أحزاب المغرب “تتحد” ضد “العدالة والتنمية”.. هل يتصدى الحزب الحاكم للقوانين الانتخابية الجديدة للظفر بالولاية الثالثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/09 الساعة 17:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/18 الساعة 07:45 بتوقيت غرينتش
سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربي

في جلسة استثنائية صوت مجلس النواب المغربي، ليلة الجمعة 5 مارس/آذار 2021 على التعديلات التي أُدخلت على مشاريع القوانين الانتخابية، وخاصة ما يسمى "القاسم الانتخابي"، والذي ينُص على احتساب نسبة الأصوات الصحيحة في الانتخابات على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية بدلاً من المصوّتين.

وباستثناء حزب العدالة والتنمية زعيم الائتلاف الحكومي الذي وجد نفسه منعزلاً في هذه "المعركة التشريعية"، صوتت جميع الأحزاب السياسية من أغلبية ومعارضة على هذه التعديلات، التي من المنتظر أن تكون سبباً في إعادة هيكلة المشهد السياسي المغربي.

أيضاً وخلال نفس الجلسة البرلمانية، تم حذف تعديل في القوانين الانتخابية الذي يقضي بإلغاء ما يطلق عليه اسم "العتبة"، والتي يقصد بها تحديد الحد الأدنى من الأصوات المطلوب من أي حزب الحصول عليه حتى يشارك في عملية توزيع المقاعد المتنافس عليها في أي دائرة انتخابية.

الأمناء العامون للأحزاب السياسية في المغرب
الأمناء العامون للأحزاب السياسية في المغرب

تقزيم العدالة والتنمية

صوّت 162 نائباً برلمانياً ينتمون لـ7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة على القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي يتضمن تعديل "القاسم الانتخابي"، في حين عارضه 104 نواب ينتمون جميعهم لفريق العدالة والتنمية، مقابل امتناع نائب عن اليسار عن التصويت.

المدافعون عن التعديلات الجديدة في "القاسم الانتخابي" يرون أنه من حق الأحزاب الصغرى ضمان تمثيلها في البرلمان، وأن الأمر غير إقصائي ويسمح بولوج جميع الأحزاب السياسية إلى البرلمان، مقابل ذلك يرى حزب العدالة والتنمية الذي يملك أكبر تمثيل في البرلمان أن هذه التعديلات تسعى لتقزيم وجوده تحت القبة التشريعية خلال الاستحقاقات المقبلة.

البرلماني عن حزب العدالة والتنمية محسن مفيدي قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "اعتماد القاسم الانتخابي بصيغته الجديدة سيؤثر على نتائج الانتخابات لا محالة، لكن نحن كحزب لا يهمُّنا هذا، فإذا أرادوا هزم العدالة والتنمية يجب أن يهزموه بأدوات نظيفة، ولكن تم اللجوء الآن لأساليب ليست حيلاً سياسية فقط، ولكنها تمس بالصورة الديمقراطية للبلاد".

وأضاف المتحدث أن "مسألة القاسم الانتخابي بهذا الشكل غير موجودة في أي بلد من بلدان العالم حتى الدول المتخلفة منها، فما بالك ببلد مثل المغرب، يسعى إلى التموقع مع الدول الكبرى".

واعتبر المتحدث أن "الخلاف على القاسم الانتخابي هو خلاف سياسي عميق، لأن هذا الأمر- حسب اعتقادنا- داخل العدالة والتنمية سيشكل فضيحة للبلاد، ويمكن أن يستغل لهزم حزب سياسي لكن في العمق سيهزم صورة البلد وسيشكل فضيحة مدوية لبلدنا الذي يلتمس أن يكون في صفوف الدول الكبرى، خصوصاً في مجال الديمقراطية وهذا من شأنه أن يرجعنا خطوات إلى الوراء".

الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (مواقع التواصل الاجتماعي)
الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (مواقع التواصل الاجتماعي)

استنفار داخل "العدالة والتنمية"

ليلة قبل التصويت في الغرفة الأولى للبرلمان على القاسم الانتخابي، عقدت الأمانة العامة (هيأة القادة) داخل حزب العدالة والتنمية اجتماعاً استثنائياً خُصص لدراسة المستجدات التشريعية المرتبطة بمشاريع القوانين الانتخابية.

وأصدرت الأمانة العامة بلاغاً أعقب اجتماعها تقول فيه إن "الحزب سيعمل على تقييم تصويت فرق الأغلبية ضدّ إرادة الحكومة، وإن هذا التصرف يكتسي أبعاداً سياسية ومؤسساتية".

أيضاً هناك أصوات داخل العدالة والتنمية طالبت العثماني بتفعيل الفصل 103  من الدستور المغربي والذي يطالب بمنح الثقة من جديد لحكومته بعد أن فكّك القاسم الانتخابي الأغلبية، لأن تصويت الأغلبية ضد إرادة حزب رئيس الحكومة يعني فقدان العثماني للأغلبية داخل البرلمان.

ويتيح الفصل 103 من الدستور لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمُّل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.

يقول البرلماني محسن مفيدي في تصريح لـ"عربي بوست" إن "هناك خطوات أمام العدالة والتنمية قبل الوصول إلى هذا القرار، لأن قراراً بحجم تفعيل الفصل 103 من الدستور المغربي يحتاج إلى تشاورٍ موسع، والأمانة العامة للحزب رأت أن هذا الأمر يعود إعماله من عدمه إلى المجلس الوطني للحزب، بالإضافة إلى عقد مجلس وطني استثنائي من أجل مناقشة التداعيات السياسية والقانونية لهذه التعديلات التي اعتمدت على القوانين الانتخابية دون أن يكون هناك توافق كلي كما جرت العادة".

وأضاف المتحدث أن "المسار التشريعي بخصوص التعديلات الأخيرة التي وقعت على القوانين الانتخابية خصوصاً مسألة القاسم الانتخابي لأنها خلافية لم تنته بعد، والفريق البرلماني للحزب سيقوم بعدة خطوات للتراجع عن هذه التعديلات".

وكشف المتحدث أن "هناك مرحلة تشريعية أخرى تتمثل في عرض مشروع القانون على مستوى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، وهناك أمل ولو أنه ضئيل من أجل تصحيح خطأ ارتكب على مستوى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، لكن من الناحية السياسية ففريق الحزب في الغرفة الأولى سيقدم تعديلاً للتراجع عن مسألة القاسم الانتخابي".

وأضاف المتحدث أن "هذه القوانين المنظمة للانتخابات تندرج في خانة القوانين التنظيمية، إذاً فهي ستُحال على المحكمة الدستورية، وفريق حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب أعدّ مذكرة تكاملية لتقديم طعون للمحكمة من الناحية الدستورية بخصوص القاسم الانتخابي".

العثماني: "العدالة والتنمية" سيتصدى للتراجعات

وتعليقاً على العزلة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة قال سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة إن "التعديلات التي جاءت بها بعض الفرق النيابية على القوانين الانتخابية تضمنت تراجعاً خطيراً يمس بجوهر العملية الديمقراطي".

وقال العثماني خلال الاجتماع الشهري للأمانة العامة إن حزبه "سيُواصل بجميع الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية في التصدي للتراجعات الخطيرة في قوانين الانتخابات"، مضيفاً أن "حزبه قوي ويجب أن يقبل التحدي، وأن يواصل بجميع الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية في التصدي لكل تلك التراجعات".

مصطفى الإبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية داخل مجلس النواب قال في كلمة ألقاها في مجلس النواب إن "التعديل الذي تم التصويت عليه غير دستوري، وإن الحكومة  فقدت أغلبيتها بعد تصويت برلمانيين يمثلون أحزاب الأغلبية على هذا التعديل الذي عارضته الحكومة، ومن ثمّ ينبغي تفعيل الفصل 103 من الدستور، المتعلق بمنح الثقة للحكومة أو حجبها عنها".

وأضاف المتحدث أن "اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين جريمة بحق الديمقراطية وبحق المؤسسات، ويجازي الكسالى من الأحزاب التي لا يُرى لها أثر في المجتمع إلا بمناسبة الانتخابات، وسيتساوى من يحصل على 60 ألف صوت مع من يحصل على 4 آلاف صوت".

نقاش دستوري

النقاش التشريعي الذي استمر لساعات طوال تحت قبة البرلمان انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عبّر عدد من متتبعي الشأن السياسي في البلاد عن رأيهم، والذي أجمع على أن تعديلات قوانين الانتخابات هي محاولة لإضعاف حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات المقبلة، بالإضافة إلى أنه صراع بين الأحزاب على المواقع.

المحلل السياسي بلال التليدي قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "تمرير قانون القاسم الانتخابي إذا بلغ مداه وتم إقراره في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) معناه أن الصيغة الإصلاحية للحزب والتي تقوم على أساس التراكم الديمقراطي ستدخل في دائرة الشك، لأن القاسم الانتخابي سيضرب في عمق الصيغة".

وأضاف المتحدث أن "الحزب مدعو للتفكير في صيغة أخرى للتعاطي مع الواقع السياسي الحالي، لأن هناك وجهة نظر تقول بأن النتيجة التي وصل لها حزب العدالة والتنمية سببها القيادة والتراجعات التي أقدمت عليها، وهي التي سمحت بسحب الحزب من الطاولة".

وطالب المتحدث بضرورة إحداث استحقاق تنظيمي لتغيير قيادة العدالة والتنمية، لأن "المشكل هو القيادة وتدبيرها السياسي" والنتيجة حسب قوله "الذهاب إلى المعارضة والخروج من الحكومة".

ويرى المحلل السياسي أن "هناك فئة من القيادة تتصور إحداث تغيير في أفق مرور القانون على مجلس المستشارين، بالإضافة إلى الضغط على المجلس الوطني (أعلى هيئة في الحزب) لأن الأمانة العامة (هيئة القادة) أحالت عليه القرار وأعطت إشارة إلى استعمال السلاح الدستوري".

الخيار الثالث بالنسبة للمتحدث يذهب إلى "المقايضة بين مشروع قانون تعديل القوانين الانتخابية ومشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي، أي التراجع عن تمرير الأول مقابل تصويت العدالة والتنمية على الثاني"، الأمر الذي اعتبره الباحث السياسي "خطيراً للغاية رغم أن هناك جزءاً كبيراً داخل الحزب يريد المقايضة".

واعتبر المتحدث أن "قيادة حزب العدالة والتنمية الآن مطوقة بحبل في عنقها، فإذا مُرر القانون الانتخابي يعني حُكماً على الحزب بالخروج من قيادة الحكومة، أما إذا قبل الحزب بتمرير مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي فالحزب سينفجر لا محالة، وسيتعرض للانقسام لأن هناك من يرى أن التصويت على  مشروع القانون هذا هو تضحية بمبادئ والحكم على المسار السياسي بالنهاية للعدالة والتنمية بالنهاية".

من جهته يرى البرلماني عن حزب العدالة والتنمية محسن مفيدي أن "المقايضة بين مشروعي قانون القاسم الانتخابي وتقنين زراعة القنب الهندي،  أمر مستبعد جداً، لأنه داخل العدالة والتنمية الحزب لا يتعامل بهذا المنطق، وإذا حصل الأمر ستكون سقطة أخلاقية مدوية، أمران غير مرتبطين، فمعركتنا ضد القاسم الانتخابي هي معركة لصون صورة البلاد ومسار الانتقال الديمقراطي".

تحميل المزيد