قال رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، الخميس 3 سبتمبر/أيلول 2020، إن بلاده بحاجة إلى هدنة واستقرار لمواجهة التحديات، وسيكون لها غدٌ أفضل، بفضل ثقافة الحرية والديمقراطية، وذلك عقب خطاب شديد اللهجة وجَّه فيه الرئيس قيس سعيّد انتقادات لاذعة إلى بعض الأطراف السياسية، متهماً إياها بالخيانة ومحاولة التحايل على الدستور.
الغنوشي أدلى بهذا التصريح خلال حفل تسليم السلطة بين حكومتي إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي، بالعاصمة تونس، حيث أضاف أن "تونس في حاجة لهدنة واستقرار؛ نظراً إلى ما تمر به من تحديات كبيرة، على غرار التحديات الصحية والتنموية والمالية".
رئيس البرلمان الذي يرأس أيضاً حزب النهضة، قال إن الاستقرار ضروري لتقدُّم البلاد. والتداول السلمي للسلطة برفع الإصبع وليس برفع الأسلحة، مظهرٌ من مظاهر النضج والحضارة وستبني عليه تونس التقدُّم والازدهار والتشغيل والصحة. وتابع: "تونس اليوم تترسخ فيها ثقافة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ ولذلك سيكون لها غدٌ أفضل".
صباح الخميس، سلَّم رئيس الحكومة التونسي المستقيل، الفخفاخ، مقاليد السلطة إلى رئيس الحكومة الجديدة، المشيشي، بحضور شخصيات سياسية ورؤساء منظمات وطنية وهيئات دستورية.
المشيشي هو تاسع رئيس للوزراء في تونس منذ ثورة 2011، وسبق أن تولى حقيبة الداخلية، وشغل قبلها منصب مستشار أول لدى رئيس الجمهورية مكلفاً الشؤون القانونية.
وقال المشيشي (46 عاماً)، خلال كلمة له عقب تسلُّمه المنصب رسمياً في قرطاج بالعاصمة: "بكل سعادة وسرور أحضر اليوم هذا الموكب البهيج، وسط تقليد ديمقراطي لانتقال السلطة تَكرَّس في تونس الجديدة".
أما الفخفاخ فقدَّم استقالته في 15 يوليو/تموز الماضي، إثر تقديم نواب في البرلمان عريضة تطالب برحيله، على خلفية شبهات تضارب مصالح تُلاحقه وينفي صحتها.
الرئيس: "الأيام بيننا": كان الرئيس التونسي قيس سعيّد وجّه، صباح الخميس، انتقادات لاذعة إلى بعض الأطراف السياسية، متهماً إياها بالخيانة ومحاولة التحايل على الدستور، والارتماء في "أحضان الصهيونية والاستعمار"، متوعداً بكشفها ومحاسبتها.
تصريحات الرئيس التونسي النارية جاءت في كلمة ألقاها خلال حفل أداء الحكومة الجديدة لليمين الدستورية، الخميس، وذلك رداً على خطابات واتهامات وجّهها له بعض النواب خلال جلسة منح الثقة لحكومة المشيشي، الأربعاء، خصوصاً من أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
حيث وجَّه سعيّد تهديداً إلى جهات من دون ذكر أسمائها، قائلاً: "من يعتقد أنه فوق القانون فهو واهم، ومن يعتقد أنه يقدر على شراء الذمم إن كانت لديه أموال فهو واهم".
كما توعّد بعدم التسامح ومحاسبة من افترى وكذب، و"من فتح داراً للفتوى ليفتي بالدستور"، في إشارة إلى عزم هذه الكتل إدخال تغييرات في تركيبة حكومة المشيشي، واتهام الرئيس بتجاوز صلاحياته الدستورية، حين حذَّر من المساس بالتركيبة الوزارية، خاصةً وزراء السيادة.
وأضاف: "بيننا الله والأيام، وسيأتي اليوم الذي تعرفون فيه الحقائق كلها دون استثناء، إلا إذا كان هناك ما يتعلق بواجب التحفظ والاحتراز".
كما دعا الرئيس الحكومة الجديدة إلى الوقوف معه صفاً واحداً في مواجهة من وصفهم بـ"الخونة وأذيال الاستعمار الذين باعوا ضمائرهم ووطنهم".
ردود فعل: القيادي بحركة النهضة رفيق عبدالسلام وصف خطاب رئيس الجمهورية بالمتشنج، داعياً إياه إلى "القيام بدوره كمؤسسة تحكيمية وكضامن لوحدة البلاد واستقرارها، بعيداً عن خطابات التخوين".
ففي حديثه لـ"الجزيرة نت"، شدّد عبدالسلام على حاجة البلاد اليوم، بالتزامن مع تسلم الحكومة الجديدة مهامها، لخطاب جامع لا يُفرّق، وتعامل جميع الأطراف ضمن ضوابط الدستور ومنطق الدولة.
ولفت إلى أن الانتقادات التي طالت الرئيس في قبة البرلمان سبق أن طالت سابقيه كالمرزوقي والرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، في إطار روح الديمقراطية واختلاف الرأي، ولا تعطي أي مبرر لردود الفعل الغاضبة والمتشنجة.
من جهته، وصف رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" في البرلمان، سيف الدين مخلوف، خطاب الرئيس بأنه "خطاب انتقامي، يحمل تهديداً مباشراً للنواب ولمؤسسة البرلمان".
وعبّر مخلوف عن أسفه للاتهامات التي وجَّهها سعيّد للنواب بالخيانة والتطبيع، مؤكداً بالمقابل أنه كان ينتظر منه، في إطار أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، كلاماً محفزاً، ودعوة للوحدة ونبذ الخلافات، إعلاءً لمصلحة تونس.
كما سارعت قيادات حزبية من قلب تونس لإبداء موقفها من خطاب الرئيس، حيث تساءل القيادي في حزب قلب تونس، أسامة الخليفي، في تدوينة، عن الأطراف التي توجَّه لها قيس سعيد بالتهديد، كما سخر من استعمال سعيد لمصطلح "الاستعمار"، وهو الذي أنكره خلال زيارته لفرنسا، مستبدلاً إياه بـ"الحماية الفرنسية".