قالت وكالة رويترز، الإثنين 31 أغسطس/آب 2020، إن كلمة "الهجرة" أصبحت بحثاً على محرك جوجل في لبنان، بعدما تضاعف البحث عنها خلال العقد الماضي، إذ أظهرت مؤشرات موقع جوجل أن عمليات البحث عن كلمة "الهجرة" من لبنان وصلت لأعلى مستوى منذ 10 سنوات بعد الانفجار الهائل لمخزون ضخم من مادة نترات الأمونيوم، في مرفأ بيروت.
إحباط شديد: يأتي هذا في وقت تسيطر فيه حالة إحباط شديدة على الشباب اللبناني، إذ لا تغيب عن بالهم مشاهد الدمار الأليمة التي خلّفها تفجير مرفأ العاصمة بيروت، في 4 أغسطس/آب.
الانفجار زاد الوضع سوءاً في بلد يعاني، منذ أشهر، أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
كما رفع انفجار المرفأ من إحباط وغضب الشباب في لبنان، الذي يشهد منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، منها رحيل الطبقة الحاكمة، التي يتهمها المحتجون بالفساد وانعدام الكفاءة.
هذه الأحداث الأليمة المتراكمة دفعت الكثير من اللبنانيين، وخاصة الشباب منهم، إلى التطلّع والسعي إلى الهجرة إلى بلد آخر، لعلهم يحظون بحياة أفضل.
الانفجار قضى على بصيص الأمل: الشاب اللبناني كارل سماحة (23 عاماً) قرّر تسريع التجهيزات للهجرة إلى فرنسا بعد انفجار المرفأ.
إذ قال كارل إن "تفجير المرفأ قضى على بصيص الأمل الذي كان موجوداً بعد ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر الماضي)، صدقاً لم أعد أستطيع تقديم أكثر لبلدي".
كارل الذي نجا من الموت في تفجير المرفأ، قال: "كنت في معمل (مصنع) والدي في منطقة الجميّزة (قرب المرفأ)، حين وقع التفجير.. حتى الآن لا نعلم كيف أنقذتنا القدرة الإلهيّة حينها، تدمّر رزقنا وبتنا على الحضيض".
تابع قائلاً: "تعب والدي، والذي عمره أكثر من 50 عاماً، تدمّر بأقل من دقائق.. إذا كيف لنا البقاء في بلد يدمّر الأحلام؟!".
كما أردف: "قبل الحادث الأليم قدّمت أوراق الهجرة إلى باريس لأكمل دراستي الجامعيّة في الهندسة هناك، وبعد الحادث طلبت الإسراع في النظر بملفي للخروج من هذا البلد الذي أفقدني الأمل والأمان".
مشروع الهجرة: حالة رينا ضاهر (26 عاماً) لا تختلف عن حال غالبيّة الشباب اللبناني، إذ قالت رينا: "مع حصولي على الموافقة على الهجرة إلى كندا شعرت بالغصّة، لكن بعد ما حصل من حوادث أمنيّة وتفجير وتخبط في السلطة طوال هذا الشهر، أحمد ربّي أنّ كندا ستؤويني"، مضيفة: "لبنان جنّة على الأرض، لكنّ الطبقة الحاكمة دمّرت مستقبلنا، لذا قرّرت منذ مدّة أن أختار وطناً قادراً على احتضاني، بعد أن تخلّى وطني عنّي".
هجرة الكثير من اللبنانيين إلى الخارج ليست بالجديدة، بل تعود إلى عشرات السنوات، لا سيّما خلال الحرب الأهليّة (1975 – 1990).
إذ قال النائب المستقل إلياس جنكس في لقاء متلفز أواخر أغسطس/آب الماضي، إن السفارات الأوروبية في بلاده لديها حالياً نحو 380 ألف طلب هجرة من لبنانيين، منها 300 ألف طلب فقط لدى السفارة الكندية وحدها.
فيما لم يوضح النائب الفترة الزمنية التي جرى خلالها تقديم هذه الطلبات، وذكر أنه حصل على هذه الأرقام من مصدر مقرب من السفارة الكندية.
وهو ما شكك به محمد شمس الدين، باحث في الشركة الدوليّة للمعلومات، بقوله للأناضول: "هذا الرقم (الخاص بطلبات الهجرة) غير صحيح نهائياً، من الطبيعي أن يكون هناك رغبة بالهجرة إلى الخارج، لكنّ ما يتم الحديث عنه غير دقيق".
أوضاع اقتصادية متأزمة: كما عزا شمس الدين رغبة اللبنانيين بالهجرة إلى "الظروف التي تخيّم على البلاد، ناهيك عن الأوضاع الاقتصاديّة"، وأضاف قائلاً: "نحتاج إلى وقت لمعرفة أرقام المهاجرين.. بعد تفجير المرفأ ارتفع عدد المغادرين من لبنان، وغالبيتهم من اللبنانيين الذين يحملون جنسية أخرى".
رئيس حركة الأرض (غير حكومية)، طلال الدويهي، رأى أنه يوجد اضطراب في دقّة الأرقام المتداولة عن الهجرة، إذ قال الدويهي: "لا شكّ أنّ هناك طلبات كثيرة للهجرة، لكنّ التجاوب معها غير متوفّر".
أضاف قائلاً: "هناك شباب يذهبون إلى الخارج للالتحاق بجامعاتهم، والبعض الآخر يمتلكون جنسيّة أخرى، وغالبيّتهم يتوجّهون إلى أوروبا، أستراليا وكندا".
الدويهي تابع: "حركة الطيران التركي من لبنان إلى تركيا ناشطة، والعديد من اللبنانيين يستخدمون خط إسطنبول للتوجّه بعدها إلى بلد آخر".
وفرّق الدويهي بين الهجرة والرغبة بها، قائلاً: "هناك رغبة بالهجرة، ولا سيّما بعد الشعور بالتململ بعد تفجير المرفأ".
جنسية بلد آخر للخلاص من الأزمة: قرار حزم الحقائب اتُخذ بالنسبة إلى كميل شار (30 عاماً)، حيث قرّر التوّجه إلى إسبانيا لإكمال دراسته في علم النفس، في ظل ظروف قاسية أنهكت لبنان.
إذ قال كميل: "الحصول في الوقت الراهن على الجنسيّة الإسبانيّة صعب، لذا قرّرت إكمال دراستي هناك لمدّة سنتين"، مضيفاً: "وسأسعى جاهداً للحصول على الجنسيّة والعيش الدائم في إسبانيا التي أراها المنفس الوحيد".
بشأن احتمال أن يبدل رأيه، أجاب: "في بلدنا فقدنا أجمل أيامنا، لن أسمح أبداً بسرقة مستقلبي".
البقاء في لبنان قنبلة موقوتة: قصص هؤلاء الشباب لا تختلف عن قصّة سيلفي بارودي (27 عاماً)، إذ قرّرت العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، بعد أن كانت قد اتخذت قرارها بالاستقرار في لبنان، بلدها الأمّ.
بحزن شديد، قالت سيلفي: "خيار العودة إلى لبنان لم يكن بالسهل، فهو بالنسبة لأهلي كان مخاطرة، لكنّ كان هناك أمل بلبنان جديد".
كما أعربت عن أسفها لما شهدته بيروت في 4 أغسطس/آب، قائلة: "قُتل شعب بأكمله، استُهتر بحياة شعب بأكمله".
وخلف الانفجار 182 قتيلاً وأكثر من ستة آلاف جريح وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، وخسائر تتجاوز 15 مليار دولار، وفق أرقام رسمية غير نهائية.
سيلفي رأت أن "البقاء في لبنان وكأنك تحمل قنبلة في يدك ومحتمل أن تنفجر بأي لحظة"، واستطردت سيلفي قائلة: "آلاف الشباب ينتظرون تأشيرة على أبواب السفارات، هذه مشاهد عار على جبين السلطة".
ختمت: "نعم قرار العودة الدائمة إلى بوسطن قد اتُخذ، والعودة إلى لبنان باتت مستحيلة، خصوصاً أنّني خسرت مصدر رزقي بسبب التفجير، حيث تضرّر مكتب عملي في مار ميخائيل".