انفجار بيروت.. ماذا يعني اتهام الإعلام الخليجي لحزب الله بمسؤوليته عن الكارثة؟

عدد القراءات
4,050
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/05 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/05 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

لم يكن ينقص لبنان واللبنانيين انفجار أشبه بالانفجارات النووية من حيث تأثيره ومداه، فالبلد غارق في الديون والفساد والطائفية السياسية حتى أخمص قدميه. والجيل الحالي المنتفض ضد هذه الأوضاع قد سامه النظام المصرفي المتشابك مع الطائفية السياسية الويلات لتأديبه على احتجاجه على تلك الأوضاع. ثم جاءت أزمة كورونا في ظل استمرار ما يمكن تسميته"انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019″ ضد النظام السياسي الطائفي وضد الفساد المتغول في كل مناحي الحياة. انتفاضة تشرين سبقها احتجاجات ممتدة للقوى الشبابية سواء في حملة "طلعت ريحتكن" أو حملة "بيروت مدينتي" وغيرها من الحملات والانتفاضات الشبابية ضد الفساد. لكن، في كل مرة كان النظام الطائفي بالتوازنات الإقليمية الراعية لكل تفاصيله قادر على تجاوز الانتفاض المتجدد بأقل الأثمان. لكن التظاهرات الأخيرة في أكتوبر الماضي أطاحت بعائلة الحريري من السلطة وإن خرجت خروجاً آمناً. إلا أن ذلك ترجم مباشرة لصالح حزب الله وقوى الثامن من آذار وأدى لتهدئة الاحتجاج وعدم توجيهه بقوته الأولية نحو الأوليغاركية المصرفية، العمود الفقري للفساد المالي والسياسي.

حديث الفساد المستشري

يقبع لبنان منذ زمن ضمن قوائم الدول الأكثر فساداً في العالم، ويتشابك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في تحليل الفساد في البلد الصغير، ووفقاً لتقرير مؤسسة الشفافية الدولية الأخير، بعنوان "مقياس الفساد العالمي- الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، فإن واحداً من بين شخصين في لبنان تعرض عليه الرشوة مقابل صوته الانتخابي، بينما يتلقى واحد من كل أربعة التهديدات إذا لم يصوت بطريقة معينة. وفي منطقة تعتبر فيها الانتخابات العادلة والديمقراطية استثناء، يكون الاستحواذ على الدولة أمر شائع، وفي نظام طائفي يقوم فيه الأفراد الأقوياء، بشكل روتيني، بتحويل الأموال العامة إلى جيوبهم الخاصة على حساب المواطنين العاديين، يشكل الفصل بين السلطات تحديا آخر، فالقضاء المستقل مع القدرة على القيام بدور المراقب على السلطة التنفيذية يعتبران من الأمور النادرة أو المغيبة في الحالة اللبنانية.

وتتفاوت التقديرات حول حجم الأموال المهربة من لبنان إلى الخارج، منذ أحداث 17 أكتوبر/تشرين الأول، أو حتى ما قبلها ما بين 3 مليارات إلى 10 مليارات دولار، ولم يُعلن إلى الآن عن الرقم الحقيقي من الجهات الرسمية المختصة. إلا أن ضعف الثقة في السلطة الحالية وتباطؤها في تحقيق بعض الإنجازات الحقيقية لإعادة بناء الثقة مع المواطن، يحول دون البدء في استعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج والتي كانت ضمن أهم العناوين في لبنان منذ انتفاضة 17 أكتوبر. ورغم أن الانتفاضة الحالية وانتفاضة 2015 أنجزتا قانون رفع السرية المصرفية المُقرّ حديثاً وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب إلا أن التجاذبات السياسية جمدت كل هذه الجهود، ويعتبر استرداد تلك الأموال ضرورة اقتصادية ومالية وطنية في هذا الظرف الاقتصادي الخانق والمفتقد للتمويل الدولي.

التداعيات الأولية والآثار المحتملة

هزّ الانفجار الضخم بيروت كلها وسُمع دويّه في كل المحافظات اللبنانية وفي دول جوار عدة حتى إن سي إن إن رصدت سماع دويّه في قبرص على بعد 240 كم من مركز الانفجار. عقب الحدث مباشرة وفي كلمة لرئيس الوزراء اللبناني أعلنت بيروت مدينة منكوبة من قبل حسان دياب، رئيس الوزراء الذي شهد التوافق عليه شداً وجذباً بين القوى السياسية ورفضاً من قبل الشارع اللبناني المنتفض الذي لم يهدّئ عنفوانه سوى أزمة كورونا، كما شبه العديد من المسؤولين -ومن ضمنهم محافظ بيروت– الانفجار بانفجاري هيروشيما وناغازاكي النوويين. 

تشير التقارير المبدئية إلى انفجار كميات هائلة من المواد الخطرة داخل مستودعات ميناء بيروت، وأن الحصيلة الأولية للخسائر البشرية 100 قتيل على الأقل وإصابة قرابة أربعة آلاف شخص، بحسب رئيس الصليب الأحمر اللبناني جورج الكتاني. هذا العدد من القتلى والجرحى أدى إلى خروج العديد من المستشفيات من الخدمة بحيث لم تعد قادرة على استقبال المزيد الجرحى. كما أن بعض المستشفيات القريبة من الانفجار تحطمت بسبب الارتدادات كما تحطمت وتضررت عديد البنايات والمباني، وفقاً لتقارير صحفية على مدى حوالي 23 كيلومتراً من موقع الحادث، ومع انتشار الضرر على بعد كيلومترات من موقع الانفجار بالقرب من مرفأ بيروت، لا يزال مستوى الدمار قيد التقييم، ويخشى السكان من غازات سامة ناجمة عن الانفجار.

ودعا الرئيس ميشال عون إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء في الخامس من أغسطس/آب، وأكد ضرورة إعلان حالة الطوارئ في بيروت لمدة أسبوعين، كما أعلن مجلس الدفاع الأعلى حالة طوارئ لمدة أسبوعين في العاصمة، وسلّم مهام الأمن إلى السلطات العسكرية.

إن حجم  الكارثة الإنسانية لا يتوقف عند حجم الانفجار والضحايا والخسائر المادية المباشرة إنما يمتد لأبعاد غير متخيلة في ظل الحديث عن أن مخزون القمح والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كان يخزن في الميناء الذي دمر بفعل الانفجار. وبخروج ميناء بيروت من الخدمة فإن عملية استيراد السلع الأساسية ستواجه صعوبات جمّة نظراً للأهمية الاستراتيجية للميناء في دولة لا تحتوي على ميناء آخر يستطيع استيعاب ذلك التدفق للواردات والصادرات سوى ميناء طرابلس بإمكانياته المحدودة. وعندما تضاف هذه الكارثة للأزمة الاقتصادية الخانقة فإن لبنان يحتاج مساعدات إنسانية عاجلة وممتدة. لكن تلك المساعدات ستخضع لعمليات تسييس قد تنطوي على مضاعفة الضغوط على لبنان وقد تحاول أطراف استغلال الأزمة لفرض توافقات سياسية معينة تنطوي على إخراج حزب الله من المعادلة أو تحجيمه ونزع سلاحه وتحميله المسؤولية ونبذه مجتمعياً.

الانفجار والاتهامات المتبادلة

لم تكن نيران الانفجار قد انطفأت بعد حتى انطلقت نيران الاتهامات بين التيارات السياسية المختلفة. الهدف الأول للاتهامات هذه المرة حزب الله والمراد تحميله تبعات الكارثة. فالحزب مستهدف باتهامات كبيرة من قبل القوى السياسية الأخرى، وموقفه ملتبس من انتفاضة 17 أكتوبر 2019. وإسرائيل والولايات المتحدة تستهدفان تصفيته وتصرّان على نزع سلاحه منذ عقود وتدفعان حلفاءهما الأوروبيين لتصنيفه منظمة إرهابية، والقوى السنية في المنطقة لديها موقف متشدد من الحزب، والقوى الثورية العربية رغم تقديرها لدور الحزب المقاوم تحمل موقفاً ملتبساً منه بسبب دوره في دعم النظام السوري الاستبدادي المرتكب لجرائم حرب بحق شعبه.

وقد تسارعت القنوات الخليجية المعادية لحزب الله مثل العربية وسكاي نيوز بنقل تقارير وأخبار تحمّل الحزب مسؤولية الانفجار، باعتبار أن معظم العمليات في الميناء كانت تحت سيطرة "غير رسمية" لحزب الله، وأن هناك احتمالية أن تكون كميات من الأسلحة مخزنة بالميناء. ولاتهام الحزب بالمسؤولية عن الانفجار وجهتين: الأولى أنه إذا كانت إسرائيل هي من نفذت هذا الانفجار سواء عبر عمل تخريبي عن طريق عملاء محليين أو عن طريق الاستهداف المباشر بالطيران تنفيذاً لتهديدات نتنياهو بتغيير قواعد الاشتباك واستهداف مؤسسات الدولة اللبنانية حال رد الحزب على مقتل جنوده في سوريا، باعتبار هذا العمل رد فعل على الحزب وباعتبار وجوده يشكل عبئاً على الدولة اللبنانية ومعيقاً للثورة على الفساد المالي والسياسي، ورغم النفي الإسرائيلي المتسارع ورسائل الطمأنة التي ترسلها إسرائيل وعرضها تقديم مساعدات للبنان فإن هذا لا يستبعد احتمالية تورطها في ظل سلسلة الانفجارات الغامضة التي أصابت مرافق ومنشآت نووية إيرانية وسورية في الفترة الماضية سواء عبر هجمات إلكترونية أو عمليات تخريبية.

والوجهة الثانية لتحميل الحزب مسؤولية هذا الانفجار هي كون الحزب مسؤولاً عن الأمن العام ويخترق الجهاز بكل تفاصيله سواء المطارات والموانئ أو حتى في التعامل مع التهديدات الأخرى المتعلقة بالتظاهر والاحتجاج، وهذا الوضع نتاج توافق سياسي، وهذه الوجهة تحمل الحزب مسؤولية انعدام كفاءة الإدارة سواء من ناحية تخزين مواد شديدة الخطورة في مرفأ حساس يمثل شريان الحياة للبنانيين والتغاضي عن تقارير فساد سابقة حول المرفأ. ويتساءل البعض إذا لم يكن تخزين 2750 طناً من مادة الآمونيوم شديدة الاشتعال وعالية الانفجار والسمّية متروكة هكذا في مستودع في مرفأ بيروت، وقربها بشر يتحركون وسيارات وشاحنات وقود.. إلخ. يعني تدور الحياة عادية بينما هناك قنبلة مرعبة في وسط المكاتب والناس ومتروكة منذ سنوات، إذا لم تكن تلك جريمة، فماذا تكون الجرائم، أو كيف تكون؟

تضامن عالمي ووعود بالمساعدة.. هل ستنفذ؟

عقب اندلاع الانفجار توالت بيانات التضامن الدولية مع لبنان الذي أعلن عاصمته مدينة منكوبة، ودعوة رئيس الوزراء اللبناني الدول الشقيقة والصديقة إلى مساعدة بلاده، بعدها بساعات أعلنت دول عدة، من بينها فرنسا والولايات المتحدة ومصر والكويت وتركيا وإيران، في بيانات تضامن إرسال مساعدات عاجلة إلى بيروت. لكن الأزمة الاقتصادية متفاقمة في لبنان، إذ هوت بأسعار صرف الليرة اللبنانية من حدود 1500 ليرة للدولار إلى ما يقارب 10000 ليرة للدولار، ومع تعقيداتها المتشابكة مع أزمة كورونا وتوقف السياحة وحركة السفر وتعطل موارد الدولة اللبنانية وتسريح مئات الآلاف من وظائفهم بالقطاع الخاص وارتفاع مؤشرات البطالة والتضخم بشكل غير مسبوق، لا يبدو أن تلك المساعدات سيكون لها بالغ الأثر.

وأخيراً، تحتاج لبنان إجراءات أعمق من مجرد بيانات التضامن وتمتد لتشمل إسقاط ديون وإعادة الأموال المهربة وقبول إقليمي بتغيير قواعد اللعبة السياسية في لبنان من نظام طائفي إلى نظام سياسي تعددي حقيقي يلبي طموحات الشعب اللبناني. وتحتاج لبنان للقطيعة مع الأسلوب التراكمي لتوزيع المكاسب والثروة بين النخبة الحاكمة.

يتفاوض لبنان مع دائنيه منذ شهور لمحاولة إيجاد مخرج من المأزق المالي والاقتصادي والسياسي الحالي دون تقدم يذكر وبمزيد من المشروطيات السياسية على اقتصاد شديد الهشاشة يحمل كل مقومات الاقتصاد السياسي للقهر، فهل ستقبل القوى الدولية والإقليمية انهيار معادلة القهر تلك؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد