«اضرب في المليان.. طوبى لمن قتلهم وقتلوه».. ماذا تعرف عن شيوخ الديكتاتور؟

عدد القراءات
3,013
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/22 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/22 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش

توعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 20 يونيو/حزيران، بالتدخل العسكري في ليبيا إذا حاولت القوات التي تدعم الحكومة المُعترَف بها من الأمم المتحدة السيطرة على مدينة سرت الاستراتيجية. وعلى الرغم من أنَّ الرئيس السيسي لم يُنفِذ وعيده إلى الآن، لكنه سيحظى بدعم من قوة عليا إذا فعل. فعقب يومين من إعلان الرئيس السيسي، قدمت المؤسسات الدينية الكبرى الرسمية في مصر تأييدات رنانة. فمن جانبه، أصدر الأزهر، وهو واحدة من أكثر المؤسسات الدينية المُبجلة في العالم السُنّي، بياناً يدعم فيه موقف السيسي السياسي إزاء ليبيا. وزادت دار الإفتاء -السلطة الإسلامية الرئيسة في مصر- على ذلك بحثّ المصريين على دعم تهديدات السيسي، وقالت إنَّ أية معارضة تعتبر حراماً شرعاً. وفي سلسلة تغريدات على تويتر، أخبرت دار الإفتاء متابعيها الـ320 ألفاً بأنَّ المصريين يقع على عاتقهم التزام ديني تجاه القيادة الوطنية، الذين يجب عليهم طاعتها ودعمها، وإلا "فلا يستحقون شرف الانتماء لهذا الوطن".

وقد تبدو هذه التعليقات في غير محلها كونها صادرة عن كيان يختص في المقام الأول بالشريعة الإسلامية. لكن في السنوات الست الماضية منذ تولي السيسي الرئاسة، ازداد انخراط المؤسسات والشخصيات الدينية الكبرى في مصر بالشؤون المدنية. ووصل السيسي للسلطة بعد انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2013 ضد محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب بديمقراطية وحرية، الذي كان حزبه الناشئ فرعاً من جماعة الإخوان المسلمين. وترشح السيسي للرئاسة بأجندة معادية للإسلام، زاعماً أنَّ الدين والسياسة لا يتداخلان. بيد أنه منذ تولي المنصب، يستخدم الدين للدفع بأجندته السياسية وتبرير سياساته القمعية والشعبوية.  

ويمثل الدين عنصراً أساسياً في الحياة اليومية للمصريين، وتسيطر الدولة على المجال الديني. إذ تتولى الدولة تنظيم وإدارة المؤسسات الدينية الرئيسية الثلاث في مصر، الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، وتشرف عليها. وبصفته رئيساً، يتمتع السيسي بسلطة تعيين كبار الشيوخ والأئمة، وتحديد ميزانيات المؤسسات الدينية، والإشراف على أنشطتها. ومنذ تأسيس دار الإفتاء في عام 1895، وهي تدعم الأنظمة الحاكمة والقيادات السياسية في مصر، مع وجود استثناءات قليلة. لكن لم يحدث، إلا في عهد السيسي، أن تحولت إلى أداة دعائية دينية تُستخدَم باستمرار لفرض الأجندة السياسية لقائد الدولة.

وعلى مدار السنوات الست الماضية، أصدرت دار الإفتاء العديد من البيانات والفتاوى التي تدعم سياسات السيسي الداخلية والخارجية، أو تضفي الشرعية عليها. ومن المفترض أن الفتاوى تغطي المسائل الدينية في المقام الأول، لكن نحو 81 بياناً، من أصل 224 بياناً صدرت من بداية هذا العام وحتى حدود اللحظة، تتعلق بقضايا سياسية. وتتنوع هذه ما بين دعم إجراءات حكومة السيسي ومحاربة "كوفيد-19″، إلى الثناء على حملة الجيش المصري ضد المتطرفين في سيناء، ومهاجمة الإسلامويين وتركيا.

إضافة إلى ذلك، قدَّم شيوخ وأئمة دار الإفتاء أصواتهم دعماً للسيسي على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ المؤسسة.

إذ انضم المفتي الأكبر السابق لمصر الشيخ علي جمعة، وكذلك المفتي الحالي الشيخ شوقي علام، للمؤيدين صراحةً لسياسات الرئيس؛ ولا سيما حملته ضد الإخوان المسلمين، العدو السياسي الرئيسي للسيسي. وفي الذكرى السابعة لانقلاب يوليو/تموز 2013، هاجم المفتي علام الإخوان المسلمين وأثنى على السيسي للتخلص منهم. وأعرب عن اعتقاده بأنَّ الانقلاب "معجزة نبوية". وفي غضون ذلك، انتقد الشيخ علي جمعة بشدة جماعة الإخوان المسلمين، مستخدماً حججاً دينية لتبرير قمعها. وفي مقطع فيديو مُسرب يعود تاريخه لمطلع أغسطس/آب 2013، أكد الشيخ علي جمعة، أمام جمهور من ضباط الجيش والشرطة المصريين (من بينهم السيسي، الذي كان وزير الدفاع آنذاك)، أنَّ ردهم على الإخوان المسلمين يجب أن يكون قاسياً. وقال: "اضرب في المليان… طوبى لمن قتلهم وقتلوه… بل إننا يجب أن نطهر مدينتنا ومصرنا من هذه الأوباش. إننا نصاب بالعار منهم. ناس نتنة (ريحتهم وحشة) في الظاهر والباطن… وكأن الله أنزلها في أولئك". وبعد بضعة أيام، وتحديداً في 14 أغسطس/آب 2013، قتل الجيش والشرطة في مصر بوحشية نحو 800 متظاهر مؤيد لمرسي ​​في وضح النهار.

ويمكننا أن نؤكد أنَّ المؤسسات الدينية ورجال الدين الذين يؤيدون الأنظمة الاستبدادية ليست ظاهرة استثنائية في الشرق الأوسط. فعلى مر التاريخ وفي مختلف الأديان، استخدم القادة المستبدين الدين لخدمة أغراضهم السياسية. بدايةً من الحروب الصليبية إلى توسيع الإمبراطوريات الإسلامية، قدمت الهيئات الدينية تبريراً للفتوحات والغزوات والاستيلاء على السلطة. وحتى في الديمقراطيات الراسخة، اعتمد القادة على المشاعر الدينية لحشد وشحذ جمهورهم. (انظر إلى الطريقة التي سعى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحفيز أتباعه المسيحيين الإنجيليين من خلال حمل الكتاب المقدس خارج كنيسة سانت جون في واشنطن في أثناء حديثه عن الحاجة إلى الرد بعنف على المتظاهرين المناهضين للعنصرية).

لكن في مصر، استخدم السيسي المؤسسات الدينية لتبرير سياساته القمعية بطريقة لم يسبق لها مثيل في البلاد، متسبباً بضرر كبير لهذه المؤسسات نفسها. فإن أمّن الشيوخ دعمهم للسيسي على المدى القصير، فسيشهدون تقويض سمعتهم وتأثيرهم ومصداقيتهم داخل مصر وخارجها لمدة عقود قادمة.

  • هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأمريكية. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خليل العناني
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
تحميل المزيد