مهما قللنا أو هولنا من تقدير حجم انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت ومهما بكينا وتأسفنا على الضحايا والدمار الذي نتج عنه ومهما وزعنا الاتهامات بكافة الاتجاهات، وبشكل عشوائي أو بالارتكاز إلى معطيات حسية أحياناً أخرى، ومهما تعاطفت دول العالم مع اللبنانيين في مأساتهم هناك خيط غامض يجب لفت الانتباه إليه. أي جريمة لا يعاقب عليها المرتكب وحده بل يطول العقاب المتسبب والمتواطىء، فكيف الحال ونحن أمام تلك الكارثة الهائلة التي حلت بلبنان.
رقصة الزعماء
قبل أن نشير بأصابعنا إلى المتواطىء لابد من رسم صورة، وهي بالتأكيد صورة قاتمة عن تفاعل زعماء الطوائف مع هول المأساة. في هذا الوقت العصيب على لبنان واللبنانيين، بدأ زعماء الطوائف يخوضون معارك ثأرية لتحسين مواقعهم السياسية على جثث الضحايا ويستخدمون ركام وأشلاء مرفأ بيروت وما حوله، متاريس لهم ليس إلا. والدليل على ذلك، اعتبار بعض هؤلاء استقالة رئيس الوزراء حسن دياب بمثابة انتصار سياسي له ووضع خارطة طريق لتحقيق انتصارات أخرى.
ناهيك عن تحول تلك الكارثة إلى مسرح يتبارى على خشبته نواب وسياسيون لتقديم أفضل الرقصات. ففريق يقدم استقالته، وفريق يتوعد المسؤولين عن الكارثة، وهكذا دون تغيير حقيقي. وإنني أعتقد أن عارضات الأزياء يخجلن من الظهور على خشبات المسارح في مثل تلك الأوقات، إلا أن السياسيين في لبنان ما زالوا على خشبة المسرح دونما ذرة خجل.
فاعل الخير السعودي
إضافة إلى أولئك السياسيين، وصلنا تصريح فاعل الخير، المسؤول السعودي الذي زف لنا البشرى بإرسال المساعدات من المملكة إلى ضحايا الانفجار. لكن فاعل الخير لم يراع فترة الحداد، بل راح يتحدث ويهاجم حزب الله، ويشير بأصابع الاتهام نحوه.
لكن، ألا يعلم هذا المسؤول بأن مثل تلك التصريحات تخدم حزب الله ولا تسيء إليه، لأنه إذا ما كان صحيحاً ما يدعي المسؤول عن أن جزءاً يسيراً فقط من مخزون نترات الأمونيوم هو ما انفجر لأن حزب الله استخدم الباقي. إذن لولا حزب الله لكان هول الكارثة أكبر لو بقيت الكمية المصادرة كما هي.
فيا قاصد الذم وقعت في شرك المديح دون أن تدري. وبربطه الحديث عن المساعدات للمتضررين من الانفجار بالحديث عن حزب الله بدا المسؤول السعودي مساوماً اللبنانيين على ما يحتاجونه في هذه النكبة، وبدا وكأنه وصي على لبنان. وأنا لا ألومه على ذلك، فمن هو أكثر منه جاهاً وأعلى مركزاً في المملكة اعتقل رئيس وزراء لبنان في يوم من الأيام وأهانه من أجل كبح التمدد الإيراني في لبنان، فكانت النتيجة عكسية.
من هذا المنطلق أتساءل وبكل أسف إلى متى سيبقى الإخوة في المملكة العربية السعودية على ظنهم بأن من يعرج على رجليه الاثنتين في ذات الوقت يسير باستقامة.
فتش عن روسيا
أما عن المتواطئ فلا شك أنه على القضاء اللبناني الاستماع إلى سفير روسيا الاتحادية في لبنان بصفته ممثلاً لدولة تدور حولها كثير الشبهات بسبب علاقتها مع شركات الأمن والمرتزقة. أنا أعلم أنني وغيري لن نستطيع أن نفك أسرار وألغاز سفينة الموت التي حملت نترات الأمونيوم إذا لم تضع روسيا ما تمتلكه من معلومات على الطاولة.
البداية تعود إلى يوم 23 سبتمبر/أيلول عام 2013 حين أبحرت "روسوس" من ميناء باتومي في جورجيا متجهة إلى موزمبيق وعلى متنها شحنة نترات الأمونيوم، لكن أعطالاً فنية داهمت السفينة على مقربة من المياه الإقليمية اللبنانية فلجأت روسوس بدورها إلى مرفأ بيروت لإصلاح ما ألمّ بها من أعطال.
في المرفأ اللبناني خضعت "روسوس" للتفتيش، ونظراً لخطورة شُحنتها منعتْ سلطات المرفأ السفينةَ من مواصلة الإبحار، كما احتجزت عدداً من البحارة على متنها.
لكن مالكي السفينة تخلوا عنها وعما تحمله من شحنة، ولم يسددوا تكلفة وقوفها في المرفأ، كما لم يدفعوا رواتب البحارة، مما دفع السلطات اللبنانية إلى مصادرة ما تحمله السفينة من شحنة. وتخص السفينة رجل الأعمال الروسي إيغور غريتشوشكين ومعظم طاقمها من أوكرانيا الواقعة تحت النفوذ الروسي.
ولا يعرف لماذا تخلى غريشوشكين عن السفينة والشحنة بكل تلك السهولة ودون محاولة استعادتها. لذلك وبلا أدنى شك أقول إنه إذا لم توجه تهمة التواطؤ من السلطات القضائية اللبنانية إلى رجل الأعمال غريتشوشكين، وتستفسر وتضغط لبنان على السلطات الروسية عن نشاطاته وعن تاريخ السفينة غير المعلن، ستظل قصة سفينة الموت التي دمرت نصف بيروت أحجية ولغزاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.