لديه تسجيلات بجرائم وأسرار محمد بن سلمان.. هل يقضي الجبري على وليّ العهد؟

عدد القراءات
549
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/11 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/11 الساعة 20:12 بتوقيت غرينتش

حين اختفى الصحفي السعودي الأشهر، جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان الغرب في البداية مُتردِّداً في تصديق التسريبات التي أطلقتها الرئاسة التركية بأن خاشقجي قُتِلَ وقُطِّعَت أوصال جسده. 

مرَّ أسبوعان كاملان قبل أن تتَّهِم كارلوتا غال، مراسلة صحيفة New York Times الأمريكية، الرئاسة التركية باستخدام تسريباتٍ انتقائيةٍ في المنافذ الإعلامية المُدجَّنة المملوكة للدولة، بقصد الضغط على السعوديين. 

ألقت غال ظلال الشكِّ على التفاصيل المُروِّعة لمقتل خاشقجي، فكَتَبَت في 19 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام: "لم تحصل أيُّ صحيفةٍ على التسجيل الصوتي لعملية القتل، وحتى لم تسمع أيٌّ منها هذا التسجيل، ما .يسمح للحكومة ليس فقط حماية مصدرها، بل أيضاً أن تحافظ على تحكُّمها في مقدار ما تكشفه -ومتى". 

استهدفته "فرقة النمر" 

قبل أربعة أيام من الشكِّ الذي ألقته صحيفة New York Times على تفاصيل اختفاء خاشقجي، صرنا نعرف أن طاقم قتل ثانٍ من فرقة النمر قد هبط في تورنتو -كلُّ الأعضاء الـ50 للطاقم، بمن فيهم خبيرٌ في الطب الشرعي لمسح الآثار. 

كان هدفهم أخطر على وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مِمَّا كان خاشقجي بكثير. كان سعد الجبري الذراع اليمنى للأمير محمد بن نايف في وزارة الداخلية. كان يرقى إلى رتبة وزير، وكان يعرف كافة الأسرار المُحرِجة بوزارته، بما في ذلك ما يُزعَم أن الملك سلمان وابنه قد غمسا أيديهم في صندوق مكافحة الإرهاب التابع للوزارة، بما يصل إلى عشرات الملايين من الريالات السعودية في الشهر. 

كان الجبري، ولا يزال بالتأكيد، رجلاً من الداخل. وبعد الفترة التي قضاها مسؤولاً إعلامياً لوزير الأمن السابق، لم يكن خاشقجي إلا صحفياً ذا علاقاتٍ جيِّدة. لكنه في ذلك الوقت كان خارج الديوان الملكي. 

أفشى رجالٌ مُطَّلِعون من داخل النظام أسراراً تخص هذا النظام. لكن على عكسهم، فإن الجبري مستعدٌ لمواجهة النظام بشكلٍ كامل. 

لم تكن هذه هي الحالة مع الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأخ الأصغر للملك سلمان. ألمَحَ الأمير أحمد إلى عدم رضاه عن الطريقة التي تُدار بها الحرب على اليمن، حين تواصَلَ مع مُحتَجين يمنيين وبحرينيين خارج منزله في لندن. لكنه لم يتمادَ إلى أبعد من ذلك. ولم يقل محمد بن نايف هو الآخر شيئاً عن الإذلال الذي تعرَّض له، والحال نفسه بالنسبة للأمراء الذي جُرِّدوا من أصولهم في ريتز كارلتون.

الاستخبارات المركزية الأمريكية تصبح طرفاً في اللعبة 

لم يعد للجبر شيءٌ يخسره. ووفقاً لدعواه القانونية، فقد حاولوا استدراجه للعودة ورَفَض. وحاولوا استدراجه إلى السلطات القضائية حتى يمكنهم اعتقاله. ولديهم عملاءٌ يبحثون في الولايات المتحدة عن أماكن وجوده. وأرسلوا فرقة قتلٍ لينالوا منه، وفشلوا. 

ثم حوَّلوا وجهتهم إلى عائلته. رفضوا السماح لأبنائه بالسفر، ثم اعتقلوهم. لكنه لم يتراجع. ودسوا قصةً في صحيفة Wall Street Journal الأمريكية تقول إن مليارات الدولارات من صندوق مكافحة الإرهاب قد اختفت في عهد الجبري، وأنه مطلوبٌ عودته.

انتهت شكوك صحيفة New York Times حول ما قاله الأتراك بشأن اختفاء خاشقجي، حين وَصَلَت جينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى أنقرة للاستماع إلى تسجيلٍ صوتي لعملية القتل داخل القنصلية. ووفقاً لمصادري، فقد أجهَشَت هاسبل، التي تتحدَّث التركية ولاحقتها فضيحةٌ تتعلَّق بالتعذيب باستخدام الإيهام بالغرق، بالبكاء حين سمعت صرخات خاشقجي عند قتله. 

وحين خَرَجَت وكالة الاستخبارات المركزية لتقول، على نحوٍ لا يقبل اللبس، إنها تعتقد أن محمد بن سلمان هو من أَمَرَ بجريمة القتل، لم تحاول واشنطن كبحها. ويتَّضِح الآن أن أحد عناصر إصرار وكالة الاستخبارات المركزية على ذلك كان الجبري نفسه. 

وأكَّدَت الدعوى القانونية ما كَشَفَه موقع Middle East Eye عن "فرقة النمر" وما أفادت به دانيا العقاد حول الجبري نفسه. لكن الدعوى تضيف المزيد من التفاصيل، بما في ذلك الادِّعاء بأن فرقة النمر تأسَّسَت باعتبارها فرقةً لتنفيذ الاغتيالات التي يأمر بها محمد بن سلمان بعدما رَفَضَ الجبري طلباً من محمد بن سلمان لاستخدام القوات السرية داخل وزارة الداخلية، التي كانت آنذاك تحت سيطرة الجبري ومحمد بن نايف، لتسليم أميرٍ سعودي يعيش في أوروبا. وكان ذلك الأمير قد انتَقَد الملك سلمان على الشبكات الاجتماعية. 

صفقة سعودية مزدوجة 

نعرف أيضاً أن محمد بن سلمان يُزعَم أنه شجَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سراً للتدخُّل في سوريا، رغم الدعم العام من المملكة السعودية للمعارضين. يفسِّر هذا أيضاً لماذا دَفَعَ الأمير محمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي والمُعلِّم المرشد لمحمد بن سلمان، أموالاً في وقتٍ لاحق للرئيس السوري بشَّار الأسد لخرق وقف إطلاق النار في إدلب لإثارة المتاعب للأتراك. 

تهدف الصفقة المزدوجة في سوريا، وبالتأكيد في ليبيا، إلى مواجهة المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية والإمارات، ألا وهو تركيا. إنهما لا يكترثان لا بسوريا ولا بليبيا. هذه مجرد تفاصيل. أما الصورة العامة التي يكشفها الجبري، فهي أن: صراع السلطة الذي بدأ حين أُطيحَ رئيس الجبري، محمد بن نايف، من منصبه كوليٍّ للعهد، ثم شُهِّرَ به منذ ثلاثة أعوام باعتباره مدمناً على المخدرات، لم ينته بعد. 

لم ينجح محمد بن سلمان، الذي احتلَّ مكان محمد بن نايف، قط في ضمان الانتصار، ومعه الشرعية. وهذا هو السبب وراء حرصه البالغ على إزاحة أيِّ شخصٍ قريبٍ من محمد بن نايف -أولاً خاشقجي والآن الجبري. 

ووفقاً للدعوى، قبل أن يتَّخِذ محمد بن سلمان هذه الخطوة تجاه محمد بن نايف، فقد طَلَبَ مشورة المستشار الرئاسي الأم ريكي جاريد كوشنر. أُزيحَ الجبري نفسه من منصبه الوزاري بعدما نما إلى علم محمد بن سلمان أنه قابَلَ المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جون برينان، مرتين، وكَشَفَ الدعوة التي تقدَّم بها محمد بن سلمان إلى بوتين بشأن سوريا. 

غادَرَ الجبري المملكة حين دشَّنَ رئيسه المُشهَّر به حملة ضغطٍ في واشنطن، وأخبرت وكالة الاستخبارات المركزية الجبري أنه مستهدفٌ الآن. 

سياسة التأمين على الحياة 

لا تقبع هاسبل ووكالة الاستخبارات المركزية على الهامش في الحرب المفتوحة بين الجبري ووليّ العهد. شقَّ الجبري طريقه وخَرَجَ ليقول في دعواه إنه وثيق الصلة بوكالة الاستخبارات المركزية. وثيق الصلة للغاية. 

وتنص الدعوى على أن "قلةً من الأحياء هم من لديهم شراكةٌ مع أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية … أوثق من سعد الجبري". وتضيف: "عبر عقودٍ من التعاون الوثيق مع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى حول موضوعات مكافحة الإرهاب أثناء خدمته بالحكومة السعودية، صار الدكتور سعد شريكاً موثوقاً يجدر السعي وراء معلوماته واستشاراته قبل اتِّخاذ قراراتٍ مصيرية بشأن الأمن القومي للولايات المتحدة". 

ويدَّعي أن قليلاً من الأحياء يعرفون أكثر منه عن قذارات محمد بن سلمان. وبالفعل قد تَرَكَ توجيهاتٍ على أشرطةٍ سجَّلها سوف تُنشَر في حال موته. هذه هي سياسة تأمينه على حياته. 

وعلى نحوٍ غير مُعتاد، يتمتَّع الجبري بدعمٍ عام. أخبَرَ مُتحدِّثٍ باسم وزارة الخارجية الأمريكية موقع Middle East Eye يوم الجمعة 7 أغسطس/آب، قائلاً: "سعد الجبري كان شريكاً قيِّماً للولايات المتحدة في ما يخص مكافحة الإرهاب. وساعَدَ عمله مع الولايات المتحدة في حماية أرواحٍ أمريكية وسعودية. ويعرفه الكثير من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، السابقين والحاليين، ويحترمونه". 

هذه التصريحات بشأن الدعم الأمريكي الرسمي لمُعارِضٍ سعودي تحمل الكثير من الأهمية. إنها أهم حتى إذا كنَّا، كما تكشف استطلاعات الرأي، في الشهور الأخيرة في رئاسة دونالد ترامب. وقال خليفته المُحتَمَل، جو بايدن، إنه سوف يعاقب القادة السعوديين على مقتل خاشقجي، وينهي مبيعات السلاح، ويجعلهم "منبوذين كما هم". 

المعركة على الخلافة 

على الأقل هذا يعني أنه إذا رَحَلَ ترامب، أو عندما يرحل، سوف تستعيد وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية سلطتها السابقة على قرارات السياسة الخارجية من البيت الأبيض. ستهب رياحٌ باردةٌ على قصر محمد بن سلمان في الرياض، حتى وإن نصَّب نفسه ملكاً بحلول ذلك الوقت. 

ويتمثَّل الأمل الوحيد المتبقي لدى الملك المستقبلي الشاب لتجنُّب الكارثة في فوز ترامب. إذا خسر ترامب، سوف ينهار كلُّ شيءٍ تقريباً حول ترامب معه. وسيكون محمد بن سلمان محظوظاً بالطبع إذا نجا، لأنه، بصرف النظر عمَّا سيفعله، سيكون بحاجةٍ إلى الدعم العسكري الأمريكي. وهذا ليس شيئاً يمكن استبداله بين ليلةٍ وضحاها بدعمٍ من بوتين أو من الصين. 

لم تنته بعد المعركة التي دشَّنها محمد بن سلمان حين أطاح محمد بن نايف منذ ثلاثة أعوام. قد يعتقد محمد بن سلمان أنه دَفَنَ ابن نايف في منزله، لكنه لم ينجح في قطع علاقات الأخير مع المؤسسة الأمنية الأمريكية. إنهم يرفعون رؤوسهم مرةً أخرى لصالح الجبري، وعائلته، وبن نايف، الذي يقبع في مكان احتجازه. 

يخوض الجبري معركةً يتعيَّن إنهاؤها مع محمد بن سلمان. وحتى في هذه اللحظة، بعد العديد من المحاولات لإسكاته، لا يزال محمد بن سلمان يرسل العملاء إلى تورونتو لإنهاء هذه المهمة. وكما أفادت صحيفة Globe and Mail الكندية، يقبع الجبري الآن تحت حماية ضباطٍ "مُدجَّجين بالسلاح" من شرطة الخيَّالة الكندية المَلَكية، علاوة على حرَّاسٍ خاصين.

ماذا سيفعل محمد بن سلمان إذا دُعِيَ الجبري للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس، حتى وإن كان ذلك في جلسةٍ مُغلَقة، وبدأ في الإفصاح عن جرائم الملك المقبل لهم؟ لقد بدأ النواب على كلا الجانبين السياسيَّين في الولايات المتحدة في حثِّ ترامب بالفعل من أجل تأمين حرية أبناء الجبري. 

رَفَضَ شبح خاشقجي أن يهدأ، والجبري الآن عازمٌ على إيقاف القتلة عن الاستمتاع بغنائم السلطة. كلُّ هذا يقود إلى استنتاجٍ واحد: محمد بن سلمان يواجه الآن أكبر تحدٍ خارجي لمحاولته الاستحواذ على التاج. 

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد