لا شك أن المغرب، قد عرف تغيرات متسارعة داخلياً، وخارجياً في الحياة السياسة بعد "نهاية الثورات" الربيع العربي، والتي كان للرباط نصيب منها "حركة 20 فبراير" كباقي عواصم البلدان العربية، وقد تمخض عن هذا الاحتجاج، داخل المشهد السياسي المغربي، تغير مهم، بعد نقاشات وحوارات داخل البلاد. انتهت بتصويت بـ"نعم" على ميلاد دستور جديد للمغرب سنة 2011.هذا التغير الدستوري، أفرز عدة مستجدات دستورية، وقضائية، وحقوقية، وثقافية داخل "الوثيقة". لكن هل هذا المستجد الدستوري قد أعطى ظهور نقلة سياسية حقيقية داخل الأحزاب السياسية وطريقة عملها بالمغرب؟
في البداية، لابد من الإشارة إلى أن الدستور المغربي الجديد، قد أعطى مجموعة من الامتيازات الدستورية والقانونية، والمادية للأحزاب السياسية، لكي تقوم بدورها السياسي، وتخلق بذلك، دينامية كبرى داخل المشهد السياسي في الداخل والخارج. من خلال تنافس البرامج وتقديم القوانين والعرائض والحلول. وبالتالي مسايرة تطلعات المواطنين، وتحقيق تلك الاهتمامات الشائكة، من خلال الدفاع عن قضاياهم، وإشكالاتهم الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية، والحقوقية والبيئية وفي النهاية تحقيق "العدالة الاجتماعية".
لكن، رغم كل هذه المكتسبات، التي أتى بها الدستور للأحزاب في المغرب، إلا أن الممارسة السياسية الحزبية لم تخلق تطوراً أو انسجاماً مع تلك المستجدات. فما هو السبب إذن؟ هناك عدة عوامل، قد أدت إلى هذه الضبابية وافتقاد البوصلة "السياسية" بين الأحزاب، ونذكر من بين هذه العوامل التي شكلت ضعف العمل السياسي الحزبي بالمغرب:
افتقار الأحزاب إلى قيادة ذات طابع "قيادي"
أي بالمقارنة مع القيادات السابقة التي كانت تقود الأحزاب السياسية بالمغرب، ولها كاريزما وخط سياسي، أو أيديولوجيا ثابتة ذات ضابط وخطاب واضح. لكن، اليوم في المشهد السياسي الحالي نرى على النقيض من ذلك، أي أن الصورة الحزبية تفتقد إلى هذه الخاصية "القيادية-الكاريزما"، كونها لابد منها في العمل السياسي الناجح. لا سيما، وأنها تعطي الانسجام والتفاعل الإيجابي داخل عمل ومسار الحزب، والهياكل الموازية. وفي النهاية، يظهر بقيادة ذات تماسك ورأس واحد، وقوة قادر على طرح القضايا ومناقشتها، وكذا طرح حلول ناجع لحلها وتنفيذها في الأخير.
الترحال السياسي وتأثيره على الممارسة
رغم أن الدستور المغربي الجديد، أتي بقوانين جديدة تحد من الترحال السياسي "بشرط"، إلا أن من ينظر إلى نسبة الترحال السياسي في السنوات الأخيرة، داخل الأحزاب بالمغرب، يجد أن النسبة أكبر، رغم وجود ذلك الرادع القانوني. هذا العامل قد أثر على الانسجام الحزبي، وقد فقد مجموعة من الكوادر داخل الأحزاب، والعناصر الأساسية التي بنيت عليها. لذلك، يعتبر هذا العامل "الترحال" سلبياً بالنسبة للمشهد السياسي المغربي، ولم يعط أي جديد في العمل السياسي الحزبي بل ترك فراغاً بين الأحزاب. فهل تكون هناك قوانين أخرى أكثر صرامة تحرم الترحال السياسي في الحياة الحزبية المغربية في الاستحقاقات القادمة 2021؟
البرامج الحزبية والواقع
لا شك، أن تطور أي حزب أو تقدمه إلى الأمام، وكسب شعبية أكثر داخلياً أو خارجياً، تبدأ أولاً عند تطبيق تلك الخطط أو البرامج الانتخابية، التي صوت عليها الناخبون، وبالتالي وصل بها مرشح الحزب إلى سدة الحكم. لكن، في المغرب جل الأحزاب أو قل جميعها، لا يمكنها تطبيق تلك البرامج التي سطرتها خلال حملتها الانتخابية، ويمكن إرجاع الأسباب إلى العوامل التي تطرقنا لها سابقاً، إلى جانب النزاع الحزبي وحالة "البلوكاج" التي أصبحت خاصية متداولة لدى الأحزاب المغربية. وهذا في الأخير، أعطى صورة سلبية لدى المواطنين، الذين باتوا يشككون في الحياة السياسية، وفي العمل الحزبي ككل. إضافة إلى القيمة التي أصبحت تشكلها تلك الأحزاب في تحقيق نقلة نوعية على حياتهم "الاجتماعية-الاقتصادية".
في الختام، من ينظر إلى الحياة السياسية في المغرب اليوم، يرى أن الأحزاب أصبحت تدور في نسيج وأسلوب واحد "الضبابية".
بل باتت من حيث العمل، والتأطير، والأيديولوجيا متشابهة إلى حد كبير (لا تملك رؤية أو هدفاً معيناً). وذلك يحيلنا إلى السؤال الأساس: هل هناك أحزاب فعلية داخل المشهد السياسي المغربي يمكنها أن تمتلك رؤية حقيقة واستراتيجية مستقبلية تحقق متطلبات المواطنين الاجتماعية "العدالة الاجتماعية"؟.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.