يفرغون القمع والقهر فيمن هم أضعف منهم.. لماذا يبرر البعض التحرش؟

عدد القراءات
10,613
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/18 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/18 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
الاغتصاب الزوجي، الحق في الإجهاض، الشراكة بدلاً من الزواج.. كيف يتم فرض أجندات غربية بدلاً من قضايانا العربية العادلة؟

يبدأ أي شخص منا يومه في الغالب بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذه الأيام لا صوت يعلو فوق صوت الحديث عن التحرش، وبلاغات المجني عليهن، سواء من شخصيات عامة أو من مقربين لهن.

في الحقيقة، تبدو لي كتابة مقال كهذا كتابة مملة، إذ إنه في الغالب لن يخلو من ذكر البديهيات التي من المفترض أن نكون على دراية بها، ولكن الغريب أن أغلب الناس، الناضجين والعاقلين، خرجوا علينا بآراء ملتفّة حول حقيقة أن التحرش جريمة، معللين بأن وقوع الضحية في التحرش الجنسي قد يكون بسبب ملابسها، أو بسبب إيماءة، أو رد فعل لطيف بدر من دون قصد فسره الطرف الآخر على أنه رخصة للاعتداء عليها والتجاوز!

بدأ الأمر برمته بانفجار سيل من الشهادات من ضحايا شخص متهم بالتحرش والاغتصاب يدعی "أحمد بسام زكي" علی مواقع التواصل الاجتماعي. تخبرنا الشهادات المتواترة، والتي صدقها النائب العام المصري، أن من ضمن ضحاياه فتاة لم تبلغ 16 عاماً حينها، كما لم يسلم الفتيان الصغار منه أيضاً.

ثار الجميع في البداية، وطالبوا بتوقيع أقصى عقوبة ممكنة على الفتى الذي نزع من قلبه الرحمة وامتلأ عقله بالضلالات فسار في طريق الضياع. لكن رويداً رويداً بدأ يتم تفريغ القضية من محتواها، بمجرد أن ذكر أن زي المرأة لا يجب أن يكون مبرراً للتحرش، وأنه من غير المقبول أن يتحجج المعتدي بزي الفتاة حتى بدأ "التريند" في التحول إلى البحث عن أسباب كافية للوم ضحية التحرش.  المصريون الغارقون في غياهب الظلم والقمع يقعون دوماً فريسة لمتوالية القمع والقهر، تقهرهم السلطة فيقهر كل مصري أخاه وأخته الأضعف منه، يفرغون القهر والعجز على من هم أضعف منهم، وهذه عملية متصلة حتى نصل إلى أضعف فرد في المجتمع. لا أدري لماذا يشعر المصريون بالنشوة حينما يجتمعون من أجل تقرير مصير الموتى والحكم على الضحايا والجناة وكأن رأيهم مسموع!

على كلٍّ، بعد القبض علی المتهم، والذي يعد انتصاراً كبيراً نتيجة شجاعة الضحايا في الحديث عن أمر كهذا، بدأت عمليات التفريع للقضية من معناها ومحتواها بشكل شرس، حيث ظهر علينا من يبررون تحرش الرجال بالنساء لأن المرأة التي تخرج من بيتها في كامل زينتها تُعتبر فاجرة تستحق التحرش والاغتصاب.

إذا كانت تلك المرأة تستحق التحرش والاغتصاب فماذا عن تحرش الآباء ببناتهم، والإخوة بأخواتهم، تحرش الأقارب بالأطفال الرضع، وحوادث الاغتصاب التي تحدث لأطفال تحت سن الـ5 سنوات، لماذا ندفن رأسنا في التراب ونرفض مواجهة واقعنا وأزماتنا، لماذا لا يتم فتح تلك الملفات الشائكة.
أحب أن أسأل من يبرر التحرش بملابس المرأة، ما المغري إذن في ولد صغير، أو طفلة لم تتخط العشر سنوات، ما الذي يجعل أخاً يتحرش بأخته، وفي مواضع أخری يغتصبها، ما الذي يجعل أباً يتحرش ببناته؟

الإجابة متروكة لحضراتكم، أتساءل لماذا يتم قمع وإذلال المرأة في وطننا هكذا، المرأة التي هي أمي وأختي وزوجتي.
أشعر بعميق الحزن والخوف، بل وترتعد فرائصي حينما أتخيل أنه كان من الممكن أن أولد امرأة في هذا الوطن، وأن يكون جسدي مُعرضاً للنهش والتقطيع بالأيادي والألسن، أن أسير في الشارع وكل العيون تنظر لجسدي كأنهم يشاهدون فيلماً جنسياً.

أياً كان الشخص الذي يبرر التحرش، أياً كانت وظيفته أو مكانته فهو شخص بحاجة إلى استعادة توازنه واسترداد إنسانيته، لأن تبرير الجريمة لا يأتي إلا ممن اختلت موازين عقله فضعف حكمه ومات قلبه. إن محاولة إيجاد تبرير لفعل غير أخلاقي لهو جريمة أخلاقية لا تُغتفر.
وإذا كنت رجلاً لا يتمكن من التحكم في نفسه أمام امرأة غير عارية فهذا عار علی رجولتك، لأن كبح الشهوات وضبط النفس أمور واجبة علی المرء، ومن مكملات الرجولة والمروءة.

يقول "دانتي أليغري":

"أسوأ مكان في الجحيم سيكون محجوزاً لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة".

من فضلك فكِّر قبل أن تتبع قول أحد يحاول أن يمنح للمجرم تبريراً ينقذه.في مصر، النساء محتشمات، يرتدين ما يستر كل أجسادهن، ورغم ذلك لم تسلم أي امرأة من التحرش ومحاولات التنكيل بها، محجبة كانت أو منتقبة.
وحينما ترى أحدهم يحاول تبرير التحرش بغير المحجبة عن طريق عقد مقارنة بين المرأة وأي جماد آخر مملوك للرجل، قف وقل لمن يبلغك هذا القول إن الإنسان أغلی ما في الحياة، وإن ربه خلقه حراً، لا يملكه أحد، ولا يجب أن يفرض عليه أحد سطوته تحت أي شكل. وتذكر أن تبرير الجريمة الحالية سيسمح لك بتبرير الجريمة التالية، وحينها سيموت قلبك ويتيه ضميرك تحت ضربات التبرير والحجج التي تلوم الضحايا.
عزيزي القارئ، عليك معرفة أن المرء المقموع والمقهور يجب عليه أن يبحث عن حريته هو أولاً ولا يجب عليه أن يبحث عن أسباب تجيز لظالمه عدوانه، وألا يفتش عن أسباب ومبررات تجيز له ظلم مَن هم أضعف منه، لأن هذا عار لا يُمحی.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد