افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معركته القادمة مع خصومه في المنطقة، وتحديداً فرنسا، عبر البوابة اللبنانية، اعتبر أردوغان أن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يتبنى أهدافاً استعمارية في لبنان، ووصف زيارته الأخيرة لبيروت بالاستعراضية، وأضاف في كلمة بالعاصمة أنقرة: "ما يريده ماكرون وفريقه هو عودة النظام الاستعماري في لبنان، أما نحن فلا يهمنا التهافت لتُلتقط لنا الصور، أو نستعرض أمام الكاميرات. تشهد العلاقات التركية الفرنسية توترات كبيرة على خلفية التنقيب التركي في شرق المتوسط، هذا ما يخيف باريس التي تقود حملة شعواء على أنقرة، وتخوض ضدها معركة مصيرية في ليبيا عبر دعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ويبدو أن أنقرة متحمسة أكثر من أي يوم آخر على إثبات حضورها القوي في لبنان، والذي ترجم فعلياً عقب انفجار مرفأ بيروت، الذي استنفرت من خلاله الإدارة التركية لكل مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية. وعلى خط سياسي آخر حطت رحال الوفد التركي الرسمي الذي ضم نائب رئيس الجمهورية فؤاد أوكتاي، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ووفداً رسمياً رفيع المستوى في العاصمة اللبنانية بيروت، كان كلام الوفد واضحاً ودون مواربة بأن بلادهم حاضرة لإعادة إعمار المرفأ المنكوب، وتقديم مستشفيات ميدانية، وعلاج المصابين في تركيا، والمساهمة في رفع الأنقاض، والمشاركة في لجنة التحقيق الدولية حول أسباب الانفجار التي لا تزال غامضة التفاصيل لهذه اللحظة، لكن البرود الرسمي اللبناني لم يترجم على المستوى الشعبي، حيث نظم في وسط العاصمة بيروت استقبال شعبي حاشد للوفد التركي بحضور لافت لشخصيات دينية من مختلف المناطق اللبنانية، ما اعتبر أنه الرد التركي على الاستعراض الذي قام به ماكرون في شارع الجميزة في بيروت، والقول إن تركيا حاضرة وليست غائبة عن مسرح الأحداث اللبنانية.
ماكرون ورسائل بالجملة للأحزاب اللبنانية
لم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القول للقيادات اللبنانية التي التقاها في قصر الصنوبر بضرورة الحذر والتنبه لمحاولات تركيا التغلغل في الشارع اللبناني عبر تيارات الإسلام السياسي والتركمان اللبنانيين الذين يجدون في تركيا ملاذهم الآمن، حاول الرجل توجيه رسائل بالجملة، الأولى لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري بأن عليه العمل على إعادة الإمساك بالساحة السنية، والتي كان الحريري زعيمها لسنوات دون منازع، وبات اليوم المتراجع الأول في ساحته المهشمة، والتي تشعر بالضياع والإحباط، بسبب الخيارات الخاطئة التي سببت ضعفاً مزدوجاً للسنة في لبنان، أما الرسالة الثانية من ماكرون فكانت لحزب الله الذي يمسك بالساحة اللبنانية لكونه بوابة عبور لأي تدخل خارجي. يقصد ماكرون بالقول لحزب الله إن السعودية المتخبطة والضعيفة في لبنان أفضل من تركيا الحالمة والزاحفة لبلاد العرب، وعلى الرغم من العلاقات الدافئة بين أنقرة وطهران، يخشى حزب الله من دور تركي، هذا ما عبر عنه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في المقابلة التي أجراها وأشار فيها إلى طموح تركي بأن يصبح للأشخاص المرتبطين بها شمال لبنان نفوذ ووزن، نافياً إمكانية التوسّع في هذا الدور، فيما رسالة ماكرون الثالثة هي للأحزاب المسيحية التي فضلت إيران على تركيا بناءً على الصراع التاريخي والتحالفات الهشة التي جمعت العثمانيين ومسيحيي لبنان.
العرب بين الخشية والتخيل
على الجانب المقابل، حمل وزير الخارجية المصري سامح شكري للقوى السياسية التي التقاها في بيروت خشية مصرية – إماراتية من الحضور التركي اللافت في لبنان، والذي ترجم عقب بعد كارثة المرفأ، وأبدى شكري انزعاجه من مشاركة فريق تركي بعمليات التحقيق والإنقاذ وسط الركام في المرفأ، وأن هذا التدخل سيدفع أنقرة للإمعان بتدخلها في المشهد اللبناني عبر الجماعة الإسلامية (إخوان لبنان)، وجمعيات أهلية وإسلامية تمدها تركيا بدعم خيري ومساعدات لتسويق دورها في الساحة السنية اللبنانية، وأن بلاده وحليفها في أبوظبي لن يقفا مكتوفي الأيدي أمام حضور أنقرة في شوارع لبنان، الذي يستفز الجانب العربي.
تركيا: بين النفي والحضور.. السعودية غائبة
تنفي تركيا أي محاولات للتدخل في الميدان اللبناني، وأنها حاضرة لمساعدة لبنان واحتضان اللبنانيين الحاصلين على الجنسية التركية والتركمان المتواجدين في قرى الشمال والبقاع بالتنسيق مع الجهات الرسمية التركية، وتؤكد أنقرة مراراً وتكراراً أن سياسة التدخل بالدول هي جزء من ممارسة القوى الطامعة والاستعمارية في العالم العربي والإسلامي، وأمام هذا الموقف الرسمي لا تبدي السعودية حركة لافتة في الساحة اللبنانية وبين الحديث عن الانكفاء نتيجة اليأس من أي محاولات الحضور الفاشل، وبين الحديث عن انشغالها بملفاتها الداخلية وصراعات ولي عهدها مع الأسرة الحاكمة، والخشية من رحيل ترامب وفوز بايدن ومشكلة اليمن والصراع مع جماعة الحوثي وانقلاب الجنوب الإماراتي، لا يبدو للسعودية صوت يسمع في لبنان، وكأنها سلمت الدفة لأبوظبي كرهاً أو طوعاً في ظل الحضور الإماراتي اللافت والمتقدم والذي وصل لاستقطاب شخصيات مقربة من نظام الأسد وحزب الله، وتطويع صحف ومواقع ومؤسسات إعلامية وممارسة الشيطنة لتركيا وقطر، وهذا ما يسبب انشطاراً عمودياً في الساحة اللبنانية المشطورة أصلاً نتيجة الصراع الإقليمي والدولي في الأرض اللبنانية، يبزغ في الأفق اليوم صراع جديد تجره قوى إقليمية مع تركيا على الساحة المحلية، والذي كانت أنقرة تتورع عن الدخول فيه نتيجة لحساباتها مع إيران والغرب، لكن ومع موجة التحاق عربي بالمحور الإسرائيلي قد تجد القيادة التركية نفسها مجبرة على الدخول في أتون المشهد اللبناني الملتهب والمأزوم، مع محاولات جرها لمعركة عسكرية في المتوسط، وتشكيل تحالف واسع يجمع تناقضات العالم والمنطقة، لمحاصرة دورها ووجودها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.