نقلت وكالة رويترز، الإثنين 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قصة المواطنة المصرية شيماء صالح التي أصبحت تقضي لياليها دون أن يغمض لها جفن وينهشها القلق وهي تفكر كيف تدبر مبلغاً يعادل حوالي 1000 دولار لإنقاذ منزلها غير مكتمل التشطيب المكون من ثلاثة طوابق من الهدم.
شأنها شأن مئات الآلاف الذين يعولون كثيرين غيرهم، تواجه شيماء مهلة تنتهي في آخر أكتوبر/تشرين الأول يتعين بحلولها على سكان المباني غير المرخصة -ومعظمها في المناطق الفقيرة- التقدم بطلب للتصالح على مخالفات البناء مقابل رسوم أو مواجهة هدم منازلهم.
فيما يقول مسؤولون إن قانون التصالح على مخالفات البناء الذي تم إقراره العام الماضي هو جزء من حملة على المباني غير القانونية التي تخالف معايير السلامة، وتعيق حركة المرور والتنمية، وتتعدى على الأراضي الزراعية الخصبة.
يضيفون أنه جزء من حملة الرئيس عبدالفتاح السيسي لتحديث البنية التحتية والإسكان والتعامل مع عقود من البناء العشوائي الذي استشرى بعد انتفاضة 2011.
لكن بالنسبة لبعض السكان، يمثل تهديد الهدم ضربة جديدة بعد سنوات من التقشف الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، ومؤخراً تداعيات فيروس كورونا.
15 ألف جنيه للتصالح: شيماء، وهي من سكان قرية دفرية بمحافظة كفر الشيخ قالت لوكالة رويترز: "بكافح وبشتغل في جمع المحاصيل (الزراعية) باليومية عشان أجيب أكل لبناتي التلاتة من بعد ما جوزي مات في الكويت من سنة".
مضيفة أن دخلها حوالي 1500 جنيه (95.48 دولار) شهرياً من عملها ومن راتب والدها المتوفى، تابعت شيماء: "الحكومة طالبت بدفع 15 ألف جنيه عشان التصالح أجيب منين فلوس لمصالحات؟".
فيما بدأ زوجها الراحل، الذي كان عامل معمار، في بناء المنزل المبني من الطوب الأحمر في عام 2014 دون تصريح، وأضاف لاحقاً طابقين لم يتم تشطيبهما، وهو نمط سائد في مصر، حيث كان البناء العشوائي هو القاعدة منذ فترة طويلة.
كما تحدثت رويترز مع 12 ساكناً في ثلاث محافظات، قالوا إنهم يعانون لدفع رسوم تصالح تتراوح بين 50 و2000 جنيه للمتر المربع الواحد، ولم يرد المركز الصحفي للمراسلين الأجانب في مصر والتابع للحكومة على أسئلة من رويترز حول محنتهم والرسوم المطلوبة منهم.
توترات واشتباكات: حملة الحكومة أدت إلى توتر في بعض المناطق، إذ قال سكان في قرية سرياقوس الواقعة على مشارف القاهرة إن جرافات هدمت أربعة منازل غير مرخصة في أواخر أغسطس/آب قبل انتهاء المهلة المحددة لتسوية المخالفات.
فيما رشق سكان غاضبون الجرافات والعمال الذين كانوا برفقة رجال شرطة بالحجارة، بحسب أربعة سكان ومقطع فيديو نُشر على الإنترنت، ورفضت وزارتا الإسكان والتنمية المحلية التعليق على شكاوى من عمليات الهدم قبل الموعد النهائي.
أما السلطات المحلية في محافظة القليوبية فلم ترد على أسئلة بشأن الواقعة التي شهدتها سرياقوس، لكن مسؤولاً أمنياً قال إن الشرطة ألقت القبض على 15 رجلاً لقيامهم بأعمال شغب.
حملة اعتقالات: وبالتزامن مع هذا قالت جماعة حقوقية إن السلطات المصرية اعتقلت عدة مئات في الأيام الأخيرة وسط تقارير عن مظاهرات صغيرة ومتفرقة ضد السيسي.
كما اشتكى الرئيس من ضعف الإقبال على التقدم بطلبات للتصالح، وهدد في تصريحات تلفزيونية بنشر الجيش في القرى لهدم المنازل المخالفة إذا لم تتوقف المخالفات، فيما قال بعض سكان سرياقوس لرويترز إنهم سارعوا بتقديم طلبات تصالح على منازلهم بعد الواقعة.
حملة تثقل كاهل الفقراء: قالت ليلاني فرحة، التي زارت مصر بصفتها مقرراً خاصاً للأمم المتحدة بشأن الحق في السكن في 2018 وتترأس الآن مجموعة "ذي شيفت" المعنية بالحق في السكن، إن الحملة على البناء المخالف قد تثقل كاهل الفقراء بالديون، مضيفة أن "كثيرين ممن يبنون ليسوا أثرياء بالطبع وليست لديهم الموارد لدفع غرامة. لا يمكنك استخراج الماء من حجر".
حملة الهدم رافقت طفرة في تشييد الطرق السريعة والجسور والمدن الجديدة والمناطق الصناعية تحت قيادة الجيش، ولم يتباطأ العمل في هذه المشروعات حتى في ظل جائحة كورونا.
فيما قال السيسي، الذي أمر الحكومة مؤخراً ببناء مليون وحدة سكنية جديدة، إن كل مصري يريد شقة سكنية سيحصل عليها، فيما قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بدوره إن رسوم التصالح على مخالفات البناء التي يمكن سدادها على مدى ثلاث سنوات سيتم استثمارها في تحسين البنية التحتية.
ضغوطات مالية: وظهرت تجمعات عمرانية كاملة، حيث استغل كثير من الناس التراخي في إنفاذ القانون في ظل الاضطرابات التي أعقبت 2011، وقال مدبولي إن مصر خسرت 90 ألف فدان من الأراضي الزراعية (37800 هكتار) نتيجة لذلك.
لكن بعض السكان قالوا إنهم يتعرضون لضغوط مالية بعد أن غضت الدولة الطرف عن مساكنهم لسنوات، بينما قال آخرون إن أصحاب العقارات باعوا لهم شققاً بدعوى أنها بُنيت بشكل قانوني.
قال ثلاثة من صغار المقاولين وأصحاب مبانٍ سكنية مرتفعة إنهم اضطروا لدفع الملايين لتسوية مخالفات مبانيهم، وحذروا من أن هذا من شأنه أن يقوض أعمالهم. قال أحدهم إن أربعة من أبراجه السكنية هُدمت في مارس/آذار.
فيما خففت الحكومة من موقفها في الأسابيع الأخيرة من خلال تمديد الموعد النهائي لتقديم طلبات التصالح لمدة شهر واحد والذي كان محدداً في البداية في 30 سبتمبر/أيلول، كما خفضت رسوم التصالح.
وذكر بيان لوزارة التنمية المحلية أن السلطات جمعت حوالي سبعة مليارات جنيه رسوم تصالح بحلول منتصف سبتمبر/أيلول. وقد ورد حوالي 1.1 مليون طلب تصالح حتى ذلك التاريخ.