تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.. لماذا يندب ويبكي العلمانيون العرب رغم تأييد المعارضة التركية؟

عدد القراءات
4,807
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/14 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/14 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
لماذا يندب ويبكي العلمانيون العرب رغم تأييد المعارضة التركية؟ / رويترز

بعد أن قرأ الكثير من الكتب وتعمق في أحداث الروايات وأبطالها المنتصرين على قوى الشر الغاشمة التي تسعى لتخريب العالم، قرر الفارس الحزين "دون كيشوت" أن يحمل سلاحه ويمتطي حصانه ويخرج لدحر الشر، ولكن أي شر؟ لا يهم، المهم أن الفارس المغوار سيقاتل كل عدو يلقاه وكل شرير يراه.

وحين عزم الخروج اختار لنفسه خليلاً ميطعاً كما هي عادة الفرسان، فكان أن أخبر الفلاح الفقير "خوليو بانسا" بفكرته وعزمه على البحث عن المغامرات وأقنعه باتباعه في مغامرته على أن يهبه إحدى الجزر التي سيحررها، فلم يتحمل بانسا المسكين هذا الإغراء وتخيل نفسه وهو أمير الأمراء وسيد السادة، فخرج معه يحدوه الأمل ممتطياً حماره العزيز.

لقد شك بانسا بأن "الدون كيشوت" مجنون، خاصة حين هاجم ذات مرة طواحين الهواء التي ما إن رآها حتى صرخ فيها بأعلى صوته أن توقفي ونازلي الفارس الشجاع. فلم يتمالك بانسا نفسه من الضحك، وأدرك أن شكه في جنون سيده بات حقيقة لا غبار عليه، ولكنه تذكر الجزيرة التي سيحصل عليها فما كان منه إلا أن صدق بوجود الأشرار لا الطواحين، وهكذا استمر يكذب عقله ومنطقه واستمر الدون كيشوت في حمقه إلى أن عاد به الأصدقاء إلى بيته ليسلم روحه لخالقها.

تعتبر رواية الدون كيشوت لصاحبها الكاتب الإسباني سيرفانتيس من أجمل ما كُتب، وواحداً من الأعمال الخالدة التي مازالت تقرأ إلى يومنا هذا ومازالت محط اهتمام النقاد والفلاسفة، فالرواية أعمق بكثير مما تبدو عليه والدون كيشوت والطواحين والمغامرات هي في صور ودلالات حاضرة وليومنا هذا في المشهد الإنساني، وبانسا الفقير البئيس الذي صدق الوهم وأطاع سيده مازال بيننا.

أهم الصور والمعاني التي تضرب برواية دون كيشوت "محاربة طواحين الهواء"، ولعلَّ محاربي الطواحين الهوائية يناسب العَلمانيين العرب. فكيف ذلك؟

مفهوم السيادة أهم مفهوم علماني:

في عام 1648 وتحديداً منطقة ويستفاليا الألمانية، وقعت القوى الأوروبية المتصارعة معاهدة للصلح، أنهت ما عرف تاريخياً بحرب الثلاثين سنة "1618-1648″، وكانت هذه المعاهدة هي أساس تكوين الدول الحديثة في أوروبا، والتنزيل الحقيقي للدولة الوطنية، فقد نصت هذه المعاهدة على ضرورة احترام الدول لحدود بعضها البعض، كما أقرت مبدأ السيادة كركيزة أساسية في العلاقات الدولية، وبفضل هذه المعاهدة أنهت أوروبا الصراع الديني باعترافها بكل من المذهب البروتستانتي والكلفيني.

تعتبر هذه المعاهدة أهم معاهدات التاريخ الحديث، وكما لاحظنا أقرت مفاهيم جديدة للعلاقات بين الدول الأوروبية، وأهمها كما قلنا "مفهوم السيادة"، والذي يعني باختصار سيطرة الدولة على كل ما يدور داخل حدودها وحرية التصرف فيه دون تدخل من الدول الأخرى، طبعاً هذا لن يستمر طويلاً.

ما لا يستسيغه المرء خروج بعض العلمانيين الذي يشيعون بين الناس أنهم علمانيون، ليشجوبوا قراراً سيادياً تركياً بتحويل متحف تركي لمسجد، مع أن ما ترتكز عليه كما قلنا الدول الحديثة مفهوم السيادة.

العلماني.. البطالة والدراسات العلمية

يمر العلماني  العربي بأزمة بطالة خانقة، تستدعي من البعض استحضار أفكار الدون كيشوت لكسب لقمة العيش، فالصحف تدفع مبالغ مهمة للغاية مقابل انتقاد الدين الإسلامي؛ فقد تحدث الإعلامي حافظ الميرازي على صفحته الشخصية، والذي عمل مع قنوات تلفزيونية كثيرة، عن المبالغ التي كان يتلقاه بعض الكتاب مقابل الطعن في الإسلام من سفير أمريكي سابق والتي تصل إلى 500 دولار لمقال من 600 كلمة. وهو مبلغ لا بأس به إذا ما قورن بالمهمة، فهل يا ترى ينتعش سوق العمل مع حادثة آيا صوفيا، وكم تصل  الأرقام التي ستُدفع؟ وهل ستُساهم في ميزانية الدول الأم؟

لقلة فرص العمل وانعدام الأفكار، لم يجد العلمانيون من عمل فباتوا يعلقون ويناقشون أموراً جانبية، وينتقدون أفكاراً  تتماشى ومبادئهم، تحت شعار "نحن هنا".

 
قبل مدة وفي خطوة غريبة وغير مفهومة خرج حزب يساري تونسي ببيان يندد ويحذر فيه مما سمّاه محاولة أسلمة تونس، بعد أن قدمت إحدى الجمعيات مبادرة لجمع الزكاة من المسلمين وتوزيعها على الفقراء، وطبعاً بما أن للأمر علاقة بالدين، فقد قامت قائمة اليساري ولم تقعد، فخرج بهذا البيان الذي أقل ما يقال عنه إنه مضحك.

منذ أكثر من ثلاثين سنة وتونس غارقة في الفساد، ومنذ أكثر من عام والبرلمان التونسي متوقف، ولا سُمع لليسار حس ولا خبر، ولكن بمجرد ذكر الزكاة يخرج علينا وعلى التونسيين بهذا الخطاب السفسطائي، الذي ود التونسيون لو خرج في مواقف كثيرة كانت تحتاج التضامن وبذل الجهد وإبداء الرأي وتسجيل المواقف التاريخية. ولكن للأسف لم يحدث ذلك، ثم فكرة الزكاة تتماشى والفكر اليساري، أليس يدعو لتقسيم الثروة ومساعدة الفقراء؟ أم أن الأمر له علاقة بالإسلام فهو مرفوض ولو كان حسناً؟

ولأن الفكر العلماني العربي الرائج اليوم يصب في نفس النهر، خرجت جريدة مغربية قبل أسابيع بمقال غريب عجيب، ودراسة سوسيو-اقتصادية لم يفكر فيها حتى دهاة الاقتصاد من الاسكتلندي آدم سميث مروراً بالألماني ماركس وانتهاء بالأمريكي جون كينزي، وتقول هذه الدراسة العلمانية إن المعلقة على خبر عدم فتح المساجد في المغرب، أن المساجد لا تنفع الأمة فالمتوضئ لا يساهم في ميزانية الدولة، أضافت أن شارب الخمر ومرتادي الحانات يساهمون في الاقتصاد الوطني ولهذا لا معنى لفتح المساجد، والواجب فتح الحانات!

بعد أن أثار مقالها سخط المغاربة، ونبهها حكماؤها أن المقال يكشف للناس حقيقة المشروع العَلماني في الوطن العربي، ويبين بالملموس حقدهم على الدين الإسلامي الذين يدين به معظم المغاربة إذا استثنينا المغاربة المسيحيين واليهود، وهؤلاء أكثر احتراماً للإسلام من العلمانيين العرب.

ليس أمام العلمانيين العرب من مستقبل ولا وراءهم من تاريخ فلهذا يتشبثون بتاريخ أوروبا ويراهنون على مستقبلها، مع أن أوروبا لا تهتم بهم ولا تعير أي اهتمام وتعتبرهم امتداداً للاستعمار الثقافي.

يقول الأستاذ صلاح سالم:

"… إن المثقف العربي –في كثير من الأحيان- حين يستعير لا يستعير ما يجعله أكثر معرفة أو لا يستعير من المعارف ما يمكن من خلاله أن يحل الإشكال الثقافي العربي، من ثم فحين يذهب إلى التنوير لا يستقي الصيغة الأكثر اعتدالاً منه، وكذلك حين يريد "علمنة" فيستقي الصيغة التي تجعله أكثر غرابة عن المألوف منها (لماذا؟)؛ لأن الهدف يكون في إبداء الاختلاف أكثر من رغبة حل المشكلة؛ فامتلاك تصور للحداثة أو أن تظهر بوصفك تنويرياً أو علمانياً أهم عند المثقف من أن يحل مشكلة الثقافة العربية مع العلمنة أو التنوير…".

المعارضة التركية والعلمانيون العرب

قبل يومين أعاد الأتراك متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وبهذا يعود لصبغته التي استمر من 1453 إلى 1934، أي من عهد السلطان محمد الفاتح، وإلى تاريخ حكم العسكري مصطفى كمال أتاتورك، الذي حول المسجد إلى متحف، كما حول مساجد أخرى إلى حانات، وأغلق دور القرآن وفرض اللغة التركية وحرم اللغة العربية، وحارب كل ما له علاقة بالدين الإسلامي، وهذا طبعاً كان صك اتفاقه مع القوى الغربية وعلى رأسها إنجلترا.

إن قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد كان قراراً سيادياً خالصاً، قراراً حكمت فيه سلطة القضاء التي وقفت فيه على وثائق تاريخية، حتى أن المعارضة التركية أعلنت دعمها للقرار، لكونه حدثاً داخلياً سيادياً داخل دولتهم، ولكن هذا لم يمنع العلمانيين العرب من الندب وشق الجيوب.

مقاتلة الطواحين الهوائية

العَلمانية مرحلة ما بعد الدين، شئنا أم أبينا، وهي من حيث الصيرورة التاريخية تجاوز للدين، فبوصفه ظاهرة إنسانية تتغير بتغير الزمن، فالعلمانيون الأوائل راهنوا على اختفاء الدين بعد علمنة كل شبر من حياة الإنسانية، وخاصة مع تقدم العلوم.

فهل يصبحون كالدون كيشوت يقاتلون الطواحين الهوائية، ويحققون انتصارات على فرسان من ورق؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد