بعد أن اقترضت من البنك الدولي والمواطن الفقير.. هل تعمل الحكومة الأردنية لصالح المواطن حقاً؟

عدد القراءات
543
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/12 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/12 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش
أسواق عمّان بالأردن -iStock

الطفولة التي مررنا بها كانت مليئة بالحرمان، كان الطفل ذو الهندام النظيف الذي يرتدي حذاءً جميلاً وثميناً ويملك بعض الأشياء الإضافية كقلم الحبر مثلاً متعدد الألوان (أبو الخمس فُطَع) ننظر إليه وكأنه من كوكب غير الأرض التي نعيش عليها. معظمنا كان من الأطفال الذين بالكاد يملكون الأشياء، كنا نصنع ألعابنا التقشفية البسيطة بأنفسنا، كنا نخلق لأنفسنا جواً من التسلية والمتعة بأبسط الأشياء التي نجدها في طريقنا، هذا حال السواد الأعظم لأطفال تلك الأيام الجميلة.

الحدث الذي يتذكره معظم مَن هُم في جيلنا الآن هو حين كنا نتودد في صغرنا إلى الولد الذي كان يملك كرة القدم "الطابَة" كما نسميها هنا في الأردن. كان هذا الولد بمثابة الدول الرأسمالية بحيث يتحكم بكل تفاصيل حياتنا ومصائرها أثناء اللعبة التي كان هو مَن يُعلن عن بدايتها وهو أيضاً مَن يُعلن عن نهايتها وقت ما شاء ذلك، فلا نستطيع النقاش أو الاعتراض حين كانت تأتي أخته الصغيرة مثلاً وتخبره بأن أمه تريده فوراً فتنهار كل أحلامنا فجأة، يا إلهي كم كانت قاسية تلك اللحظات.

عندما كانت تنفجر تلك الطابة، غالباً تحت عجلة إحدى السيارات أثناء لَعِبِنا في الشارع، كنا ننفض من حول صاحبنا هذا وكأنه شيئاً لم يكن. كل طفل يذهب في اتجاه مختلف حتى دون أن نودعه، لقد فقد سر قوته وبريقه إلى الأبد، حينها فقط كان يُدرك أننا كنا نتودد إلى طابته وليس إليه هو. يا إلهي كم كنا قساة القلوب على صاحب الطابة عندما كان يفقد طابته، كم تشنجت معدتي مرات كثيرة مِن الضحك في كل مرة أَتَذكر فيها هذا الموقف مفعم النذالة.

صراحة أعزائي القراء هكذا تُعاملنا الحكومة بشأن خوفها علينا من جائحة كورونا كوفيد-19، هي تُعامِلنا تماماً كما تَعامَلَ الأطفال "المصلحجية" قُساة القلوب مع الطفل صاحب الطابَة، الحكومة تُظهِر خوفها علينا من كورونا ببساطة لأنها تريد الطابة لا غير. في الظاهر يبدو أنها تخاف علينا من الإصابة بفيروس كورونا ولا تريد لنا الضرر، لكن للأسف الشديد أننا نكتشف العكس تماماً في كل مرة نهاية المطاف. حين تبدأ الحكومة تحذيرنا من موجة أخرى لكورونا قادمة على العالم وربما نحن أيضاً، فتبدأ باتخاذ قرارات الدفاع التي تضر بمصلحة المواطن المُعدم أكثر من مصلحة غيره بمراحل كثيرة.

بصراحة ودون الخوض بالتفاصيل، لا يمكن أن نصدق أن الحكومة فجأة أصبحت تخاف على مصلحة المواطن ويهمها كثيراً صحته وحياته وحمايته من كورونا، غير ممكن أبداً.

الحكومة التي تعيش على القروض والمساعدات والمنح والشحدة، نجدها وكأنها وجدت ضالتها أخيراً بفرض المزيد من الرسوم والمخالفات النقدية الكبيرة على الكمامة وغيرها. الحكومة التي تلجأ في كل مرة إلى جيب المواطن المُعدم كي تسد عجز موازناتها وباقي فشلها، لا يمكن أن نثق بصناديقها الكثيرة التي جَمَعت عشرات بل مئات الملايين من الدنانير وهي تصل نقودها إلى جيب المواطن المعدم مرة أخرى. الحكومة التي تطحن في المواطن لأجل إرضاء البنك الدولي كي يمُنَّ عليها بدين جديد يهدم مستقبل أبناء الوطن لعشرات السنين، بينما تغضّ الطرف عن عشرات الهيئات التي تستنزف رواتب موظفيها موازنة الدولة، لا يمكن لها أن تصبح فجأة وتعمل لمصلحة المواطن.

الحكومة التي تستغل الوضع وقرارات الدفاع لزيادة شريحة منتسبي الضمان الاجتماعي، لا نثق بأنها أصبحت فجاة تخاف على مستقبل المواطن وتبحث له عن ضمان لعيش كريم في شيخوخته، بالمناسبة ما علاقة زيادة منتسبي الضمان بمكافحة كورونا؟ جميل أن يصبح لكل مواطن راتب ضمان اجتماعي قبل أن يموت بأيام وبعد اشتراكه بالضمان لعشرات السنين. لكن لأننا لا نثق بالحكومة ولم نكن نثق يوماً بأي حكومة قبلها، صِرنا نعتقد بأن الحكومة تنظر إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي وكأنها بقرة حلوب بلا صاحب، فقط لأنها ملك للمواطن المعدم، الحكومة تريد "طابة الضمان الاجتماعي" لا يعنيها المواطن.

صراحة أرجو أن أكونَ مخطئاً، وأرجو أن يكون ما كتبته تواً محض اجتهاد شخصي فاشل، وأنا الذي سمعتُ مواطناً على أحد الإذاعادت المحلية وهو يقول للمذيع إنه شاهد رئيس الوزراء وهو يسير خلال موكب بسيط جداً يتكون من سيارة قديمة ورخيصة يقودها هو شخصياً يتقدمه جيب حرس ويتبعه آخر، جميل أن نرى موكب رئيس الوزراء بهذا الشكل الذي يحمل دلالات جدُّ رائعة، لكن هذا لا يكفي، ولا يكفي أيضاً أن يكون ما كتبت محض تُرهات، لا يكفي أبداً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد