لماذا يتعامل بعض “مثقفي السعودية” بدونية مع إسرائيل؟

عدد القراءات
9,402
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/19 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/20 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش
الباحث السعودي محمد الغبان، والذي نشر مقالاً بالعبرية في مجلة تصدر من جامعة تل أبيب بإسرائيل.

فوجئنا قبل أيام بمقال للباحث السعودي محمد الغبان، نشره باللغة العبرية في مجلة "كيشر"، التابعة لجامعة تل أبيب، وجاء المقال تحت عنوان: "مساهمة في تحسين صورة النبي محمد في أعين الجمهور الإسرائيلي: تحالفات ومراسلات محمد مع يهود شبه الجزيرة العربية".

المفاجأة لم تكن في أن هذا المقال يهدف إلى تسريع وتيرة التطبيع مع إسرائيل؛ تلبيةً لشروطٍ خارجية رسمت خارطة طريق لانتقال سلِس للسلطة في المملكة من سلالة آل عبدالعزيز إلى سلالة آل سلمان، لكن المفاجأة تكمن في أن هذا الباحث ينتهك أبسط قواعد اللياقة بإقحام النبي محمد في خدمة التطبيع.

 هل يعتقد هذا الباحث أن للرسول شرفاً كبيراً بتحسين صورته أمام الإسرائليين، أصحاب مجزرة دير ياسين ومجزرة قانا، بلطجية حصار غزة، وقتلة محمد الدرة، وغيرها من الانتهاكات والجرائم الموصوفة التي لا يكفي لتدوينها آلاف مؤلفة من الصفحات. ألم يكن من الأجدى له أن يبحث ولو عن حجة واحدة تُحسّن صورة الإسرائيلي في نظرنا، ولنفترض أنه بحث عن ذلك، ترى هل يستطيع إيجاد حجة واحدة تخدم هدفه؟

إن ما فعله هذا الباحث اليوم هو أفظع بكثير من تلك الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها إحدى المجلات الأوروبية للرسول في سنوات مضت، فلا يجوز الصمت عن هذا الكاتب الذي يوظف الرسول لخدمة التطبيع.

نحن نسلّم مسبقاً بأن مسألة انتقال السلطة في المملكة هي شأن داخلي لا يعنينا، لكن ما يعنينا هو أن الرسول أولاً عربي، ثانياً كلَّفه ربُّه بإبلاغ البشرية بدين جديد، فإذا ما اعتبرتم أن من حقكم احتكار الدين الحنيف بحجة وجود الأماكن المقدسة على أرضكم فهذا شأنكم، ولكن لأن الرسول عربي، ونحن كذلك، فلن نسمح لأحد بالتطاول عليه. ومع أننا لا نشاطركم السلوك نحو التطبيع، بل ندينه، فلا يمكننا أن نشهد على جريمة قتل خاشقجي مثلاً، حيث يمكن أن نقول إن خاشقجي قد تبخَّر إذا كان هذا مفيداً لانتقال سلس للسلطة، بحيث يحل الابن مكان أبيه بهدوء، لكن بشرط ألا يُقحم نبيُّنا العربيُّ في بازار التطبيع مرة أخرى.

ومن المؤكد أن هذا الباحث العظيم ليس وحيداً، بل هو عضو في أوركسترا التطبيع، يشاركه في ذلك جوقة من "مثقفي المملكة"، الذين يعتقدون أن الغباء موهبة. مثلاً الكاتب السعودي محمد الفوزان أعلن على صفحته الرسمية أنه يتمنّى زيارة تل أبيب إذا ما وُجّهت دعوة له. فهل أصبحت تل أبيب مزاراً مقدساً حتى يتمنى الحج إليها هذا الكاتب، وبعد نشر أمنيته وبسرعة فائقة تلقف الإسرائيليون ما قاله، فرحّب به شمعون أران، محرر الشؤون السياسية في هيئة البث "الإسرائيلي"، بينما كرَّر أفيخاي أدرعي، المتحدِّث باسم جيش الاحتلال الصهيوني ذات الترحاب بالفوزان. ومن اللافت أن هذا الكاتب يدعو منذ فترة طويلة على صفحات جريدة الشرق السعودية إلى الصداقة ما بين السعوديين والإسرائليين، ويبالغ أحياناً في التعبير عن ندمه لمعاداة الإسرائيلين (اليهود).

وأما سفيرة المملكة لدى واشنطن، فبعثت ببطاقة تهنئة بمناسبة عيد رأس السنة العبرية، حيث كتبت: "بمناسبة روش هشانا، ترسل صاحبة السمو السفيرة ريما بندر آل سعود تمنياتها لسنة جديدة سعيدة وحلوة". وأرفقت الرسالة بجملة "شانا طوفا سعيدة"، إلى جانب رسومات لتفاح وعسل ورمان، وهي الأطعمة التي تتضمنها ولائم رأس السنة العبرية. وفي ذلك تخطٍّ للعرف الدبلوماسي، حيث إن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعتمدة في مراسلات المملكة، فبأي حق تستخدم السفيرة كلمات عبرية ضمن رسالتها الرسمية.

ومنذ فترة ليست بعيدة، نال المدوّن السعودي محمد سعود خلال زيارته للقدس ما يكفيه لسنوات من الشتائم والأحذية والكراسي البلاستيكية التي تطايرت نحوه، بهدف منعه من الدخول إلى المسجد الأقصى، حيث كان في عداد وفد من عرّابي التطبيع، ولم يستنكر أحد مراسم هذا الاستقبال اللائق به سوى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الذي أعرب عن تضامنه مع المدون السعودي، وكتعويض له أخذ صورة تذكارية جمعته بابن نتنياهو.

 أما عبدالرزاق القوسي المختصّ بلغات جنوب الجزيرة العربية، فقد نشر في صحيفة "معاريف" الإسرائيليّة استنتاجات تاريخية مذهلة، حيث يقول في هذيانه: "في العام 1947 اتُّخذ قرار لتقسيم الأرض الفلسطينيّة لدولتين؛ عربيّة ويهوديّة. اليهود أعلنوا عن دولتهم سنة 1948، لكنّ الفلسطينيين لم يفعلوا ذلك. الأمم المتحدة اعترفت بدولة اليهود، ومن تلك اللحظة بدأ الفلسطينيون بفقدان الوقت. لو أن العكس هو الذي حصل، والفلسطينيون هم الذين أعلنوا عن دولتهم وامتنع اليهود عن ذلك، لذهبت فرصة إقامة دولة يهوديّة"، أو أنّ "السلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربية في طريقها لنهاية طريقها. ستتلاشى مع مرور الزّمن، وستختفي معها القضيّة الفلسطينيّة". انتهى كلامه.

أما "الكاتبة" أو "الناشطة" السعودية سعاد الشمري، فقد ظهرت في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية، قالت فيها إن "زيارة (إسرائيل) من أحلام السعوديين والخليجيين". وأما "الكاتبة "السعودية آلاء لبني فقد نشرت مقالاً تحت عنوان "شكراً نتنياهو". ليس هذا فحسب، فالصحفية والكاتبة السعودية سكينة المشيخص، في لقاء خاص مع قناة "مكان" العبرية، قالت "لا توجد لدينا مشكلة سياسية مع إسرائيل، إسرائيل لم تُطلق علينا حتى رصاصة".

هذا غيض من فيض، هذا قليل من كثير ظهر إلى العلن، أما ما يحدث في السر والخفاء فلا نعرف الكثير عنه. أليس في ذلك خطة مدروسة لتشويه صورة أبناء وبنات شبه الحزيرة العربية؟ هل النرجسية باتت ظاهرة اجتماعية في المملكة، علماً أنها في الأساس مرض فردي؟ والشيء القاتل في النرجسية ليس فيما ينسبه النرجسي إلى نفسه من فضائل وعظمة، بل فيما يُخفيه من دونية وقلة ثقة بالنفس. فما هو المبرر لتحويل النرجسية من مرض فردي إلى وباء اجتماعي في المملكة؟ لماذا يريدون أن يشعر السعودي بدونية غير مبررة أمام الإسرائيلي؟

إذا كان الخطر الفارسي هو السبب فالخطر الإسرائيلي أعظم وأدهى، وإذا ما كان السبب هو طموح ولي عهد إمارة أبوظبي بجعل إمارته أول إمارة إمبريالية في التاريخ، فعلى عقلاء المملكة عدم مجاراته في نرجسيته المعروفة للقاصي والداني.

وإذا ما انتقلنا مما يقوله البشر إلى ما عرضته قناة إم بي سي السعودية من مسلسلات تطبيع، على سبيل المثال مسلسلا "أم هارون" و"مخرج7″، نكون أمام صورة مكتملة عن حفنة من الطائشين تبثّ سموم الصهيونية في جزيرة العرب، بحجة عدم معاداة اليهود، متناسين قول الرسول: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، لكن ستكشف لهم الأيام أن بلاد نجد والحجاز هي بلاد خيّرة، لديها ما يكفي من الرجال والنساء الذين لا يعتقدون أن المجد يُبنى على بحبوحة أتت من برميل نفط، أو أن الأمن والأمان يأتي من تطبيع مع إسرائيل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد