حل لمشاكله الداخلية وإعلانه ملكاً لمصر.. هل يقصف السيسي سد النهضة؟

عدد القراءات
8,970
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/17 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/17 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

يعاني الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، من مشكلات حادة حيال سؤال "الشرعيّة" واستحقاقه الحكم والسلطة على مصر. تحدّث السيسي منذ أحداث الثالث من يوليو/تموز مراراً عن أنه لم يتآمر على الرئيس الأسبق قط، وأن الجيش المصري لم ينقلب على مؤسسة الرئاسة، وحاول إعادة رواية الأحداث بشكل فجّ استفزّ كثيراً من التيار المهادن في حكم الإخوان، على غرار رئيس الوزراء هشام قنديل، للردّ على هذه المحاولات ونفي كلامه. كما عرض السيسي على مرسي في وقت ما التصالح، شريطة أن يتنازل له عن جملة من القيم، التي من بينها "الشرعية".

حاول السيسي أيضاً دفع المواطنين، ترغيباً وترهيباً، في جولتي انتخابات (2014/2018) وكانت محاولاته دائماً ما تبوء بالفشل والانتكاس، وتتحول إلى أشكال من القُبح الشعبيّ، التي لا يجد السيسي، وإعلامه، أمامها إلا تمجيدها، للإيحاء بأن ثمة تأييداً شعبياً للرئيس. عادةً ما كانت انتخابات السيسي الرئاسيّة تتألف من عدد من المشاهد المتكررة: عشرات اللافتات التأييدية في كل مكان قبل الاقتراع، ودعم إعلاميّ ضخم، ثم لجان خاوية، إلا من بعض النساء وكبار السن، رغم محاولات التمديد الانتخابي واستخدام أسلحة التلويح بالغرامات وإلغاء حصص الدعم السلعيّ.

يعاني السيسي أيضاً من مشكلاتٍ "أخلاقيّة" كبيرة في محاولة بناء سرديّة نظامه؛ فالجيش المصريّ، في عهده، ارتكب فظائع غير مسبوقة ضد جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم من غير المؤدلجين أودت بحياة الآلاف من البشر في سلوك لا زال يمثل مفاجأة وصدمة لكثير من عموم الشعب المصري. كما بات الجيش، في عهده، أداةً للتطبيع مع "إسرائيل"، العدو التقليدي الذي بنى الجيش على هزيمته شرعيةً سياسيّة وتاريخيّة وشعبيّة ممتدة، وأحلّ مكانها في مقام العداء: تركيا، تحت حجج واهية، وهي معادلة جديدة كلياً على سرديّات الوطنيّة المصريّة. كما وضع السيسي الجيش في مأزق أخلاقي أبديّ عندما خضع (السيسي) للضغوط السعوديّة بخصوص توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحريّة عام 2016، والّتي أسفرت عن تسليم أهم مضيق مائي استراتيجي على البحر الأحمر (تيران وصنافير) إلى الرياض.

 ويبدو، بوضوح، أن السيسي لم يتخلّص، في لاوعيه، من مشاعر الخزي المتعلّقة بأحد أسباب هذه المشكلات الأخلاقية، بيد أنه لا يزال يقاومها، بأكثر وسائل الدفاع النفسي بدائية: الإنكار. تمثَّل ذلك حينما هرول إلى استنطاق أحد قادة الهيئة الهندسية للجيش باسم ميدان "هشام بركات" بدلاً من "رابعة العدوية" على الهواء مباشرة، رغم أنّ ذكر "رابعة" في ذاته لن يقدّم جديداً في المشهد العام، ورغم أن بوسعه التنبيه العام على أجهزة الدولة البيروقراطية لتجنب ذكر اسم المذبحة بعد انتهاء الهواء. 

كما يعاني السيسي، نتيجةً لما سبق، من مشكلات غير ظاهرة مع الجيش بخصوص سياساته وتوجهاته؛ فقد انشق عدد من الضباط الأكْفاء عن المؤسسة العسكرية وتبنّوا خياراتٍ راديكالية على الجانب الآخر، عبر قتال الجيش، احتجاجاً على الانبطاح العام لنزوات الرئيس. وزجَّ السيسي بعشرات من ضباط الجيش من ذوي الرتب المتوسطة في السجن لمحاولاتهم الانقلاب عليه والتخلّص منه، وحاول بالفعل، عدد من الضباط والقيادات السابقة، منازعته على السلطة بنفس طريقته: العرض العام على الجماهير، ومحاولة الترشح للانتخابات من خلال الخلفية العسكريّة بشكل أو بآخر، مثل عنان وقنصوة وشفيق.

ولا ننسى أن السيسي ما زال يعاني أيضاً من مشكلات "اقتصادية" واجتماعية حادة، على الرغم من مرور أربعة أعوام على قرار تعويم الجنيه، وستة أعوام على قرار رفع الدعم. وقد ساهمت أزمة كورونا في إظهار عدم فاعليّة إجراءات السيسي الاقتصادية في معظم أشكال الإدارة المالية، حيث تقلّص الاحتياطي النقدي بسرعة كبيرة، وعاودت البلاد اللجوء إلى الاقتراض الضخم، ولم تجد مورداً غير ريعي بعد توقف السياحة، وتراجع حركة قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج. وانحسر كلّ التحسن الذي روّج له النظام في ظواهر هامشية إلى حدّ كبير، مثل توافر السلع في الأسواق، وثبات سعر صرف الجنيه أمام الدولار؛ بينما ازدادت أحوال المواطنين سوءاً، بعد رفع أسعار الطاقة، وزيادة الضرائب، وخصم الرواتب.

على الجانب الآخر، يحمل السيسي نزقاً طفولياً جامحاً نحو السلطة. أحلام، وترتيب مسبق، ومخيال كامل. بل والأكثر أنه يفكر، بلا جدال، في الطريقة الّتي يفسح من خلالها الطريق لابنه، محمود، نحو بعض من السلطة أو كلها. وقد رتّب السيسي كلّ الأمور مبدئياً: فكرسيّ الرئاسة مضمون "قانونياً" حتى عام 2034، والعسكريّون جرت عرقلتهم عن مساعي الوصول إلى السلطة قانونياً وبيروقراطياً، وللرئيس الحقّ في تعيين نائب له، ومحمود أُخرج من "الدُرج" مجدداً بقرار رسميّ يقول إنه ضابط مخابرات حربية كفء، متجذر في العمل الأمني – بلا واسطة – منذ أيام مبارك، كان متيقظاً للجانب المشبوه من ثورة يناير، ولحسن الحظ: فإن رحلته إلى روسيا لم تكن ممتدة كما أشاع البعض!

أمام هذه الفجوة بين ما هو كائن وما هو مأمول، هناك فراغ ينبغي ملؤه. يعلم السيسي جيداً أن الأوضاع "الظاهريّة"، خاصة على المستوى اليومي، مع انخفاض حدة "المثيرات" بمفهوم علم النفس، باتت أقل خطراً على نظامه من ذي قبل. كما أن خصومه، بعد ستة أعوام من الانقلاب العسكري، من الإخوان والجهاديين واليساريين والشباب، باتوا أقل شراسة بشكل مطلق، وأصبح لدى بعضهم تشبّع بالهزيمة لدرجة إمكانيّة مساندته والاغتواء بدعايته. ولكنه، في نفس الوقت، يعلم أن كثيراً مما يرتكز عليه، قد يتداعى، بشكل تراكمي أو مفاجئ، بتأثير ورقة الدومينو أو جناح الفراشة، وليس أدلّ على ذلك من أحداث "سبتمبر" الماضي الّتي فجّرها مقاول يحمل شهادة متواضعة كان جزءاً من منظومته.

لذلك، قد يحتاج السيسي قوةً دافعة – بشكل دائم – تبدّد نواقصه، وتداري عوراته، الأخلاقية والعسكريّة والاقتصاديّة، وتخرس معارضيه، وتخمد أي نوايا مستقبليّة للغدر به، وتُنصّبه ملكاً أبدياً على مصر، ولن يجد فرصة أفضل من: انتصار عسكريّ، على خصم متبجّح، سهل المنال، يهدد شعبه تهديداً وجودياً، مثل إثيوبيا. سيكون ضرب السدّ، حال أقر ونجح، بمثابة حلّ سحرّي، ممحاة حقيقية يمحو بها السيسي جُلّ خطاياه، أكتوبر بشكل جديد، عمليّة عسكريّة مهمة، تكتب فصولاً جديدة في تجربة الحكم، بدلاً من مقتلة رابعة الّتي دشّن بها حكمه الجبريّ.

منذ توليه السلطة، لم يبد السيسي أيّ تحمُّس ناحية الخيار العسكري لحل أزمة سدّ النهضة، بل على العكس، لجأ إلى مسار تفاوضيّ طويل للغاية، قدّم خلاله تنازلات نوعيّة، على رأسها قبوله بشرعيّة بناء السدّ نفسه، مروجاً لمقولات جديدة عن: حق إثيوبيا في التنمية، وحتمية الضرر بسبب تعرقل مسار مصر التاريخي بفعل أحداث يناير، ومتذرعاً بحقائق مشوّهة عن خطورة تدمير حلم أمة ضخمة في التنمية، مثل إثيوبيا، على الدور المصري في إفريقيا، ومتخذاً مسارات فنيّة متداخلة ومكلفة، مثل تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي وتبطين الترع.

ولكنّه أبدى منذ مطلع هذا العام انفتاحاً لا تخطئه عين على الحلول غير السلمية، بدايةً من افتتاحه قاعدة برنيس البحرية العملاقة على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، التي شهدت: مناورة "قادر 2020"، حيث التدريب على خوض حرب متعددة الجبهات بشكل متزامن، واصطفاف مقاتلات القوات الجويّة ذات المديات البعيدة والقدرة على إخماد الدفاعات الجوية المعادية وحمل الذخائر الخارقة للتحصينات، وكلمة العميد ياسر وهبة، المتحدث العسكري "الحقيقي"، والرجل المقرب من السيسي، التي حملت تهديداً لا لبس فيه إلى إثيوبيا، مروراً بحديثه عن "الانتهاء من المسارات التفاوضية" في حل أزمة سد النهضة كنوع من الإشارة إلى نفاد صبر البلاد على المماطلة الإثيوبية وامتلاكه حلولاً أخرى، وصولاً إلى كلمة سامح شكري، وزير الخارجية، في مجلس الأمن، والتي تضمنت الإشارة إلى أن مصر يحق لها الدفاع عن نفسها حيال هذا التهديد إذا لم تتمكن القنوات الدولية الدبلوماسية من استيعابه ومعالجته.

واليوم، بات مؤكداً – من خلال صور الأقمار الصناعية المحايدة – أن إثيوبيا بدأت "التخزين" الأوَّليّ لسد النهضة، والذي يبلغ المنتظر منه (4.9) مليار متر مكعب من المياه، وهو ما عبّر عنه بالفعل رسمياً وزير الري الإثيوبي، قبل نفيه مؤخراً في امتداد لسياسة المماطلة الإثيوبية، وهو نفس التوقيت، الذي يقوم الجيش خلاله بإعادة استنساخ مناورات "قادر" الاستراتيجية تحت اسم جديد هو "حسم 2020" (لم يظهر منها، في امتداد لسياسة النظام الأكثر انفتاحاً على الملف الليبي إلا ما يتعلق بالاتجاه الاستراتيجي الغربي، بينما تشير كل التحليلات إلى أنها تجري على كل الاتجاهات الاستراتيجية) – فهل سيشمل الحسمُ المتشنج نحو سرت والجفرة الاتجاهَ الاستراتيجي الجنوبيّ أيضاً أم سيظل السيسي غارقاً في الوحل، وبدلاً من أن يكتب وثيقة تأبيده في الحكم، سيكتب وثيقة عطش مصر ونهايته في نفس الوقت؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا
تحميل المزيد