لم يكن مُفتي دمشق وريفها محمد عدنان الأفيوني أول رجل دين يتم استهدافه في سوريا منذ اندلاع الثورة في العام 2011، بل سبقه كثيرٌ من الشخصيات الدينية أبرزهم العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، والكاهن المسيحي فادي حداد، وزعيم الشيوخ الدروز وحيد البلعوس.
متى وكيف تم اغتيال هذه الشخصيات الدينية في سوريا، ومن الجهة التي تقف وراءها؟
أبرز الشخصيات الدينية التي تم اغتيالها في سوريا
إليكم أبرز الشخصيات الدينية المسلمة والمسيحية التي تم اغتيالها منذ بدء الثورة السورية في 2011.
إبراهيم السلقيني مفتي حلب
رغم تعدد الروايات التي تتحدث عن طريقة موته فإن الشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني كان أول شخصية دينية تتوفى في سوريا بعد شهور من بدء الثورة السورية 2011، حيث توفي تحديداً في 6 سبتمبر/أيلول.
وبحسب رواية النظام السوري فإن السلقيني تعرض لأزمة قلبية مفاجئة، وبعد نقله إلى أحد مشافي مدينته حلب، توفي بسبب عدم تحمل جسده للمخدر.
ونقلت الرواية أنّ المخابرات الجوية السورية
المخابرات الجوية السورية
تعدُّ إدارة المخابرات الجوية في سوريا إحدى أقوى أجهزة الأمن في الدولة إن لم تكن أقواها بالفعل، وهي من أكثر الاجهزة ولاء لرأس النظام السوري بشار الأسد بفضل تأسيسه من قبل والده حافظ الأسد.
وأيضاً تعتبر الأقوى من بين أجهزة الاستخبارات الأخرى من حيث الكفاءات البشرية والتقنية، كما أنها نادراً ما تقبل بتجنيد عناصر ليست "علوية".
منذ بدء الثورة السورية 2011، بات هذا الفرع بمثابة "شبح" للمعتقلين السياسيين ومعتقلي المظاهرات، إذ نادراً ماكان يخرج أحد منه وهو على قيد الحياة.
وتتوزع أفرع المخابرات الجوية في جميع المدن السورية لا سيما فرع المزة بدمشق وفرع جمعية الزهراء في حلب.
وعدا عن آلاف السوريين الذي توفوا تحت التعذيب في سجونه، يعتقد أنه لا يزال هناك عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين لا يزالون يقبعون داخله.
وعُرف عن الشيخ السلقيني مواقفه التي اعتبرها المعارضون شجاعة، فقد شارك مع "هيئة علماء حلب" بإصدار أكثر من بيان طالب النظام السوري بتحمّل مسؤوليته في سفك دماء السوريين وطالب بإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والتوقف عن الاعتقالات التعسفية ومنع الميليشيات غير الرسمية (الشبيحة) من ضرب المتظاهرين السلميين.
كما انتقد السلقيني في خطبته الأخيرة التي أقامها في جامع أبي حنيفة النعمان في حي الشهباء تعامل قوات الأمن السوريّة مع المتظاهرين، ولمّح في نهايتها إلى أنّ النظام قد يقوم باغتياله فقال:
"لست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي، ولست بمبدٍ للعدو تخشعاً ولا جزعاً، إني إلى الله مرجعي، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم".
وفي اليوم التالي من مقتله شارك العديد من رموز النظام منهم محافظ حلب آنذاك إبراهيم خلوف ومفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، ولكن سرعان ما تحول هذا التشييع إلى أكبر مظاهرة مناوئة للنظام السوري تشهدها مدينة حلب في العام 2011.
عبد اللطيف الشامي إمام مسجد آمنة بنت وهب في حلب
في 26 يوليو/تموز 2012 اقتحم مجهولون مسجد آمنة بنت وهب في حي سيف الدولة بمدينة حلب قبل بدء صلاة التراويح بقليل، حيث قاموا بإطلاق النار بشكل عشوائي واختطفوا إمام المسجد الدكتور الشيخ عبداللطيف الشامي الذي وجد مقتولاً بعدها بعدة ساعات في حي صلاح الدين المجاور.
وحسب رواية النظام السوري فإن عناصر من الجيش الحر هي من اقتحمت المسجد من أجل اغتيال الشيخ الشامي وقد رمته بعد قتله في أحد الشوارع.
في الجهة المقابلة أكدت رواية المعارضة أنّ النظام السوري هو من اغتال الشيخ الشامي الذي كانوا يستغلونه دائماً من أجل الترويج للنظام في خطب يوم الجمعة، وبأنهم عندما شعروا بموقف الشامي الحقيقي قاموا باغتياله.
وتضيف الرواية الثانية أنّ قوات النظام دائماً ما تقوم بمحاصرة جامع آمنة بنت وهب في حي سيف الدولة لأنه كان الشعلة التي انطلقت منها المظاهرات في المدينة ودائماً ما تكون المظاهرات المنطلقة منه ضخمة.
ولنفرض جدلاً أنّ أحد عناصر الجيش الحر تمكن من مغافلة الأعداد الكبيرة من قوات الأمن والشبيحة التي تحيط بالجامع دائماً ودخل إلى المسجد، فإنه من الأجدى أن يقوم بقتل الشيخ ومحاولة الهروب وليس خطفه حياً أمام أعين الأمن والشبيحة.
وأكدوا أنّ الهدف الأساسي من وضع النظام لجثة الشيخ الشامي في صلاح الدين هو ما يشهده هذا الحي من مظاهرات يومية ضخمة ضد النظام وكي يكون عذراً لاقتحامه لاحقاً.
الشيخ عبدالله صالح مدير أوقاف الرقة
في الــ 30 من ديسمبر/كانون الأول 2012 قام مسلحون مجهولون باغتيال مدير أوقاف مدينة الرقة عبدالله الصالح شمال شرق سوريا أثناء خروجه من منزله الواقع في حي الدرعية.
وذكرت رواية النظام الرسمية أنّ المسلحين الذين اغتالوا الشيخ الصالح يتبعون للجيش الحر، وقد أطلقوا عليه عدّة رصاصات استقرت إحداها في رأسه، في حين لم يتبن أي أحد العملية، كما لم تصدر أي رواية من المعارضة.
ويعرف عن الشيخ الصالح موقفه المؤيد للنظام والداعي للتهدئة في معظم خُطبه الدينية.
رياض عدنان صعب إمام مسجد المحمدي في المزة فيلات بدمشق
في الــ 20 من مارس/آذار 2013، توفي الشيخ رياض عدنان صعب إمام مسجد المحمدي الواقع في حي المزة فيلات في العاصمة السورية دمشق، وذلك إثر استهدافه بعبوة ناسفة تم زرعها في سيارة مركونة أمام منزله في حي الزاهرة.
ووفق الرواية الرسمية للحكومة فإن الشيخ صعب توفي بعد قيام عناصر من الجيش الحر بزرع عبوة ناسفة في سيارته إذ انفجرت أول ما حاول الشيخ تشغيلها.
في حين أكدت رابطة العلماء المسلمين أنّ النظام السوري هو من يقف وراء اغتياله وليس الجيش الحر كما يدعي.
وقالت الرابطة في بيان لها: "في مسلسل الإجرام الذي يمارسه النظام المجرم والذي يستهدف الرموز العلمية والدعوية في سوريا، ولا سيما الأئمة والخطباء، قام باستهداف العالم المقرئ المتقن الجامع للقراءات العشر الشيخ رياض بن عدنان الصعب إمام جامع القلعي في سوق مدحت باشا، وخطيب جامع المحمدي بمزة فيلات بدمشق، في طريقه إلى صلاة الفجر بعبوة ناسفة مزروعة في سيارته".
محمد سعيد رمضان البوطي
محمد سعيد رمضان البوطي
يعد محمد سعيد رمضان البوطي أحد أبرز الدعاة والفقهاء في العالم الإسلامي، وقد ولد في العام 1929 في جزيرة بوطان التركية، وانتقل رفقة والده وهو بعمر الــ 4 سنوات إلى دمشق، حيث درس فيها وأتقن عدّة لغات منها التركية والكردية، قبل أن يستكمل دراسته الجامعية في جامعة الأزهر بالقاهرة.
تولى البوطي إمامة الجامع الأموي في دمشق بالإضافة إلى رئاسة اتحاد علماء بلاد الشام، كما عمل عضواً في عدة هيئات منها مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي في عمّان، والمجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد وغيرها.
ربطت البوطي علاقة مع النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد، وتعززت في عهد ابنه بشار، وقد طالته انتقادات عديدة بعد تأييده لما يقوم به الجيش السوري من قصف وقتل للمدنيين، وأفاد في أحد تصريحاته بأن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية تقودها إسرائيل، واصفاً عناصر الجيش الحر "بالحثالثة".
ومن أهم مؤلفاته الفلسفية الدينية، (كبرى التقنيات الكونية، الحكم العطائية، الجهاد في الإسلام، السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي).
ووفق رواية النظام الرسمية فقد اتهمت المعارضة بالقيام بالتفجير الذي أدى إلى وفاة البوطي رفقة 42 شخصاً بينهم حفيده إضافة إلى إصابة 84 آخرين بجروح.
في حين اتهمت المعارضة النظامَ بتدبير الاغتيال بعد ورود أنباء عن عزم البوطي الانشقاق وتغيير موقفه من الثورة السورية.
كما استنكرت رابطة العلماء السوريين اغتيال البوطي مؤكدة على مسؤولية النظام السوري.
مفتي دمشق وريفها محمد عدنان الأفيوني
قُتل مفتي دمشق وريفها محمد عدنان الأفيوني، مساء الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إثر تفجير استهدف سيارته في منطقة قدسيا بريف دمشق.
وكالة أنباء سانا التابعة للنظام أوضحت أن الشيخ الأفيوني قُتل إثر استهداف سيارته في منطقة قدسيا بتفجير عبوة ناسفة، فيما لم تذكر الوكالة مزيداً من التفاصيل عن التفجير، كما لم تعلن أي جهةٍ مسؤوليتها عنه.
باسيليوس نصار كاهن مطرانية حماة
في الــ 25 من يناير/كانون الثاني 2012، قُتل باسيليوس نصار الكاهن في مطرانية حماة للروم الأرثوذكس ثر استهدافه بالرصاص في قرية كفربهم جنوب غرب مدينة حماة.
ووفق رواية النظام الرسمية فإن الكاهن نصار قُتل من قبل بعد إطلاق النار عليه من قبل عناصر الجيش الحر أثناء قيامه بإسعاف رجل مصاب في حي الرجاجمة في المدينة، في حين لم تعلق المعارضة على هذا الاغتيال.
يذكر أنّ الجيش الحر لم يكن يسيطر على القرية في تلك الفترة، بل كانت حدود سيطرته تقتصر على ريفي حماة الشمالي والشرقي فقط.
فادي حداد كاهن في كنيسة مار إلياس بريف دمشق
في الــ 25 من أكتوبر/تشرين الأول اغتيل فادي حداد الكاهن في كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس بمدينة قطنا في ريف دمشق وذلك بعد اختطافه من بلدة جديدة عرطوز المجاورة والمحاطة بالكثير من الثكنات العسكرية.
وكما هو متوقع فقد أعلنت الحكومة السورية أنّ حداد قُتل على يد عناصر من الجيش الحر الذين اختطفوه وقتلوه.
في حين أفادت الهيئة العامة للثورة أنّ أهالي قطنا وجدوا جثة الحداد بعد أسبوع من خطفه من قبل قوات النظام.
ونقلت صحيفة عن بيان لشبكة مسيحيي سوريا أنَّ النظام السوري هو من قتل الحداد، وأن شبيحته قاموا بعد ذلك باقتحام موكب العزاء وإطلاق هتافات موالية من قبيل "بالروح بالدم نفديك يا بشار".
وحيد البلعوس أبرز الشيوخ الدروز في السويداء
في الــ 4 من سبتمبر/أيلول 2015 قُتل الشيخ وحيد البلعوس الذي كان أحد أهم شيوخ الطائفة الدرزية في سوريا وزعيم تجمع "مشايخ الكرامة" في السويداء.
وذلك إثر تفجير سيارة مفخخة انفجرت في منطقة عين المرج بالتزامن مع مرور سيارته التي كانت متوجهة نحو منطقة ظهر الجبل.
وادعى النظام أن مجموعة تابعة للجيش الحر هي من استهدفت الشيخ البلعوس في حين كذبت جماعة "مشايخ الكرامة" هذه الادعاءات مؤكدة أنّ النظام هو من قتل البلعوس.
وقالت الجماعة في بيان لها: "إن عملية اغتيال "البلعوس" تمت بتخطيط مخابراتي على مستوى عالٍ، ونفذت باستخدام مواد متفجرة لا تملكها إلا الدول".
وأضافت أن النظام منع أيضاً وصول سيارات الإسعاف إلى موقع التفجير.