لماذا جمدت الإمارات ضم إسرائيل للضفة الغربية رغم أنها موافقة عليه؟ إليك الخدعة

عدد القراءات
1,657
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/16 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/16 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش

بعد أن تم الإعلان عن اتفاق سلام إماراتي-إسرائيلي مرتقب بشكل مفاجئ، ثارت موجة من الانتقادات للتطبيع العربي، بينما أعلنت دول مثل مصر والبحرين تأييدهما ودعمهما لتلك الخطوة. ولكن دعونا نوضح بداية أن الدول العربية جميعها ليست ضد التطبيع مع إسرائيل، وعقد سلام معها من حيث المبدأ، فقد توّج الطرح العربي للسلام مع إسرائيل، القائم على فكرة "الأرض مقابل السلام" بـ"مبادرة السلام العربية" 2002، التي تنص صراحةً على أن الدول العربية في حال قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وانسحاب إسرائيل من الجولان؛ ستعتبر الصراع منتهياً، وستدخل في علاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل.

وقد كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستغل هذه النقطة كثيراً في المفاوضات مع إسرائيل أو في خطابه لها، كورقة ضغط أو جزرة المفاوضات، حيث صرّح مراراً أن السلام مع الفلسطينيين سيجلب اعتراف الدول العربية والإسلامية بإسرائيل، معتبراً أن تلك الدول في جيبه. ظلّ العرب، بشكل عام، ملتزمين بمبادرة السلام العربية على المستوى الرسمي، وهذا ما كانت تتمخض عنه مخرجات القمم العربية التي ربطت السلام مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية، لكن مباردة السلام العربية لم تتوافق مع تصورات إسرائيل للسلام، التي اعتبرت أن المعادلة يجب أن تكون "السلام مقابل السلام"، وليس الأرض مقابل السلام.

شاهدنا في السنوات الأخيرة تحولات في مواقف بعض الدول العربية من عملية السلام، فقد صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ذات مرة أن الفلسطينيين ضيعوا خلال 40 عاماً كل فرص السلام، وأن عليهم التوقف عن الشكوى والموافقة على الاقتراحات المقدمة إليهم، وأضاف أن القضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات السعودية. ترافقت تلك التصريحات وأتبعت بحملة إعلامية وفنية في السعودية والإمارات وغيرهما، لتشويه الفلسطيني والتودد لإسرائيل. 

أصبحت القضية الفلسطينية، ضمن هذا المنطق، عقبة يجب إزالتها أمام السلام مع إسرائيل والتحالف معها. أي القبول بالمبدأ الإسرائيلي "السلام مقابل السلام". فالقضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات بعض الدول العربية التي تنظر إلى إسرائيل كحليف مهم  في مواجهة إيران وغيرها من الدول الإقليمية التي تختلف توجهاتها عن توجه تلك الدول.

أتت صفقة القرن وإرهاصاتها السابقة ملبية للطموح السعودي-الإماراتي في التخلص من القضية الفلسطينية بأي شكل، حتى يتمكنوا من مباشرة العلاقات العلنية مع إسرائيل. ففضلاً عن "ورشة المنامة" والدعم الإماراتي السعودي لها، ومشاركة وزراء خارجية الإمارات وعمان والبحرين في مؤتمر الإعلان عن صفقة القرن؛ فإن الإمارات العربية أعلنت صراحة على لسان وزير خارجيتها أنها تدعم الخطة، وترى فيها نقطة انطلاق للتفاوض. وتبع ذلك تصريح لعبدالله بن زايد على حسابه في تويتر "أن الفلسطينيين يخسرون في كل مرة يقولون لا".

ما يهمنا الآن هو أن الإمارات كانت داعمة وموافقة على صفقة القرن، وكما هو معلوم فإن توجه الحكومة الإسرائيلية لضم مناطق شاسعة في الضفة الغربية هو أحد تجليات صفقة القرن، فكيف أقدمت الإمارات على خطوة السلام مع إسرائيل لوقف الضم وهي أصلاً موافقة عليه؟

إنني أعتقد أن ربط الإمارات سلامها مع إسرائيل بتجميد الضم، وفي هذا التوقيت، جاء في الأساس كخدمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لا الفلسطينيين بأي حال من الأحوال. حيث إن نتنياهو كان قد بنى حملته الانتخابية في الجولات الانتخابية الثلاث السابقة على أنه سيضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، وقد حدد شهر يوليو/تموز الماضي موعداً لذلك الضم، إلا أنه لم يحدث. بغض النظر عن الأسباب التي حالت دون حدوثه فإن نتنياهو بدا وكأنه أخلف وعده الانتخابي لجمهوره، وهنا كان لا بد من إنجاز جديد يغطي به على إخلاف وعده. وقد جاء السلام مع الإمارات، الذي ضرب به نتنياهو عصفورين بحجر واحد، كنصر خاطف سيزيد من أسهمه السياسية. فالحكومة الإسرائيلية الآن تعيش أزمة سياسية، أسهم نتنياهو في افتعالها، تهدد بعقد انتخابات برلمانية رابعة، كما أن نتنياهو يواجه احتجاجات عارمة ضد حكومته وفساده وتردي الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن تفشي وباء كورونا.

كان نتنياهو يصرح كثيراً بأنه توصّل لاختراقات في العلاقات مع عدد من الدول العربية والإسلامية، ويصور ذلك الأمر على أنه إنجاز مهم له. وفي ضوء الأزمات التي يعاني منها في الوقت الحالي، أتى الإعلان الفجائي عن اتفاق سلام مع الإمارات، لينقذ نتنياهو من الأزمات المتعددة التي تحيق به. فالأسلوب الدرامي الذي تم الإعلان به عن الاتفاق يبين بوضوح أنه جاء لخدمة نتنياهو شخصياً. فحسب الإعلام الإسرائيلي قام نتنياهو بالخروج الفجائي من جلسة الحكومة قائلاً "ستعلمون بعد ساعة لماذا خرجت". غطى الاتفاق على إخلاف نتنياهو لوعده بضم أجزاء من الضفة الغربية؛ كونه جمّد الضم كرامة للإمارات، وهو ما أصبح نصراً جديداً يضاف إلى رصيده السياسي، هذا في ضوء أن إسرائيل لم تتراجع عن الضم وإنما فقط جمّدته. المضحك في الأمر أنه إذا أعلنت إسرائيل نيتها الضم مجدداً فإننا قد نشهد اتفاق سلام مع دولة عربية جديدة لإعادة تجميد الضم، وهكذا دواليك.

 ربما نشهد في الأيام المقبلة انتخابات إسرائيلية رابعة اعتماداً من نتنياهو على زخم الاتفاق مع الإمارات، لأن نتنياهو يفتعل الأزمات حالياً مع شريكه في الحكومة بيني غانتس، لدفعه لفكّ الائتلاف الحكومي والتوجه نحو انتخابات رابعة. ومن المؤكد أن نتنياهو سيستغل الاتفاق مع الإمارات لتعديل وضعه في الكنيست والحصول على أغلبية يمينية تمكنه من تشكيل حكومة بزعامته.

إلى ذلك، فإن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يبدو أنهما تسارعان للتطبيع مع إسرائيل، للإعلان عن تحالف جديد في مواجهة الخطر الإيراني، كما تتصورانه. وتتمتع إسرائيل في هذا السياق بميزة نسبية إزاء إيران، تجعلها حليفاً مناسباً للإمارات والسعودية، وهي امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، الذي تخشى دول الخليج من امتلاك إيران له وتهديدها به. كما أن إسرائيل/الحليف تُقاسم دول الخليج خوفها من امتلاك إيران للسلاح النووي، وهي أيضاً تشاركها العداء للثورات العربية والحركات الإسلامية، التي ترى فيها دول الخليج تهديداً وبديلاً محتملاً لأنظمتها الاستبدادية. ولذلك فإنني أعتقد أن المحاور المائعة غير واضحة المعالم ستتحدد أكثر وتتخذ أشكالاً أكثر تنظيماً بعد هذا الاتفاق وما سيتبعه من اتفاقات.

وبشكل عام، فإن هذا الاتفاق غير تاريخي وغير جديد فقد سبقته عدة اتفاقيات سلام مع إسرائيل، مصر والأردن ومنظمة التحرير، ولن يكون الأخير. والذي سينتج عنه هو ازدياد كفر الشعوب العربية بأنظمتها وتعلقها بالقوى الخارجية التي ترفع القضية الفلسطينية ولو كشعار، مثل إيران وتركيا. فالمتأمل يجد أن الدول المحيطة بنا تتطور داخلياً واقتصادياً، وتزداد قوتها السياسية وتأثيرها الخارجي، وضمن ذلك يزداد اهتمامها بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، بينما الدول العربية ما زالت تنحدر على كافة الأصعدة، وتجري وراء التحالف مع إسرائيل بدلاً من أن تعمل على بناء أوطانها وخدمة شعوبها والوقوف صفاً واحداً مع القضايا العربية المشتركة.

إن بعض الدول العربية التي تسعى للسلام مع إسرائيل طمعاً في قوة دفاعية مشتركة، أو تقدم مزعوم، تتناسى عن عمد أن إسرائيل منذ وُجدت كانت كياناً معادياً للعرب وقضاياهم، وحتى يومنا هذا. فقد انتشرت مؤخراً تقارير عن وجود دفاعات جوية إسرائيلية حول سد النهضة الإثيوبي، الذي يهدد أمن مصر المائي. نفى مصدر أمني إسرائيلي ذلك الخبر لاحقاً، ولكن التجارب والحقائق علمتنا أن إسرائيل كيان معادٍ للعرب وقضاياهم، أعلنت ذلك أم أخفت. ولو أن الإمارات والسعودية وغيرهما يعتقدون أن الازدهار سيحل عليهم نتيجة السلام مع إسرائيل؛ فمصر والأردن لم تزدهرا ولم تصبحا دولاً متقدمة بعد السلام مع إسرائيل. ولو أن أحداً سيستفيد من الاحتلال الإسرائيلي لكان الشعب الفلسطيني هو أول مستفيد، ولكنه لم يستفد سوى أن أصبح عاملاً أجيراً لدى المستعمر، من خلال علاقة تشبه علاقة السيد والعبد.

لذلك، فكل الحجج والمبررات التي تُساق لتسويغ السلام مع إسرائيل تتهاوى قبل أن يبدأ النقاش حولها. وإن المستفيد الأول والأخير من السلام مع إسرائيل هي الأنظمة العربية الفاسدة، التي تسعى لتوطيد حكمها ومواجهة خصومها الفعليين والمحتملين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

كريم قرط
باحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية
باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية برام الله
تحميل المزيد