"زوال إسرائيل".. كلمتان لخّص فيهما الملك فيصل بن عبدالعزيز حلمه في الشرق الأوسط قبل سنين، فما الذي جرى في الخليج العربي ليتحول من حالة كراهية وعداء إلى مرحلة التطبيع المباشر مع العدو الإسرائيلي؟!
بدايةً، يجب أن نفرق بين الشعب والدولة، وما موقف الشعوب الخليجية إلا كباقي الشعوب العربية، تربوا على فلسطين باعتبارها القضية العربية الأولى. لكن القيادة التي تبنت هذا الرأي سنوات، بدأت بالتمهيد رويداً رويداً؛ لتغيير الجو العام لديها، وعملت على تسويق الاعتراف بالعدو الإسرائيلي كبلد جارٍ في المنطقة لا بد من التعامل معه والاستفادة من قدراته العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى التبادل الاقتصادي وصولاً إلى إعلان رسمي بتطبيع العلاقات.
تم ذلك بحجج مختلفة أبرزها حماية حقوق الفلسطينيين، ليتوالى التطبيع الخليجي مع الاحتلال، فمنهم من استقبل نتنياهو، ومنهم من سمح لرياضيين إسرائيليين باللعب على أرضه، ومنهم من أعطى الضوء الأخضر لمشاركة وزراء إسرائيليين في المؤتمرات الدولية التي تعقد على أرضه، بالإضافة إلى السماح لبعض الصحفيين والمسؤولين الإسرائيليين بالكتابة والظهور في وسائل إعلام خليجية.
وبعد كل تلك السنوات التمهيدية، وفي وقت مصيري لنتنياهو وترامب الغارقين في مشاكلهما الداخلية، أخذ القرار بإعلان تطبيع العلاقات رسمياً بين الإمارات وإسرائيل في محاولة لإظهار سيد البيت الأبيض وصديقه الإسرائيلي بطلين، حققا ما لم يحققه أسلافهما من قبل.
إذن، أكثر من استفاد من هذا الإعلان هو الإسرائيلي والأمريكي كما يبدو، فترامب سيستغل الحدث في حملته الانتخابية، ونتنياهو سيرمي هذا الإنجاز في وجه معارضيه وملفات الفساد التي تلاحقه.
لكن ما الفائدة المرجوة للخليجيين بشكل خاص والعرب بشكل عام من هذه الخطوة؟ وهل فعلاً ستمهد للسلام في منطقة الشرق الأوسط؟
ما هو مؤكد بالنسبة إليَّ، وربما لكثيرين غيري، أن هذا الإعلان وأمثاله، لن يحقق أي شيء للمنطقة، ولن يجلب السلام المزعوم إلى الفلسطينيين، حسبما يدعي أصحاب الاتفاق، وذلك لأسباب عدة، منها:
- بعد ساعات قليلة من إعلان الاتفاق و"إيقاف عملية ضم الضفة"، حسبما ادعى الجانب الإماراتي في تغريدة، خرج نتنياهو ليكذب حليفه ويعلن أن مشروع الضم توقف بشكل مؤقت! وبالتالي الحجة المرفقة لإعلان التطبيع، كُذّبت على الفور ومن جانب الحليف الجديد القديم!
- التجربة المصرية الأردنية في تطبيع العلاقات وتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل لم تجلب إلى المنطقة ولا إلى البلدين الازدهار ولا التطور، ولم تحقق شيئاً للفلسطينيين، ولم تمنع من قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية أو من قتل وتهجير أهل فلسطين.
- على الرغم من التنازل العربي المتكرر، وقبول العرب بمبادرة السلام العربية، وقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن الأخيرة استمرت في مشروعها الاستعماري ولم تقبل بمبادرة أعطتها أكثر من ثلث أرض فلسطين التاريخية، بل استمرت في الاستيطان بالضفة الغربية، وأعطاها ترامب فوق ذلك القدس عاصمة أبدية لها! فهل هؤلاء مؤمنون حقاً بالسلام العادل والشامل؟!
سيقول كثير من العرب: إن الوقت قد حان لإنهاء هذا الصراع الممتد منذ عام 1948، لاسيما أنهم الأقوى عسكرياً واقتصادياً ونحن لا قدرة لنا على مواجهتهم، وبالتالي سيكون من الذكاء أن نصالح وأن نقبل بحل ينهي هذه القضية إلى الأبد. لكن برأيكم، هل إن صاحب مشروع استعماري حالم بدولة من النهر إلى النهر وبدعم من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، ستمنعه بضع أوراق معاهدة أو اتفاق، أو حتى سفراء، من تنفيذ خططه، وهل هذه الدولة الدينية ستتوقف عن حلمها ببناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، وهل ستحترم المعاهدات الدولية وتمتنع عن قتل الفلسطينيين والعرب؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.