الأزهر والسيسي.. من تأييد “30 يونيو” إلى “تعبتني يا فضيلة الإمام” غضب مكتوم وخلاف يتصاعد

عدد القراءات
3,621
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/21 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/21 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش

"تعبتني يا فضيلة الإمام".. تلك الجملة المقتضبة من عبدالفتاح السيسي لشيخ الأزهر في مؤتمر عام كانت أبرز تجليات الأزمة المتصاعدة بين المؤسسة الدينية وبين السلطة السياسية في مصر.

تلك الأزمة التي لا يفهم العديد من السياسيين أسبابها بدأت منذ عام  2013 وكانت لها تبعات سلبية في العلاقة بين الطرفين وتراوحت العلاقة بينهما بين شد وجذب، فتارة تشعر أنه لا خلاف وأن مؤسسة الأزهر مثلها مثل الأوقاف ودار الإفتاء مؤيدة للسلطة السياسية بالمطلق، وتارة تشعر أن هناك خلافاً مكتوماً يحرص الطرفان على نفيه  وتجاوزه أحياناً.

أما عن سبب حديثنا عن الأمر فهو تجدد الخلاف العلني مجدداً بعد فترة من الهدوء النسبي بين الطرفين بفضل مشروع قانون يناقشه البرلمان يقلم أظافر الأزهر فعلياً وينزع منه سلطة "الفتوى" ويحيلها للسلطة التنفيذية، وقد وافق البرلمان مبدئياً على مشروع القانون رغم اعتراض الأزهر رسمياً عليه.

قانون الإفتاء يفجر الأزمة مجدداً:

القانون الذي وافق عليه مجلس النواب، في جلسته العامة، الإثنين، مقدم من الأزهري السابق والنائب الحالي أسامة العبد، وأكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس، بشأن تنظيم دار الإفتاء المصرية.

وأحال المجلس القانون إلى مجلس الدولة لمراجعة صياغته القانونية، تمهيداً لأخذ الرأي النهائي عليه في جلسة عامة لاحقة حيث تتجه المؤشرات لموافقة البرلمان بشكل نهائي عليه قريباً.

القانون الجديد يسمح لرئيس الجمهورية بالتمديد للمفتي الحالي الذي يتمتع بعلاقات مميزة مع السلطة التنفيذية حتى بعد بلوغه سن المعاش ودون أخذ رأي الأزهر.

في القانون القديم كان الأزهر الشريف له الكلمة العليا في تعيين المفتي وكان له السلطة المطلقة عليه وإن لم يستخدمها الفترة الماضية لأسباب سياسية.

 فهو من عيّن شوقي علام في فبراير/شباط عام 2013 في عهد الرئيس مرسي واستمر علام في منصبه حتى اليوم واعتبر أول مفتٍ منتخب وكان هذا من ثمرات ثورة 25 يناير/كانون الثاني.

القانون الجديد يستبق إحالة المفتي الحالي للمعاش وهو المقرب للسيسي خوفاً من أن يأتي الأزهر بمفتٍ جديد لا يكون بنفس المواقف السياسية الحالية لعلام، فعلام سيحال للمعاش العام المقبل بعد بلوغه السن القانونية  للمعاش، وهي الـ60 عاماً، في أغسطس/آب 2021.

كما يتيح القانون الجديد تبعية الإفتاء لمجلس الوزراء ويقوم بإثناء الأزهر من تلك السلطة، مما يعد خطوة أولى حول جعل المؤسسة الدينية مؤسسة حكومية بامتياز وتأميم الإفتاء كما حدث مع الأوقاف، ورغم أن الإفتاء مؤيدة بشكل شبه تام للسلطة ولا تمسك العصا من المنتصف في قضايا عدة مثل الأزهر، إلا أن هذا لم يكفِ عند السلطة، فحاولت فرض هذا القانون لمنع الأزهر العام المقبل من اختيار مفتٍ جديد قد يحذو حذو شيخ الأزهر أو يكون تابعاً له.

لماذا الخلاف بين الأزهر والسيسي؟

قد يسأل بعضنا ما هي جذور الخلاف بين شيخ الأزهر والسيسي والسلطة السياسية؟ وفي ظني أن سبب الخلاف الرئيسي هو أن شيخ الأزهر هو المسؤول الوحيد المتواجد منذ عهد مبارك ونجا من مقصلة الثورة ثم الإخوان ثم السيسي.

وأنه بذكاء استغل الثورة لصالح السلطة الدينية وأدخل تعديلات دستورية في دستور 2012 بالتوافق مع سلطة الإخوان تتيح له استقلالية بشكل شبه تام عن السلطة السياسية ثم حافظ على المكاسب بتأييده "ثورة" 30 يونيو/حزيران وظهوره في بيان 3 يوليو/تموز يبارك ويؤيد "مع التحفظ" فقدم السبت للسلطة الجديدة فأعطته الأحد بتحصين منصبه مجدداً في دستور "الانقلاب".

الذكاء السياسي لشيخ الأظهر ظهر في مواقف عدة تمكن فيها من الحفاظ على احترام حتى معارضيه من الإخوان له، فرغم تأييده المتحفظ لـ30 يونيو/حزيران تبرأ من سفك دماء المتظاهرين في الحرس الجمهوري وفي فض رابعة والنهضة في بيانات علنية نشرتها الصحف والقنوات والإعلام الرسمي ولم يستطع أحد تجاهلها، كما طالب بتسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب أكثر من مرة.

ثم عاد وأعن التأييد للسيسي وإقراره به كرئيس للجمهورية وتطورت علاقتهما معاً منذ 2014 واستمرت بين شد وجذب حتى اليوم.

المناورات السياسية لشيخ الأزهر تحير السيسي:

شيخ الأزهر وبصراحة يناور ويلعب سياسة أفضل من التيارات الدينية والسياسية الأخرى ويعرف حدود الممكن والمسموح في التعامل مع السلطة أي سلطة، وهو ما مكنه من البقاء حتى اليوم في منصبه رغم أن كل من اتخذ مواقف مناهضة ولو قليلاً للسلطة بل ومن اشتبه في موقفهم تم التخلص منهم مثل المستشار هشام جنينة وعشرات المسؤولين في جهات عدة بالدولة.

ذكاء شيخ الأزهر السياسي يقلق السلطة في مصر فهو يقف على مسافة بعيداً منها دون أن يقطع علاقته بها أو يعارضها، ولو أردت أن تعرف لماذا يُغضب شيخ الأزهر السلطة أانظر لوزير الأوقاف والمفتي وخطابهما المختلف تماماً في العديد من القضايا مع الأزهر.

فبينما يؤيد وزير الأوقاف والمفتي بشكل شبه مطلق السلطة السياسية في مصر تأتي مواقف شيخ الأزهر مختلفة قليلاً عنهما.

مواقف الأزهر تُغضب السيسي

نذكر لكم مواقف عدة أغضبت السيسي حتى صرح بغضبه علناً أكثر من مرة في وسط حديثه، بعضها سياسي ومعظمها شرعي وتنظيمي له علاقة بتوزيع الأدوار في الدولة.

كان أبرز تلك المواقف هو موقف شيخ الأزهر من الأحداث الدموية في عام 2013 مثل فض رابعة والنهضة ومثل أحداث الحرس الجمهورى وغيرها وتنديده العلني بسفك الدماء بل وترحمه على الضحايا عكس التيار السائد وقتها.

شيخ الأزهر كوسيط بين الإخوان والسيسي:

كما كان لشيخ الأزهر مواقف سياسية حاول فيها التوسط لتهدئة الوضع في مصر دون جدوى لتعنت كافة الأطراف وأولها السلطة، ففي أغسطس/آب 2013 وقبل فض رابعة سعى الشيخ جدياً لفتح باب التفاوض بين الإخوان والسيسي، ونظراً للأجواء المشحونة وتمسك السيسي بقوته والإخوان بدعاوى الشرعية فشلت مبادرته ووئدت في مهدها، لكنها كانت معبرة ورسالة للجميع بأن الأزهر لا يتبع أحداً، وأنه يعرض نفسه كسلطة وسيطة بين المتصارعين، وهذا في حد ذاته يغضب السيسي بأن يكون هناك طرف خارج عن سلطته.

واصل الأزهر دوره كهيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية في مواقف عدة، فبينما كان وزير الأوقاف يعد لقرار الخطبة الموحدة 2016 أصدر الأزهر وهيئة كبار العلماء بيانات تندد بهذه القرارات، وكادت تحدث أزمة كبرى بسبب هذا الرفض من الأزهر لقرار السيسي ووزير أوقافه، ورغم أن القرار يتم تنفيذه حتى اليوم، إلا أن موقف الأزهر لن ينساه السيسي.

السيسي هو صاحب فكرة الخطاب الموحد للدين، وصرح بهذا علناً أنه يريد أن يسمع كل المصريين نفس الخطبة ويتم تشكيل الوعي الديني عن طريقها، وهو ما نجح فيه جزئياً رغم اعتراض الأزهر.

رفض عزل عمارة وغيره من العلماء:

وكان للأزهر مواقف تنظيمية أغضبت السلطة السياسية ومورست ضغوط عديدة ليتراجع عنها، فالعديد من المغضوب عليهم من السيسي كانوا حول شيخ الأزهر ويحظون بدعمه بل وحمايته.

على سبيل المثال الدكتور محمد عمارة الذي ظل رئيساً لتحرير مجلة الأزهر الرسمية رغم مواقفه المعارضة للسلطة والتي أطلقها علانية، فهو من أصدر بياناً وهو رئيس تحرير الصحيفة يوم 3 يوليو/تموز 2013: "بيان القوات المسلحة في 3 يوليو/تموز هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي، الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير/كانون الثاني، والانقلاب العسكري يُعيد عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ستين عاماً، ويضر بالقوات المسلحة؛ لأنه سيشغلها عن مهامها الأساسية في الدفاع عن حماية الوطن".

وشنت حملة إعلامية ضخمة ضد شيخ الأزهر لعزل عمارة، إلا أنه صمد أمامها ولم يعطهم شرف الانتصار عليه وفرض العزل، وظل عمارة في منصبه حتى استشعر الحرج واستقال لتخفيف الضغوط على المؤسسة الدينية عام  2015 التي حاولت تخفيف الضغط دون المساس بعمارة، إلا أنه حل تلك المسألة باستقالته الرسمية مع حفاظه على الود مع الأزهر وشيخه حتى الموت.

الراحل محمد عمارة مجرد نموذج لعشرات الشيوخ حول المشيخة ومجمع البحوث كانت لهم مواقف مبدئية مخالفة للسلطة في مواضع عدة ومع هذا لم يتخل عنهم شيخ الأزهر لصالح السلطة وفي نفس الوقت حاول إسكاتهم أو الموازنة بينهم وبين النظام.

كان من المواقف شديدة التجلي لعلاقة الأزهر بالسلطة هو موقفه من فرض بعض القوانين التي يظن الأزهر أنها مخالفة للشريعة مثل قانون الطلاق الشفهي، ومثل رفضه تكفير داعش علانية واكتفائه بإعلان أنهم مفسدون في الأرض وغيرها، تلك المواقف التي لم تعجب السلطة، جعلت السيسي ينتقد شيخ الأزهر في وسط حديثه عام 2018 بمقولة "تعبتني يا فضيلة الإمام". 

المقولة تلك لم يقلها السيسي أبداً لأي سلطة وقالها فقط لشيخ الأزهر الذي يقف عقبة أمام طموحه لتطوير الخطاب الديني وفرض قوانين وآراء سياسية بصبغة دينية.

كما كان بيان هيئة كبار العلماء يمثل تحدياً واضحاَ للسيسي قائلاً: "ليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم"، وهو ما يعبر عن تحدٍّ لطلب السلطة السياسية.

وكان صمت الأزهر في العديد من القضايا وعدم تأييده المطلق للسلطة له دور في هذا الغضب المكتوم، فعلى سبيل المثال صمت الأزهر في الخلافات التي بين مصر وتركيا عكس الأوقاف والإفتاء، وصمت في قضايا سياسية مثل موقفه الواضح من جماعة الإخوان، فلا تكاد ترصد بياناً واضحاً للأزهر يهاجم الإخوان بضراوة مثل قرنائه في الأوقاف والإفتاء.

كل تلك المواقف تكشف لك أن الصدام ليس وليد اللحظة، فشيخ الأزهر يحاول أن يحافظ على مكتسبات مؤسسته كهيئة مستقلة، ويحاول الحفاظ على شعرة معاوية في التعامل مع السلطة، وفي نفس الوقت يحاول أن يبتعد عن الاصطفاف مع السلطة في كل صراعاتها. 

الخلاصة:

شيخ الأزهر هو ابن لجنة السياسات وتربية الحزب الوطني، وكان عضوا في الاثنتين، والخبرة السياسية التي اكتسبها بجوار المعرفة الدينية الواسعة له مكنته من اللعب على كل الحبال والرقص على رؤوس الأفاعي، كما في التعبير الدارج، وهو ما مكنه أن يكون المسؤول الوحيد الذي بقى في منصبه ثابتاً منذ عهد مبارك وحتى اليوم، فهل ينجح في الاستمرار بتلك السياسة أم يتمكن النظام من السيطرة عليه؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جهاد أنصاري
كاتب وباحث
كاتب وباحث
تحميل المزيد