عاد الجدل من جديد على الساحة الليبية في أعقاب ظهور مؤشرات تتحدث عن إمكانية معاودة اللواء الليبي خليفة حفتر الهجوم على الغرب الليبي ونقض الهدنة القائمة.
ورغم أن المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" تشير إلى أن حفتر لن يشن هجوماً على الغرب الليبي قريباً، فإنه يقوم بالفعل بحشد ميليشيات ومقاتلين بالقرب من الغرب الليبي استعداداً لإحداث اضطرابات على الأرض بالمنطقة الغربية إذا استدعت الحاجة ذلك في حال لم تسر مفاوضات جنيف كما يفضل.
اتهامات وردود
وكان وزير الدفاع بحكومة الوفاق الليبي صلاح الدين النمروش طالب في برقية عاجلة يوم الخميس 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، رئاسة الأركان العامة وآمري المناطق العسكرية وغرفة العمليات المشتركة بالاستعداد لأي هجوم محتمل من ميليشيات حفتر وانتظار تعليمات القائد الأعلى للرد على مصادر النيران.
وأوضح النمروش حينها أن المعلومات الواردة إليهم تفيد باحتمال قيام حفتر بالهجوم على مدن بني وليد وغريان وترهونة، داعياً إلى اتخاذ كافة التدابير لصد ومنع أي هجوم محتمل مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر.
ولعبت كل من بني وليد وترهونة وغريان دوراً استراتيجياً بالنسبة لقوات حفتر خلال هجومه على طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، والذي استغرق 14 شهراً، قبل أن يتمكن الجيش الليبي من هزيمته وطرده إلى مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وقاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس).
هذا ونفى المتحدث باسم ميليشيات حفتر، أحمد المسماري، ما جاء في برقية وزير دفاع الوفاق، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.
وأضاف المسماري أن قوات حفتر "ملتزمة بإعلان وقف إطلاق النار الذي أعلن في 8 يونيو/حزيران بالقاهرة"، وأنهم لم يغيروا من مواقع تمركزهم في سرت والجفرة منذ ذلك الحين، مدعياً أن هذه البرقية جاءت لعرقلة "العملية السياسية السلمية القائمة حالياً والتي يدعمها المجتمع الدولي"، بحسب قوله.
لكن وزير الدفاع الليبي رد على المسماري قائلاً إن خروقات حفتر المستمرة دليل قطعي على أنه لا عهد ولا أخلاق لميليشيات حفتر، بحسب تعبيره.
وأضاف النمروش أن وزارة الدفاع لا تعتمد في معلوماتها الاستخباراتية على كلام مرسل، بل على معلومات دقيقة ومؤكدة، مشدداً على أن قوات الجيش الليبي ملتزمة تماماً بوقف إطلاق النار، وأنهم مع أي حوار شامل يعيد إلى ليبيا أمنها واستقرارها، بحسب البيان.
عين حفتر على الجنوب
وأوضح مصدر عسكري تابع لحكومة الوفاق، فضل عدم ذكر اسمه، لـ "عربي بوست"، أن تحركات حفتر الحالية لا تهدف إلى القيام بهجوم على مناطق غرب ليبيا، كونه يدرك جيداً أنه لن يستطيع الوصول إلى قلب طرابلس.
لكنه أشار إلى أن حفتر يقوم بترتيب للسيطرة الفعلية على الجنوب، وبسط نفوذه وتطويعه ديموغرافياً لتوطيد مفهوم تفويضه لحكم ليبيا الذي طالب به، وذلك باستخدام القوة.
هذا يعني أنه سيجعل من قواته سيفاً مسلطاً على رقاب السكان ليفرض تفويضه المزعوم، لأنه يفكر بإقامة ما أشبه بالدولة، وترسيم حدودها التي ستضم الشرق والجنوب، واستقلالية الموارد حتى يتسنى له التفاوض على ليبيا.
وأوضح المصدر أن حفتر يعمل على الاستفادة القصوى من القواعد الجوية هناك، وكانت بدايتها قاعدة براك الشاطئ، حيث تعتبر القواعد الجوية في المناطق الصحراوية بمثابة حصون يمكن من خلالها السيطرة الشاملة على الأرض.
وتتمتع القواعد العسكرية الجوية في المناطق الصحراوية بعمق دفاعي استراتيجي يجعلها في مأمن من أي محاولات تسلل من قبل قوات برية ومهاجمتها. كما يوفر لها هذا العمق مساحة كافية من الرصد والحماية تكون في مأمن عن عمليات الرصد والتجسس.
وتوفر هذه القواعد مواقع مثالية لهبوط المرتزقة والقوات الأجنبية بعيداً عن الأنظار، مما يوفر الاستفادة من الدعم الإماراتي والمصري الذي سيكون من الصعب مراقبته، كما ستوفر دعماً روسياً لحاجتهم لها في الشقين المدني والعسكري، بالإضافة إلى أن حروب الصحراء يكون الاحتياج فيها للقواعد الجوية والطيران فقط.
حفتر يحشد مرتزقة من الغرب
وأضاف المصدر أنه في ظل ما يقوم به من ترتيبات في الجنوب والعمل على استقراره إدارياً، يجهز بعض الكتائب المنتمية لمنطقة الساحل والجبل بإمرة شخص يدعى رمضان أبورقيقة الذي طالبه حفتر في وقت سابق بتجميع القوات الهاربة من محاور جنوب وغرب طرابلس وإعادة تنظيمها، بجانب ما يسمى اللواء التاسع (الكانيات) والمرتزقة.
يأتي هذا الحشد في انتظار نفاد كل الخيارات الأخرى والتأكد من عدم جدوى الحوار والمفاوضات، ليقوم بالدفع بهؤلاء المقاتلين لزعزعة الاستقرار الهش في المنطقة الغربية، والتوغل من جديد في اتجاه العاصمة.
هذا يعني أن حفتر سيكون جاراً مقلقاً في حال عدم الوصول إلى هدفه الأساسي من الحوارات.
رسالة وزير الدفاع تدارُك لإهمالهم الجنوب
وقال العقيد طيار سعيد الفارسي إن ما يقوم به حفتر الآن هو ترسيم حدود لجغرافيا سيعمل للسيطرة الفعلية عليها، وهي الجنوب، لجعله قاعدة انطلاق أكثر صلابة سياسياً وعسكرياً للهجوم المقبل الذي لن يكون قريباً.
وتابع الفارسي أن برقية وزير الدفاع بحكومة الوفاق هي بمثابة صحوة وتدارك لما يحدث في الجنوب والعمل على افتكاكه من قبضة خليفة حفتر ومرتزقته، وذلك لحماية المنطقة الغربية أولاً، وتضييق الخناق على خليفة حفتر في الشرق ثانياً، والحصول على أوراق تفاوضية جديدة (النفط) ثالثاً، لتعزيز موقف الوفاق في أي مفاوضات حقيقية، خاصة بعد تضييق الخناق على حفتر.
وأضاف الفارسي أن أي حوار مع أي طرف من برقة (الشرق) في هذه الظروف سواء كانوا نواباً تابعين لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح أو عقيلة نفسه أو ممثلي قبائل ومجتمع مدني، هو في حقيقته حوار مع حفتر، حيث لا يخفى على أحد أن حفتر يسيطر على برقة بشكل مطلق ولا يستطيع أحد الحوار دون تفويض منه.
وأوضح الفارسي أن الانتصارات الميدانية الكبيرة التي حققتها قوات الوفاق وبركان الغضب، لم تستثمر ذلك في افتكاك المزيد من الأراضي، على عكس حفتر الذي يعمل على احتواء حتى المهمل والاستفادة منه.
وأشار إلى أن إهمال قوات البركان وحكومة الوفاق للجنوب الليبي يعد خطأ فادحاً، وإهمال القواعد الجوية فيه سيكون مكلفاً جداً.
وضع استراتيجيات انتشار الجيش ضرورة مُلحة
وقال المحلل السياسي عمر التهامي إن رئيس الأركان التابع لحكومة الوفاق لا يزال مغيباً، وكان من المفترض بعد تعيينه أن يبدأ بهيكلة الجيش وتسمية الهيئات ومقراتها ووضع استراتيجيات انتشار الجيش وتفعيل الوحدات وحاميات المدن والقواعد الجوية وخلق التوازن في توزيع مراكز التدريب وغيرها من الإجراءات العسكرية الضرورية بدلاً من الاعتماد الكلي على الكتائب المساندة.
وأضاف التهامي: "يجب أن يعي المسؤولون في طرابلس أن حدود ليبيا ليست أبوقرين وغريان وتقع على مسؤوليتهم استعادة كل شبر من أراضيها التي تمتد الى حدود مصر وحدود الجزائر وحدود النيجر وتشاد، وأن بقاء أي شبر محتل من الروس والجنجويد وغيرهما من المرتزقة سيسجل كقصور ويعد خسارة لليبيا ولليبيين.
وأشار التهامي إلى أنه عقب تحرير مدينة ترهونة مباشرة، أكد ضرورة السيطرة على الجنوب لأهميته لطرابلس، كونه سيبقى مصدراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة الغربية وقاعدة انطلاق لحفتر كلما سنحت له الفرصة وتوفرت لديه الإمكانيات.
البحث عن مكان في الخريطة السياسية
ويبدو أن حفتر بات خارج المعادلة السياسية، بفعل الاتفاق بين وفدي المجلس الأعلى للدولة و"نواب طبرق" بمنتجع بوزنيقة المغربي، وانعقاد "مؤتمر برلين 2″، مع ترقب عقد اجتماع جنيف للبعثة الأممية وممثلين عن الأطراف الليبية لاختيار مجلس رئاسي جديد.
وقد يحاول حفتر بأي طريقة لفت الأنظار إليه، من خلال إطلاق عملية عسكرية جديدة لتحريك الأوضاع الميدانية لاستعادة دوره كطرف في الحوار.