحة الموالية لإيران بين البلدين.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية ترى أن بناء الخندق سيقطع طريق إمدادات الأسلحة والعتاد العسكري الإيراني ويمنع وصولها إلى حزب الله اللبناني وحركة الحوثيين في اليمن.
فكرة سابقة وشرط أمريكي
وكانت قيادة شرطة الحدود العراقية أكدت مواصلتها حفر الخندق على الشريط الحدودي بالآليات والكوادر العراقية وبدعم من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وذكر ضابط برتبة عقيد بشرطة الحدود العراقي رفض ذكر اسمه لـ"عربي بوست"، أنه في البداية كانت الفكرة أن يتم وضع الصبات الكونكريتية التي كانت موجودة في مدن وشوارع العاصمة بغداد ومحافظات أخرى على الشريط الحدودي من جهة مدينة القائم العراقية بمواجهة مدينة بوكمال السورية.
وأضاف أن فكرة بناء أو حفر خندق على الشريط الحدودي كانت بعهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إلا أنه تم تأجيل تنفيذ هذا المشروع بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم توفر الأموال المخصصة لتنفيذ العمل بالمشروع.
وأوضح الضابط بالشرطة العراقية أنه في أواخر عام 2020 تم الاتفاق على حفر خندق ترابي بين العراق وسوريا على أن يكون على الشريط الحدودي بين محافظتي الأنبار ودير الزور مع وضع أبراج وكاميرات مراقبة حركة العناصر والمجاميع الارهابية ومنعهم من دخول إلى الأراضي العراقية.
وذكر أن السفارة الأمريكية ببغداد أبلغت الحكومة العراقية بأنها تدعم وتؤيد بناء الخندق الترابي ومستعدة لدفع ملايين الدولارات، بشرط أن يكون هناك إشراف عراقي أمريكي مشترك على الخندق ومراقبته من قاعدة عين الأسد الجوية التي تعتبر مركز للتواجد القوات الأمريكية بالعراق.
الحشد الشعبي منزعج
ولفت الضابط العراقي إلى أن "الإدارة الأمريكية تريد من خلال المشاركة ببناء الخندق ترابي مراقبة حركة الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي ونقل الأسلحة والعتاد إلى الفصائل المسلحة في سوريا".
إلا أن هذا الأمر أزعج الحشد الشعبي واعتبروا هذا الأمر انتهاكاً للسيادة العراقية والغاية منه مراقبة مجاميع الحشد على الشريط الحدودي تمهيداً لقصف مواقعهم بالطائرات المسيرة، كما حدث بوقت سابق.
قال القيادي بالحشد الشعبي جعفر الموسوي لـ"عربي بوست"، إن هيئة الحشد مؤسسة عسكرية رسمية تابعة للدولة العراقية، و"نرفض تعامل معها على أنها قوة غير منضبطة أو مقارنتها بالمجاميع الإرهابية أو الخارجة عن القانون".
وأضاف أن الإدارة الأمريكية انتهكت سيادة العراق أكثر من مرة من خلال التدخل في القرارات السياسية واستهداف القطعات الأمنية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، وآخرها قصف تجمع الحشد الشريط الحدودي العراقي السوري.
ولفت الموسوي إلى أن الغاية الأمريكية واضحة من الإشراف على حفر الخندق الترابي لمراقبة تواجد وتحرك فصائل الحشد الشعبي، بالإضافة إلى أن الأمريكان يحاولون فتح ممرات آمنة لدخول العناصر الإرهابية وداعش إلى العراق عن طريق الشريط الحدودي، إلا أن الحشد سيكون لهم بالمرصاد، على حد تعبيره.