"صحيح أن العنف متوفر ورخيص مثل الهواء في كلّ مكان والألم موجود كذلك". دنيا مخائيل
وحَّد العنف ضد المرأة بين جميع النساء، لا فرق بين امرأة وأخرى، إنّه يساوي بينهن جميعاً، والنساء دائماً ضحايا، تعالت الأصوات مؤخراً في الجزائر ضدّ العنف الموجه ضدّ المرأة وبعد تنامي عدد الضحايا، "خسرنا وحدنا منّا" عنوان حملة إلكترونية أطلقتها الناشطات النسويات لإحصاء عدد ضحايا العنف، فالعنف يصل أحياناً إلى قتل النساء والصمت جريمة في حقّ الضحايا، وكسره يتطلب شجاعة بالغة في مجتمع محافظ مثل المجتمع الجزائري.
إحدى وثلاثون ضحية من النساء "قُتلن في حوادث عنف منزلي في ظرف سبعة أشهر (ابتداء من 1/1/2020 إلى 25/7/2020)، أرقام غير رسمية وهي مرشحة للارتفاع، تنوعت أسباب القتل بين خلافات زوجية أو أسباب تتعلق بالغيرة والشرف فأزهقت أرواح النساء بسهولة بالغة، إذ مازال المواطن الجزائري يتذكر مقتل المرأة من تيبازة أمّ ثلاثة أطفال والتي قتلها زوجها بعدّة طعنات من سلاح أبيض، ومازال يتذكر أيضاً مقتل السيّدة من ولاية سكيكدة والتي قتلها طليقها، وصولاً إلى الجريمة التي هزت الجزائر مؤخراً بعد أن أقدم شرطي على قتل زوجته وطفليه وحماته وحماه ببرودة دم.
مازالت أرواح الضحايا تتساقط في صمت، ولا يكسر هذا الصمت سوى منشورات فيسبوك التي فضحت هذه الجرائم، أسباب العنف كثيرة، لعل أهمها الثقافة الذكورية التي تطبع بشكل سلس مع العنف الموجه ضدّ المرأة، فهو أهمّ آليات تأديب المرأة حسب المخيال الاجتماعي، والخوف من تفكك الأسرة يجعل المرأة تقبل بالعنف كتضحية من أجل عائلتها، فمجرّد مواجهتها للعنف والتشهير به يعرضها إلى مضايقات عائلية واجتماعية.
المتأمل في الواقع الجزائري سيجد أنّ المشرّع الجزائري لم يواجه هذه المشكلة بشكل راديكالي، فمازال قانون الأسرة يشكو من خلل واضح بشأن حقوق المرأة الجزائرية التي مازالت تعيش اليوم تبعية للرجل، رغم ما عرفت به المرأة الجزائرية من قوةّ وإشعاع عالمي في مواجهتها للمستعمر يخولها اليوم أن تكون قدوة في مجال حقوق المرأة، إذ ما تزال مؤسسات الدولة قاصرة في مواجهة هذه الظاهرة، لا توجد مراكز إصغاء، ولا مبيتات لضحايا العنف، وبقي الأمر مقتصراً على عمل بعض الجمعيات الحقوقية بشكل محدود.
كانت حملة "خسرنا واحدة منا" بمثابة صرخة النساء الناشطات في الجزائر لعلها تنجح في تسليط الضوء على معاناة بعض النساء اللواتي يتعرضن إلى مختلف أشكال العنف المعنوي والمادي وصولاً إلى القتل بدم بارد، حملة انطلقت في ثماني وأربعين ولاية، دوّنت إثرها بعض النساء بعض حوادث العنف.
حول أسباب العنف في الجزائر وتنامي هذه الأرقام المفزعة لخص الدكتور مختار كربال الدكتور في علم النفس بالجزائر بعض الأسباب، "إذا أردنا أن نتحدث عن العنف الممارس ضد النساء في الجزائر فهو يرتبط أولاً بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة خاصة أن هناك عوامل أصبحت تغذي وتزيد من وتيرة العنف بدءاً من العنف اللفظي إلى العنف الذي يؤدي إلى المرور إلى الفعل الإجرامي، ولعل أهم العوامل التي أعتقد أنها تساهم في ممارسات العنف ضد المرأة في الجزائر، أحدهما يرتبط بالضغوط الاجتماعية التي أصبح يعاني منها الرجل والتي تجعله غير قادر على تحمل أعباء الأسرة، قلة الدخل، ظروف السكن كلها ضغوطات يومية تجعل الزوجين يعيشان حالة إحباط شديد، والمعروف أن حالة الإحباط ترتبط بإشكاليات العنف حيث يصبح العنف التعبير السلوكي الذي يواجه به الشخص هذه الوضعية غير الملائمة".
ربّما كان الإحباط وغلاء المعيشة سببين من أسباب العنف المسلط على النساء في الجزائر، إلا أنّ الصحفية المهتمة بقضايا النساء الجزائرية "كنزة خاطو" تؤكد أنّ العنف ضدّ المرأة في الجزائر ليس وليد اليوم، إلّا أنّه وبفضل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، صار الحديث عن حالات العنف ضدّ النساء بمختلف أنواعه شبه يومي فقد سجلت أكثر من 2700 حالة عنف ضدّ النساء، من بينها 24 حالة وفاة، أرقام لا تعكس طبعاً الواقع، إذ إنّ التبليغ ضدّ العنف يُرعِب غالبية النساء بحكم الأعراف والتقاليد في المجتمع الجزائري الذكوري بطبيعته. وأشارت خاطو إلى تسجيل حالات انتحار نساء بسبب التعنيف الأسري والتحرّش الجنسي، خاصة أنّ الجزائر لا تضمن للمبلّغات عن العنف الحماية القانونية والمساعدة الاجتماعية الضرورية لهنّ وتؤكد كنزة خاطو دور الإعلام في ترسيخ العنف ضدّ المرأة من خلال البرامج والمادة الإعلامية التي تقدّمها للمجتمع الجزائري دون رقيب أو حسيب كبعض االبرامج الدينية التي تحرّض على العنف ضدّ النساء تحت غطاء الشريعة الإسلامية، وبرامج أخرى اجتماعية تضع المرأة في ثوب المتهمة بدل ضحية العنف الأسري.
صحيح أنّ المشرّع الجزائري قد سنّ قانوناً بشأن مناهضة العنف ضدّ النساء قبل أربع سنوات، ولكن لم يتمكن هذا القانون من معالجة الظاهرة، فمازال الخوف من المواجهة والتشهير بالعنف والالتجاء إلى الأمن وتسجيل شكايات في الغرض يرعب المرأة من وصمها في محيط عائلتها قبل المجتمع، فخضوع الزوجة إلى زوجها والصبر على الأذى من أخلاق المرأة المحترمة والزوجة المصون.
ربّما كانت الثقافة الذكورية كذلك أحد أسباب العنف ضدّ المرأة، فهذا العنف ينتمي إلى دائرة العادات والتقاليد، حسب ما وصفته الناشطة النسوية فريدة بوشناف، ومن واجب المرأة الصبر والدعوة لزوجها بالهداية، حسب تعبيرها، وتؤكد بوشناف أنّ العنف الجسدي الذي طال النساء قد سبقه تطبيع المجتمع الجزائري مع العنف اللفظي والنفسي.
كيف ننجو من العنف ضدّ المرأة في الجزائر، سؤال أجابت عنه الناشطة النسوية أمل حجاح التي اشتغلت على توثيق حالات العنف ضدّ المرأة في الحجر الصحي، فضرورة المعالجة القانونية خطوة مُلحة اليوم في الجزائر، وذلك بإدراج قانون يناهض العنف ضدّ النساء، فقانون 2015 المنقح غير كافٍ لمعالجة العنف، حسب رأي حجاج، كما أنّ الانفتاح على المجتمع المدني ومساعدة الجمعيات في المرافقة والمناهضة وتحسين القوانين في مناخ ديمقراطي سيكفل بالضرورة تطوير أوضاع المرأة في الجزائر.
تحاول النساء الجزائريات اليوم خوض معركتهن ضدّ العنف وضدّ القتل الذي يطالهن بكلّ شجاعة، يومياً تنشر مئات من المنشورات اليومية التي تفضح الممارسات الإجرامية في حقّ النساء، إلى جانب عمل المنظمات والجمعيات التي تحاول اليوم كشف الستار عن جريمة قتل النساء بدم بارد في الجزائر، مازال الطريق طويلاً، ولكنّ حفيدات للا فاطمة نسومر وحسيبة بوعلي، المجاهدات اللواتي قهرن المستعمر، قادرات اليوم على استرجاع حقهن في الحياة والكرامة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.