إنه اليوم الوطني لقصيدة "نساء بلادي نساء ونصف"، إنه اليوم الذي يتحول فيه الفيسبوك التونسي إلى اتحادات نسائية تدعوا لنا بالولاء والمجد والصحة والعافية. والحدث هنا لا يطول كثيراً، فحين تشير الساعة إلى ما بعد منتصف ليل تعود الأمور إلى سابق عهدها.
وينتهي بذلك سوق عكاظ النسوي الذي بات ينعقد كل سنة منذ اندلاع الثورة التونسية، في إطار إحياء ذكرى 13 أغسطس، اليوم الوطني للمرأة التونسية. وهو اليوم الذي أقر فيه الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية التي بموجبها تم منع تعدد الزوجات، وضمنت العديد من التشريعات التي مكنت من إقرار المساواة بين المرأة والرجل وإقامة إطار قانوني للطلاق والزواج، ومنح المرأة حق القبول والرفض والحضانة والتعليم والعلاج، تشريعات كانت تعتبر ثورية في تلك الفترة وكانت تُرى من باقي الدول الإسلامية والعربية استثناءات تحسد عليه التونسيات.
أما اليوم وبعد تسع سنوات من الربيع العربي المفجر في تونس، غدت حياتنا كنساء كالآتي: نقضي سنة كاملة تحت الفقر المؤنث حيث تبلغ البطالة في صفوفنا كنساء 22.6%، بينما تصل في صفوف الرجال إلى 12.4%. بالإضافة إلى تقاضي المرأة التونسية نصف راتب الرجل إذا ما كانت عاملة يومية في زراعة الأراضي في المناطق الريفية. أما في المناطق الحضرية فالأمر لا يختلف كثيراً، عاملات المصانع يمكنهن أن يعملن لأكثر من ثمانية ساعات في اليوم بدون أي حيطة اجتماعية وبراتب زهيد، ناهيك عن العاملات في المنازل. وحدث ولا حرج عن عاملات الجنس اللواتي يعملن في إطار الدعارة المقننة الذي سنّه المستعمر الفرنسي سنة 1942.
قبل انتشار قصيدة "نساء بلادي نساء ونصف"، أي قبل اندلاع الثورة، كانت عدد عاملات الجنس في حدود 300 عاملة يشتغلن في 10 مواخير مرخص لها. بعد الثورة وارتفاع الخوف من ضياع مكاسب الدولة المدنية والحداثية فاق عدد العاملات الألف، بل شهدت تونس ظاهرة "سوق الدعارة الافتراضية" لأن الجوع لا دين له.
إن النخبة السياسية المتحدثة اليوم باسم نساء الوطن، هي نفسها المتشدقة باسم تونس يوم أمس وهي التي جعلت بلادنا تحت رهن صندوق النقد الدولي وتواجه أكثر الأزمات الاقتصادية والسياسية بأساً منذ إعلان الاستقلال في 1956، لتصل ديون الدولة التونسية من 2011 نحو 4 آلاف مليار دولار.
ديون وهبات ومساعدات وخطب في المحافل الدولية، لم تكفكف أوجاع نساء هذا البلد ولم تغير من سوداوية "الفقر المؤنث" ولم توقف كابوس شاحنات الموت. فحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية توجد 40 حالة وفاة و530 جريحة بين النساء العاملات في مجال الفلاحة خلال الخمس سنوات الأخيرة؛ وذلك نتيجة ظروف النقل الكارثية وغير الآمنة التي تعيشها العاملات وهن في طريقهن من أجل كسب لقمة العيش على متن "شاحنات لا تليق بنقل البشر وفي طرق تشق الجبال الوعرة والممتلئة صخوراً وحفراً".
العنف المسلط على النساء يطال جميع التونسيات فلا فرق بين عاملة، أستاذة، كاتبة، طبيبة، أو محامية، كلنا سواسية تحت مطرقة المجتمع الذكوري.
ما لها إلا مرا
فلقد جاء في كتب أحد أكثر صحفي تونس شهرة ومكانة المخضرم توفيق بن بريك اتهامات شديدة الوطأة للروائية التونسية آمال مختار. وجاء لفظ "رقاصة" على لسان أحد النواب البرلمانيين توجه به إلى زميلته المحامية سامية عبو التي عارضت نظام بن علي سنوات وكانت مواقفها لا تروق لبعض النواب في البرلمان.
إضافة لنعت نائبات حزب النهضة الإسلامي بجواري الشيخ، ومن الناحية الأخرى يتم ثلب المنتميات للتيارات الحداثية واليسارية بالسافرات وشاربات الخمور والساقطات. هذه بعض من النماذج أسوقها ليتبين للقارئ زيف حديث النخبة التونسية عن نصرة النساء، إذ يكفي أن يتصفح أحدنا حسابات سياسيي البلد أو يتابع الخطابات واللقاءات السياسية خارج إطار يوم المرأة التونسية وعيد الأم ليرى ملء العين زيف الادعاءات. ألا يكفي أن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي قال: ما لها إلا مرا! على التلفاز مباشرة في رد منه على خصمته السياسية محرزية العبيدي!
"ما هي إلا أنثى" هكذا قال رئيسنا السابق الذي كان يرتعد خوفاً من صعود حزب النهضة الإسلامي في خطاباته قبل فوزه بالانتخابات. على اعتبار أن الإسلام السياسي خطر على نساء البلاد، وكان الإسلاميون آن ذاك رافعين شعار الدولة المدنية واحترام النساء وإشراك المرأة في الحكم وبعد انتهاء الانتخابات برضا جميع الأطراف لم تصل نسبة إشراك النساء في الحكم إلى بالثلث غير المعطل.
في الحقيقة ما هي إلا وجع!
تعود اليوم المرأة التونسية إلى ذكريات جيل الاستقلال الذي أقر لها بقوانين إيماناً منه بأن تحريرها من قيود التخلف المجتمعي. المرأة التونسية التي وصفها الثعالبي بـ"تونس الشهيدة" لأنها تُستشهد تحت مخالب الاستعمار والظلم. واليوم تونس كما نسائها تنهب وتحترق تحت ظل نخبة سياسية بوصلتها مصلحتها الضيقة لا أكثر.
عيد مجيد لنساء تونس
أنتن وجع الأرض وأنتن نساء أوجاع ونصف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.